09-يوليو-2016

سيف الإسلام القذافي محتفلًا في فيينا صيف 2006 (ليونيل تيل/أ.ف.ب)

هل تمّ الإفراج عن سيف الإسلام نجل معمّر القذّافي أم لا؟ طيلة الأيام الماضية، تعدّد السائلون عن هذا السؤال في ليبيا وتعدّد المجيبون بإجابات مختلفة متضاربة، ليبيّن مسلسل التصريحات المتضادة من جديد حالة التخبّط والصراع بين أجهزة الدّولة والمجموعات العسكرية في البلاد.

وإجابة السؤال المذكور تقتضي الإيجاب والنّفي في نفس الوقت، بما أنه تمّ الإقرار بتطبيق قانون العفو العامّ بحقّ نجل القذافي من جهة، بالتوازي مع تواصل التضارب بخصوص إطلاق سراحه من جهة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير تشيلكوت.. دماؤنا الرّخيصة!

يُرجّح حاليًا أن سيف الإسلام مازال في مدينة الزنتان ويجري التنسيق مع قبيلة القذاذفة لتأمين عودته وتوفير الحماية له

إفراج بحكم القانون وجدل حول إطلاق سراحه

بدأ مسلسل الحديث عن إفراج سيف الإسلام منذ الشهر المنقضي حينما تداول ناشطون قرارًا صادرًا من وزارة العدل التابعة لحكومة الثني المتمركزة شرق البلاد، موجّهًا لرئيس "نيابة الزنتان الكليّة" موضوعه الإفراج عن سيف الإسلام وذلك بناء على طلب قبيلة القذاذفة وعلى أساس قانون العفو العامّ الذي أصدره مجلس النواب السنة الفارطة.

ويحمل القرار الذي يظهر أنه صادر بتاريخ 10 نيسان/أبريل المنقضي، إمضاء وزير العدل المبروك قريرة الذي وافاه الأجل قبل أسابيع. وقد نفت حكومة الثني وجود هكذا قرار، فيما أكّدت مؤسسة الإصلاح والتأهيل في الزنتان عكس ذلك من جهتها.

في الأثناء كلّما جاء الحديث عن ملفّ سيف الإسلام القذافي، سابقًا سواء ما يتعلّق بتحديد جهة محاكمته أو ظروف إقامته أو حاليًا بخصوص الإفراج عنه، دائما ما يجيء الحديث بالضّرورة عن العقيد العجمي العتيري وهو آمر كتيبة أبو بكر الصّديق التي تتولّى حراسة السّجن الذي يقبع فيه سيف الإسلام في مدينة الزنتان، 135 كم جنوب غرب طرابلس، منذ القبض عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. حيث يملك العقيد الزنتاني سلطة الحلّ والرّبط بخصوص "ابن العقيد".

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة

وحسمًا لتضارب المعلومات حول صحّة القرار، أكّد العتيري خلال الأيام الفارطة تطبيق قانون العفو العام بحقّ سيف الإسلام، وذلك بناء على "أوامر الجهة التنفيذية" في إشارة للمؤسسات المتمركزة في شرق البلاد حيث تتبع كتيبة العتيري القيادة العامّة للقوات المسلّحة التي يقودها خليفة حفتر. وشدّد العتيري في تصريح إعلامي بأن سيف الإسلام هو بحال "المفرج عنه قانونا". ليبقى السؤال حول تطبيق قرار الإفراج بحدّ ذاته؟

حيث بقدر تأكيده لقرار الإفراج، يرفض العتيري في جميع تصريحاته الإعلامية تحديد مكان وجود سيف الإسلام سواء في السّجن أو في مكان آخر سواء في الزنتان أو خارجها. ففي آخر تصريحاته، أشار بأن نجل القذافي غادر السّجن منذ يوم عيد الفطر الموافق 6 تموز/يوليو الجاري وقال: إنه متواجد "بأحد الأماكن الآمنة" وذلك دون إضافة.

 وهو ما أكّده بدوره محامي سيف الإسلام البريطاني كريم خان، بأن منوّبه غادر السجن وهو في مكان آمن داخل ليبيا. وعلى عكس ذلك وبتاريخ 8 تموز/يوليو الجاري، أصدرت ثلاث جهات من مدينة الزنتان هي المجلس العسكري، والمجلس البلدي بالمدينة واللجنة الاجتماعية بيانًا مشتركًا أكّد بأن سيف الإسلام مازال يقبع في السّجن. وأضاف البيان أن "أمر التصرف فيه سيكون وفق الإجراءات القانونية التي تضمن حقوق الشعب الليبي وحقوق المتهم وتحقيقًا للعدالة".

راهن حفتر على الاستعانة بقيادات النظام السابق كورقة رابحة لتوسيع دائرة الدّعم له وتعزيز نفوذه في مواجهة خصومه

اقرأ/ي أيضًا: هل هذا عصر انتفاض الغرب ضد العولمة؟

ويؤكد تضارب التصريحات والبيانات حجم الخلافات بين القيادات العسكرية والاجتماعية في مدينة الزنتان. حيث يرفض المجلس العسكري للمدينة الذي يترأسه مختار الأخضر إضافة لوزير الدفاع السابق ابن المدينة أسامة الجويلي الإفراج عن سيف الإسلام. في المقابل، تؤكد مؤسسة الإصلاح والتأهيل بالزنتان وكتيبة أبو بكر الصّديق التزامهما بتنفيذ قرار حكومة الثني القاضي بالإفراج. ويُرجّح حاليًا أن سيف الإسلام مازال في مدينة الزنتان ويجري التنسيق مع قبيلة القذاذفة لتأمين عودته وتوفير الحماية له، وذلك في ظلّ خشية من اندلاع مواجهات مسلّحة داخل المدينة بين كتيبة أبو بكر الصديق ومعارضيها.

صفقة الإفراج والتوازنات المحيّنة

مثّل ملفّ سيف الإسلام منذ إلقاء القبض عليه ورقة ضغط بيد الجهة التي تحرسه، في إطار صراع النفوذ تحديًدا بين القيادات العسكرية في مدينة الزنتان من جهة، والقيادات العسكرية في مدينة مصراتة من جهة أخرى. حيث تمثل المجموعات العسكرية المتمركزة في هذين المدينتين الأكثر عدّة وعتادًا في المنطقة الغربية، وقد اندلعت المواجهات بينهما صيف 2014 في معركة المطار على ضوء عملية الكرامة التي أطلقها اللواء خليفة حفتر.

وقد سبق وأن رفضت كتيبة أبو بكر الصديق تسليم سيف الإسلام للمؤسسات التابعة لحكومة المؤتمر الوطني، وآخرها في تموز/يوليو الماضي حينما رفضت الكتيبة الاعتراف بحكم محكمة استئناف طرابلس بتسليم نجل القذافي للجهات القضائية بالعاصمة بحجّة تأثير المليشيات العسكرية على القضاء الليبي. وقضت المحكمة حينها بإعدام تسعة من قيادات نظام القذافي من بينهم سيف الإسلام، الذي لم يواكب أشغال الجلسة لأسباب قيل إنها أمنية حينها.

من المتوقع أن يزيد الإفراج عن "ابن القائد" من تأزيم الوضع وتكريس الفرقة بين الخصوم المتصارعين في الفترة القادمة

وقد واجه نجل القذافي الذي كان يُنظر إليه بأنه وريث والده في الحكم، تهمًا عديدة تتضمن "التحريض على إثارة الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وإساءة استخدام السلطة وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام وجلب مرتزقة لقمع ثورة 17 شباط/فبراير 2011".

كما سبق ورفضت كتيبة أبو بكر الصديق، من جهة أخرى، القبول بتسليم سجينها "الثمين" للمحكمة الجنائية الدولية التي تدافع عن اختصاصها لمحاكمته لديها لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال ثورة 17 فبراير.

ويمثّل حاليًا المرجع القانوني للإفراج عنه قانون العفو العامّ الذي أصدره مجلس نواب الشعب في تموز/يوليو 2015، وهو عفو يشمل مرتكبي الجرائم إبان الثورة مقابل "التعهد الكتابي بالتوبة وعدم العودة للإجرام" و"ردّ المال محل الجريمة في جرائم الأموال". وهو قانون رفضه المؤتمر الوطني العامّ والمجموعات العسكرية المحسوبة على "الثوار"، حيث يُؤطر ضمن صفقة يرعاها للواء خليفة حفتر لكسب دعم قيادات نظام السابق واستمالة قبائلهم وذلك في حربه ضد معارضيه.

وأعلن المحامي مارسيل سيكادي قبل يومين أن منوّبه سيف الإسلام وجّه أول رسالة بعد الإفراج عنه مفادها أنه "يريد المساهمة في توحيد ليبيا على الصعيد السياسي، ووضع حد للانقسامات في البلاد ومحاربة الإرهاب". وهو ما يكشف عن دور لنجل القذافي في المرحلة القادمة في ظلّ التحوّل في موازين القوى في المشهد الليبي، حيث راهن حفتر على الاستعانة بقيادات النظام السابق، كورقة رابحة لتوسيع دائرة الدّعم له وتعزيز نفوذه في مواجهة خصومه.

بالنهاية، ربّما لم يكن يتوقّع الليبيون الذين خرجوا لتحرير بلادهم قبل خمس سنوات أن يتمّ العفو عن سيف الإسلام الذي هدّدهم بسبّابته إبان الثورة بأن "ليبيا ليست مصر أو تونس" بمجرّد قانون في غياب أجهزة دولة محلّ إجماع وذلك دون مساءلة ومحاسبة، وفي تكريس لعدالة غائبة باسم مصالحة وطنية، يشكّك مراقبون في تحقيقها. وفي كل الحالات، من المتوقع أن يزيد الإفراج عن "ابن القائد" من تأزيم الوضع وتكريس الفرقة بين الخصوم المتصارعين في الفترة القادمة.

اقرأ/ي أيضًا:

هل كان الاستقلال الأمريكي خطأ فادحًا؟

تفجير الكرادة.. تراجيديا اليوميات العراقية