14-سبتمبر-2022
Bechara Boutros al-Rahi (بشارة بطرس الراعي)

(بشارة بطرس الراعي)

منذ بدء توافد النازحين السوريين إلى لبنان بُعيد اندلاع الثورة السورية، هربًا من آتون الحرب، وبحثًا عن مأوى لهم بعدما دّمر جيش النظام السوري مع حلفائه الأحياء السكنية والمدن والأسواق، محولًا الحياة في سوريا إلى جحيم حقيقي، لم يكد يمرّ يوم في لبنان بدون أن تخرج تصريحات محرّضة ضد السوريين ووجودهم، ومحملةً إياهم مسؤولية الانهيار الذي تعيشه البلاد.

يلاحظ المراقبون أن حملة التحريض ضد النازحين تزداد أو تخفت بحسب الظروف السياسية

ويلاحظ المراقبون أن حملة التحريض ضد النازحين كانت تزداد أو تخفت بحسب الظروف السياسية، فيستخدمها الساسة للمزايدة قبل الانتخابات والاستحقاقات الداهمة، أو لابتزاز المجتمع الدولي بهدف الحصول على المساعدات تحت دعوى أن لبنان يؤوي عددّا من النازحين يفوق طاقته، وهو بالتالي بحاجة لمعالجة وضعهم، أو الحصول على المعونات لمواجهة الأمر. كذلك استخدم رئيس الجمهورية نفسه، ميشال عون، ملف النازحين في معظم خطاباته وإطلالاته الإعلامية، ملمّحًا إلى أنهم السبب في فشل عهده.

في الأيام الاخيرة ازدادت حدّة الحملة ضد النازحين، مع استفحال الأزمة المعيشية وتفاعل المشاكل الاجتماعية وتفلّت الأمن، ووقعت إشكالات بين مواطنين لبنانيين ونازحين سوريين في أكثر من منطقة أبرزها كان في مدينة زحلة، ما يُنذر بمستقبل قد يكون أكثر سوءًا في هذا الصدد.

الراعي ينضم للجوقة

وقد انضم للحملة الأخيرة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي اعتبر في تصريحات صحفية قبل يومين، أن النازحين السوريين يتسببون بحرب ثانية في حال بقوا بلبنان، مؤكّدًا على ضرورة عودتهم قائلًا : " لا يمكنكم البقاء على حساب لبنان ".

تزامن كلام الراعي مع موقف لمدير عام الأمن العام اللبناني عباس ابراهيم، الذي كلّفته الحكومة استلام ملف عودة النازحين، قال فيه أن لبنان لم يعد قادرًا على حمل ثقل النازحين من الناحية والاقتصادية والمالية بزعمه، ويجب أن يكون هناك ذرّة من الوطنية لإعادة السوريين إلى بلادهم مع حفظ كرامتهم، على حد تعبيره. 

في المقابل فإن بعض الجهات في لبنان تمانع عودة السوريين إلى بلادهم قبل حصولهم على ضمانات تتعلق بسلامتهم وأمنهم، وهو موقف مدعوم من دول غربية ومنظمات عالمية تتخوف من مصير النازحين بحال عودتهم ووضع مصيرهم بيدّ الأسد، وقد احتدم النقاش حتى داخل الحكومة المستقيلة نفسها وبين وزرائها، وتباينت وجهات النظر فيما بينهم حيال هذا الموضوع. 

النازحون يريدون العودة بضمانات

تواصل ألترا صوت مع بعض النازحين للوقوف أكثر عند موقفهم من العودة، فقال أحدهم وهو عامل بناء، إنه يرغب بالعودة "اليوم قبل غدٍ"، لكن بيته تهدّم نتيجةً للقصف، كما أنه يخاف أن يتم الزجّ به السجن حال عودته إلى سوريا بسبب مذكرات توقيف قديمة، وأن قرارات العفو ليست كافية، بحال لم تكن هناك ضمانات بالتزام النظام بها.

نازح آخر يعمل في أحد الأفران قال إنهم يعانون كما اللبنانيين من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وانقطاع الكهرباء، وأن وجودهم في لبنان ليس نزهة كما يصوّرها البعض، وهم يتوقون للعودة إلى بلادهم التي هجّروا منها، ولا يمنعهم من ذلك إلا المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار وصعوبة بدء حياتهم من جديد بعدما دُمرت ممتلكاتهم في سوريا.

وعلى أعتاب الموسم الدراسي الجديد، تجدر الإشارة إلى أن الطلاب السوريين يتعلمون في المدارس الرسمية اللبنانية بدوام بعد الظهر، ويتم دفع رواتب المعلمين من قبل الأمم المتحدة. وقد أشارت المفوضية العامة إلى أن 31% من التلامذة في سن المرحلة الابتدائية، لم يتابعوا تحصيلهم العلمي. يشار هنا أيضًا إلى أن الأمم المتحدة تمول أيضًا عبر اليونيسيف جزءًا من رواتب تعليم القطاع العام في لبنان، وهناك حديث عن أنها طالبت بدمج الطلاب اللبنانيين والسوريين في صفوف قبل الظهر، الأمر الذي أثار غضب بعض المعلّقين اللبنانيين، في حالة متكررة لم تخلُ من العنصرية تجاه النازحين وأطفالهم وعدم تقبّل فكرة الدمج.

النازحون ضمن اهتمامات ناشطي الشوشال الميديا

استحوذت قضية النازحين على اهتمام ناشطي وسائل التواصل في لبنان في الأيام الأخيرة، وقد تباينت التغريدات والتعليقات، فحمل بعضها لغة عنصرية، فيما حاولت بعض التغريدات خلق إيحاء بالرغبة بتحقيق التوازن بين مصلحة لبنان وبين سلامة النازحين، في حين يرى قسم ثالث أن إثارة قضية النازحين هي فقط للمزايدة ولابتزاز المجتمع الدولي، وشمّاعة للسلطة للتغطية على فشلها في إدارة أمور البلاد.

الناشط علي علوش انتقد البطرك الراعي الذي خصّص جزءًا كبيرًا من مقابلته للحديث عن النازحين السوريين، بدون التطرق إلى موضوع المصارف ورياض سلامة (حاكم مصرف لبنان). 

وضمن السياق نفسه، أشار المغرد جهاد نحلة إلى أن الإعلام اللبناني يركّز اليوم على مواضيع محددة لصرف النظر عن قضايا أخرى كالبنزين والمازوت وغياب الكهرباء فكتب : " ٣ مواضيع بيحكو فيهم وتركو البنزين والمازوت وميقاتي واوجيرو والقاضي والفاضي.. ١- زواح بنت جنبلاط الف مبروك يا بيك عقبال ما تمشي بقانون الزواج المدني ٢- الخبز الشيعي.. لا داع للهلع. ٣- كلام البطرك عن النزوح السوري والتنسيق مع سوريا. ايه ..صح النوم سيدهم.

 

الحملة المحرضة تشمل عدة بلدان

الحملة المطالبة بإعادة النازحين إلى سوريا، تتزامن مع حملات تشهدها عدة دول أخرى أوى إليها لاجئون سوريون، من بينها تركيا التي تشير الترجيحات إلى أن قضية النازحين تدخل في صلب الحملة الانتخابية الرئاسية التي ستجري صيف العام 2023، وقد يستخدمها السياسيون المتنافسون كورقة رابحة، بالاستفادة من حملة التحريض العنصرية التي يتعرض لها السوريون هناك. كما تتزايد موجة التهديد بترحيل لاجئين سوريين من دول أخرى، من بينها دول أوروبية، وهو ما ينذر بتعميق واحدة من أفظع المآسي الإنسانية المعاصرة. 

الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى وجود أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان

الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى وجود أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان، وستبدأ الدولة اللبنانية قريبًا حملة إعادة قسم منهم إلى سوريا.