09-ديسمبر-2022
gettyimages

يحتدم الصراع بين التيار الوطني الحر وحزب الله (Getty)

فشل البرلمان اللبناني للمرة التاسعة على التوالي في اختيار رئيس جديد للبلاد يسدّ حالة الشغور في المنصب منذ مغادرة ميشال عون له قبل شهر ويزيد، الأمر الذي من شأنه تعميق الأزمات التي يشهدها لبنان الذي يعاني من انهيار اقتصادي متسارع بعد فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وتفشي الفقر وعدم قدرة المواطنين على التصرف في ودائعهم ومدّخراتهم لدى البنوك التي تعاني من شلل مالي، وتراجع القدرة الشرائية لدى قطاعات واسعة من الشعب اللبناني وسط ارتفاع كبير للأسعار.

فشل البرلمان اللبناني للمرة التاسعة على التوالي في اختيار رئيس جديد للبلاد يسدّ حالة الشغور في المنصب منذ مغادرة ميشال عون

يضاف إلى ذلك وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات لإنقاذ البلاد من السقوط، والسبب في ذلك انقسام سياسي يكاد يكون غير مسبوق في البلاد منذ الحرب الأهلية، وتعزّز أكثر بعد انتخابات أيار/ مايو التشريعية التي فتّت المشهد السياسي أكثر وصعّبت من عمليات التوافق التي من دونها لن يكون بالإمكان انتخاب رئيس وحكومة، حيث يحتاج انتخاب الرئيس في الجولة الأولى لأغلبية الثلثين أي 86 صوتا والأغلبية البسيطة في حالة اللجوء إلى جولة ثانية، لكن أيًا من الأسماء المطروحة للتصويت عليها لخلافة ميشال عون لم تحصد أغلبية من أي نوع في ظل الانقسام العميق الذي يهيمن على الساحة السياسية والفاعلين الرئيسيين فيها.

في آخر جلسة برلمانية عقدت، يوم الخميس 8 كانون الأول/ ديسمبر، للتصويت على رئيس جديد خلفا لميشال عون، صوّت 39 برلمانيا بورقة بيضاء، وعجز أيٌّ من المرشحين للمنصب عن الحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة للفوز من الجولة الأولى، فأفضل المرشّحين حظًّا لم يحصل على أكثر من 39 صوتًا من أصل 128 صوتا يمثّلون أعضاء البرلمان اللبناني.

يتعلّق الأمر بالنائب ميشال معوّض المدعوم من القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وكتل أخرى بينها كتلة وليد جنبلاط، حيث حصل على 39 صوتًا. ويعارض حزب الله مع عدة كتل أخرى منح ميشال معوض الثقة نظرا لقربه من الولايات المتحدة الأمريكية، وتصفه بأنه "مرشّح تحدٍّ"، ولذلك تدعو هذه الكتل، ومن بينها حزب الله الذي يعد بحسب الكثيرين القوة العسكرية والسياسية الأبرز في المشهد، إلى التوافق سلفًا على مرشح قبل التوجه إلى البرلمان وانتخابه.

وفي هذا الصدد تتحدث عدة مصادر أن المرشح المناسب بالنسبة لحزب الله هو سليمان فرنجية الوزير والنائب السابق، لكنّ حليف حزب الله رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل صهر الرئيس السابق ميشال عون أعلن معارضته لسليمان فرنجية، ويعود ذلك لكون باسيل نفسه يطمح بالرئاسة ويبحث عن دعم الكتل في البرلمان لنفسه بما فيها كتلة حزب الله.

ورغم أن حزب الله لم يمسي زعيم تيار المردة فرنجية رسميًا، إلّا أنّه الخيار المفهوم ضمنًا له، نظرًا للتحالف التاريخي مع التيار، فيما تدعم حركة أمل انتخاب فرنجية بقوة، وبدأت حملتها لدعمه قبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، مما أدى إلى توترات كبيرة داخل تحالف حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر.

ويصعد زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل من معارضة انتخاب فرنجية، والذي وصل فيه إلى انتقاد التحالف التاريخي مع حزب الله، رافضًا أن يكون الطرف الضعيف فيه، قائلًا "إذا كان أحد يظن أنه يضغط علينا في الموضوع الرئاسي، نقول له إنه لن يجدي ذلك، وهذا الأمر يؤدي إلى تصلب أكثر". وإجمالًا مناورات باسيل ما تزال محصورةً ضمن سقف التحالف، نظرًا لعدم خروج نواب التيار الوطني من "نادي البطاقات البيضاء"، وعدم تسمية مرشح حتى الآن.

وفي خطوةٍ اعتبرت موجهة ضد التيار الوطني الحر، شارك وزراء حزب الله والمحسوبين عليه في جلسة الحكومة اللبنانية التي عقدت يوم الاثنين الماضي، مما مكنها من الوصول إلى النصاب المطلوب. وهي الخطوة التي تقلق التيار نظرًا لغياب رئيس الجمهورية، الذي وقع على مرسوم لاستقالة الحكومة قبل خروجه من قصر بعبدا بساعات.

في خطوةٍ اعتبرت موجهة ضد التيار الوطني الحر، شارك وزراء حزب الله والمحسوبين عليه في جلسة الحكومة اللبنانية

وفي ظل هذا الانقسام وعدم التوافق، تتوقع مصادر إمكانية أن يتوجه الفرقاء إلى "رئيس تسوية"، وفي هذا الصدد طُرح اسم قائد الجيش جوزيف عون، الذي يتطلب انتخابه "تعديلًا دستوريًا كونه من موظفي الفئة الأولى الذين لا يمكن انتخابهم إلّا بعد عامين من استقالتهم أو تقاعدهم" بحسب وكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس"، رغم أن عون نفسه لم يطرح نفسه كمرشح رئاسي ويعارضه حزب الله.

ويتخوّف اللبنانيون وشركاء لبنان من أن يطول الفشل في انتخاب رئيس للبلاد، لأنّ ذلك سيعقّد الأوضاع أكثر ويزيد من حدة الأزمة الاقتصادية والانهيار الاقتصادي الذي يتخبط فيه لبنان منذ 2019 والذي "صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850".