12-يوليو-2016

أحد الدبابات التابعة للجيش العراقي (Getty)

تقطّعت أوصال شوارع وجسور بغداد صبيحة يوم الثلاثاء، 12 تموز/يوليو الجاري، حيث نصبت الحواجز، وقُطِعَت الطُرق أمام العجلات والمارّة في أهم مناطق العاصمة، وسرعان ما ارتدّ هذا الوضع المُربك على مواقع التواصل الاجتماعي ليثير موجة إشاعات بدأت بالخوف من موجة مفخخات، ولم تنتهِ بالحديث عن محاولة انقلاب على حكومة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، إلا أن هذه الإشاعات، التي امتد تداولها لساعات، لم تكن، جميعها، صحيحة.

حكومة العبادي فهمت أنّ الصدر، باجتماعه مع قادة عسكريين، يحاول إرسال رسالة عن قوّته العسكرية، وهذا ما دعاها إلى القيام باستعراض عسكري مضاد

وقد مُلأت بغداد بالدبابات والمركبات العسكرية، فضلًا عن الطيران بشكّل مكثف في الأجواء، وهو سهّل تصديق العديد من تلك الإشاعات، لكن قيادة عمليات بغداد، المؤسسة العسكرية المكلّفة بحماية العاصمة العراقيّة، في محاولة متأخّرة منها لبثّ الطمأنينة في نفوس السكّان، أعلنت أن "القطوعات التي حصلت في بعض شوارع بغداد بجانبي الكرخ والرصافة هي بسبب استعداد لاستعراض عسكري قريب"، وأن "ما حدث ممارسة للاستعراض وعلى ضوء ذلك تم قطع الشوارع".

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل وعضوية الاتحاد الأفريقي..احتمالات وتداعيات

في الواقع، توضيح عمليات بغداد جرّ عليها موجة سخريّة كبيرة، لاسيما وأنّ الاستعراض الذي سدّ منافذ العاصمة تزامن مع موجة تفجيرات ضربت ثلاث مناطق في جنوب وشمال العاصمة أدّت إلى مقتل وإصابة نحو 49 عراقيًا، فالاستعراض كان ضدّ مَنْ إذن، والتنظميات المتطرّفة كانت قد انتهت من حفلة الموت التي تقيمها كل يوم؟

لن تبدو الإجابة صعبة أبدًا، فظهيرة يوم الاثنين كان زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر قد عقد اجتماعًا مع قادة "سرايا السلام"، وهو فصيله المسلّح في محافظة صلاح الدين، وارتدى هذه المرّة زيًّا عسكريًا، وقد جلس إليهم على طاولة كبيرة، وناقش معهم العديد من الأمور، بعضها معلنة مثل الانتباه إلى تحرّكات تنظيم "داعش" في قضاء سامراء المسؤول عن حمايته "سرايا السلام" التابع للصدر، إلا أن المخفي في الحديث الذي دار في الاجتماع ضمر المزيد من الغموض.

حكومة العبادي، وقادته الأمنيين، فهموا أنّ الصدر يحاول إرسال رسالة عن قوّته، وقدرته على القيام بعمل عسكري لإسقاط ليس الحكومة فحسب، وإنما العمليّة السياسية، وهذا ما دعاها إلى القيام بالاستعراض العسكري صبيحة الثلاثاء، وفقًا لقول مصدر لـ"الترا صوت".

في الأثناء، لم تبدُ محاولة حكومة العبادي لإثبات القوّة أمام الصدر إلا نكتة، إذ إن دماء ضحايا تفجير الكرّادة لم تجف، والمجتمع العراقي، والبغدادي منه على وجه الخصوص، لم يُزل عنه حجم الغضب تجاه فشل المؤسسة الأمنية في حماية السكّان من التفجيرات والتنظيمات المسلّحة التي تجول طول البلاد وعرضها.

كعادته، يستثمر الصدر في هذه التوتّرات، ويحاول مشاكسة الحكومة وتبيان عجزها، بل حتّى أنه يحاول زيادة السخريّة منها في المجتمع الغاضب من فشلها، الأمر الذي دفعه إلى إخراج المزيد من الصّور ومقاطع الفيديو وهو يرتدي الزي العسكري، وأحّد هذه المقاطع قيادته سيّارة بنفسه.

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة

إذن هو استعراض عسكري، واستعراض عسكري مضّاد، لم يثبت قوّة للطرفين بالقدر الذي أثبت عدم جديّتهما في حماية العراقيين، بل أيضًا، أثبت أنّ ما يفكّر به المجتمع، وتظاهر من أجله لإحلال مبدأ الدولة العادلة، بدا بعيدًا عن أفكار الأطراف السياسيّة الماسكة بالسلطة وتلك السّاعية للوصول إليها.

إن تجربة حكم العراق صعبة وتحتاج إلى الجدّة من أجل إنقاذ البلاد من المهالك التي تتهدّدها. والاستعراضات العسكريّة في ظلِّ سيطرة "داعش" على مساحة ربع البلاد، علاوة على ضرب المفخخات للمدن العراقية بهذه السهولة المفرطة، وانتشار العصابات الإجرامية، كل هذا، لا تبدو فيه الاستعراضات العسكريّة إلا نكته سمجة، واستهزاءً بعامة الناس المكتوين بنار الموت.

اقرأ/ي أيضًا:

الإفراج عن سيف الإسلام القذافي.. حقيقة أم إشاعة؟

نفايات إيطالية في المغرب واستياء شعب