23-يناير-2017

بعض من لعيبة المنتخب المصري يسجدون بعد إحرازهم هدفًا (فيس بوك)

مخطئ من يتصوّر أن حدثًا مثل رفض بعثة المنتخب المصري لكرة القدم تأدية صلاة الجمعة بأحد المساجد الشيعية في الجابون هو بمثابة حدث عابر أو أمر عارض، بل يحمل دلالات كاشفة ويعمل في أكثر من اتجاه.

لكن ما لم أتوقعه فعلًا أن يتبنى عدد من المنابر الإعلامية استخدام الإشارة إلى الحدث للحديث المطول عن أخطار المدّ الشيعي في أفريقيا، خصوصًا في الدول "السُنّية" والتي من بينها مصر، والحديث عن دلالة التقارب المصري الإيراني بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي من باب السياحة الدينية للزائرين الإيرانيين، والتعريج كذلك على وجود عشرات الآلاف من مريدي الطرق الصوفية ممن على صلة بالمذاهب الشيعية "من باب محبة آل البيت" واعتبار ذلك سببًا لجعل مصر أرضًا خصبة للمدّ الشيعي.

مخطئ من يتصور أن حدثًا مثل رفض بعثة المنتخب المصري لكرة القدم تأدية صلاة الجمعة بأحد المساجد الشيعية بالجابون هو بمثابة حدث عابر

الأخطر، أن يتم فعل هذا عبر الاستشهاد بدراسات تفوح منها رائحة الطائفية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يستمر لتبنّي نتائج هذه الدراسات التي تكشف عن "آليات التغلغل الشيعي في النسيج المصري السني" من خلال قيام بعض العرب الشيعة ممن تستّروا خلف جنسياتهم الخليجية بالزواج من سيدات مصريات سنيات، ما تسبب في تخلّي الأهل والأصدقاء عنهم. والصياغة السابقة ليست من عندي ولا من تأليفي ولكنها الكلمات نفسها التي وردت في الدراسة والتقرير المأخوذ عنها، وبحسب الدراسة، تمثل هذه الزيجات "ثغرة شيعية لاختراق المجتمع المصري".

وبحسب دراسة صادرة في 2010 عن مركز نماء للبحوث والدراسات، فإن الدول الأفريقية يمكن تقسيمها إلى 4 أقسام من حيث "تغلغل المدّ الشيعي فيها"، وتأتي الجابون في التصنيف الرابع كدولة لا تشهد أي نشاط ملموس للتشيّع ولا يمثل التحول فيها إلى المذهب الشيعي ظاهرة لافتة، بينما تأتي مصر في التصنيف الثالث الذي يشمل دولًا يوجد بها نشاط ملموس لنشر المذهب الشيعي من دون أن يتحول إلى كونه ظاهرة، لا في مؤسساته من مدارس وحسينيات ومساجد وبعثات دراسية، ولا في اعتناق أهل البلد للمذهب.

اقرأ/ي أيضًا: 16 حادثًا طائفيًا في مصر بعد الثورة

وفي شأن آخر متصل، تقول الدراسة إن "المال الشيعي" وسيلة أخرى تلقى رواجًا في اجتذاب "مرتزقة" يروّجون لضلالات المذهب الشيعي ويهوّنون من شأن المخاوف المتعلقة بالمدّ الشيعي، وهذا المال قد يصل إلى دوائر التأثير الديني مثل الأزهر الشريف والفضائيات والأعمال الفنية.

لكن هذا كله يبقى رهنًا بالإرادة السياسية، وفقًا للدراسة، التي يبدو معها النظام المصري منفتحًا على علاقات سياسية واقتصادية مع إيران، في ظل توتر العلاقة مع الحليف السعودي الممتعض مؤخرًا من تصرفات نظام السيسي. ولا تنسى الدراسة في ختامها تقديم النصائح وطرق مواجهة هذا الخطر الشيعي الداهم الذي يحيق بالدول السنية.

والحقيقة، أنني لم أكن أتصوّر فعلًا أن تصل المذهبية البغيضة إلى الرياضة، ولا أن يتم التعامل مع فعل "مُغالٍ في تديّنه" باعتباره تكئة لاستكمال التشاحن المذهبي والديني من قبل وسائل إعلام تصنّف نفسها في فئة المعارضة للنظام المصري لتُحمّله نصيبًا من المسؤولية عن "المد الشيعي" في مصر، أو لتضع التعامل الرسمي للدولة في مقابل الخطاب الشعبوي التحريضي الذي يكن عداءً متزايدًا للشيعة، ظهرت نتائجه الساطعة في حوادث قتل موثقة بحق الشيعة المصريين.

هل هكذا يكون حديث المكايدة والتلميحات السياسية الرديئة؟ هل يكون ذلك انتظارًا لمكافآت وهدايا يقدّمها راعٍ يخاف على مصلحة الإسلام السني؟

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. هجمة سلفية على إلغاء خانة الديانة

الأمر الأساسي ذكره في خبر رفض بعثة المنتخب المصري الصلاة في مسجد شيعي هو أن هذا التصرف يعكس المغالاة التي باتت حاضرة في استحداث حالة غير مُبرَّرة للصراع بين السنة والشيعة، فلاعبو المنتخب وأفراد الجهاز الفني والإداري والطبي هم في النهاية انعكاس لصورة المجتمع المصري بكل أطيافه وطبقاته، وهم كذلك يمثّلون الشعب المصري وليس المسلمين السنة أو الإسلام السني.

إذا كان تعاملنا كمصريين مع الشيعة الموحدين المؤمنين بالقرآن الشاهدين بمحمد بتكفيرهم ولفظهم فكيف الحال مع أصحاب الاعتقادات الأخرى

والشيء بالشيء يُذكر، فإذا كان تعاملنا مع الشيعة الموحدين المؤمنين بالقرآن الشاهدين بنبوّة محمد بتكفيرهم ولفظهم ورفضهم فكيف الحال مع أصحاب الاعتقادات الأخرى، كيف يمكن أن نفسّر تصرّفًا كهذا من منتخب يمثّل بلدًا لا يتواني رئيسه عن الحديث المكرور عن "تجديد الخطاب الديني". وهل يمكن فهم تصدير الخبر لوسائل الإعلام عبر الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم سوى أنه متاجرة بإظهار تقوى مبالغ فيها واعتلال واضح في فهم المسؤول عن تسيير شؤون الاتحاد لطبيعة عمله؟

وهنا يجب التذكير بحق كل فرد في ممارسة قناعاته الدينية دون وصاية أو إنكار من أحد، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ومن أراد أن يصلي في مسجد سني له الحق ومن رفض مسجدًا شيعيًا له الحق، ولكن التبجح في الإعلان عن موقف يظهر عدائية أو تهميشًا أو انتقاصًا لطائفة دينية أو عقيدة أخرى لا يمكن توصيفه سوى كفعل تحريضي قميء لا يضيف شيئًا إلا مزيدًا من ترسيخ الطائفية والتحريض على الآخر.

اقرأ/ي أيضًا:
"رأس الحسين" بلا مريدين في مصر!
فـخُ المنطقـة الخضراء