02-ديسمبر-2019

ما زال النقاش حول العبودية يشغل أوساطًا عديدة في موريتانيا (أ.ف.ب)

يتزامن اليوم العالمي لإلغاء الرق الثاني من كانون الأول/ديسمبر كل عام مع جدل كبير في موريتانيا حول ما إذا كانت العبودية بشكلها التقليدي ما تزال موجودة أم لا؟

تُصر منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان على وجود العبودية بشكلها التقليدي في موريتانيا إلى اليوم

تُصر منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان على وجود العبودية بشكلها التقليدي في موريتانيا إلى اليوم، وتستند في ذلك على مجموعة من الشواهد والمؤشرات ليس أقلها اكتشاف عدة حالات عبودية داخل العاصمة نواكشوط وخارجها، وآخر ذلك ما كان من  اكتشاف حالة الفتاة المُستعبدة غاية ميغا مطلع شهر أيلول/سبتمبر 2019 في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

اقرأ/ي أيضًا: أن تكون ضد العبودية في موريتانيا

فحسب بيان  لمنظمة انبعاث الحركة الانعتقاية المعروفة بإيرا، وهي إحدى أهم المنظمات الناشطة حاليا في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الفتاة غاية خضعت للعبودية المنزلية في بيت "سيدتها" وتعرضت للعنف الجسدي باستمرار وعانت من الاستغلال. وشكلت حالة الفتاة غاية قضية رأي عام في موريتانيا بعدما وجهت النيابة العامة تهمة الاستعباد وتشغيل قاصر وتهمة المعاملة اللاإنسانية للسيدة المتهمة باستعبادها.

دليلٌ آخر على  وجود العبودية في موريتانيا يتمثل في صدور حكم قضائي، عن إحدى المحاكم في مدينة النعمة شرق موريتانيا يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أدانت فيه المحكمة ثلاثة أشخاص بممارسة العبودية وقضت عليهم بالسجن النافذ لفترات زمنية تتراوح بين 15 سنة و10 سنوات إضافة لتعويض الضحايا وهن ثلاث فتيات بمبالغ مالية  تراوحت بين 10 ملايين و5 ملايين أوقية، إضافة إلى منحهم حقهم بنيل الأوراق المدنية وجمعهم بذويهم.

هذه الحالات، وغيرها كثير، يعتبرها النشطاء الحقوقيون دليلًا لا غبار عليه على استمرار انتشار العبودية في موريتانيا إلى اليوم في المدن والأرياف. هذا فضلًا عن وجود أشكال أخرى من العبودية لم تمتلك الدولة حسب النشطاء الحقوقيين شجاعة تصنيفها ضمن مظاهر استعباد البشر مثل العبودية العقارية المتمثلة في الحرمان من امتلاك الأرض والانتفاع بها بناء على علاقات استغلال ترقى إلى ممارسة الاستعباد.

 في المقابل تعتبر الحكومة الموريتانية أن العبودية كظاهرة عامة وممارسة  تقليدية لم تعد قائمة في موريتانيا وما يوجد حاليًا منها هو بقايا وآثار العبودية مع احتمال وجود جيوب قليلة لممارستها، وتستند الحكومة الموريتانية في هذا ا لادعاء على قرار إلغاء العبودية رسميًا في العام 1984 ثم اعتبارها جريمة ضد الإنسانية  في قانون 2007 وإنشاء  محاكم خاصة بجرائم العبودية، فضلًا عن اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية تنحاز للفئات التي عانت تاريخيًا من هذه الظاهرة.

حراطين موريتانيا.. جحيم معاناة العبودية

الحراطين في موريتانيا، وهذه التسمية ربما تكون مشتقة من كلمة الحراثين، يعتبرون المكوّن الاجتماعي الأبرز الذي عانى وما يزال يعاني من العبودية والاسترقاق في البلاد، وللمفارقة فإن هؤلاء الحراطين ليسوا أقلية سكانية في موريتانيا بل هم أكثرية لكنهم مع ذلك شكّلوا مادة العبودية الرئيسية وظلوا يوجدون في أسفل هرم التراتبية الاجتماعية في المجتمع الموريتاني التقليدي.

 وقد ترتّب عن هذا الوضع الاجتماعي جملة من عمليات التهميش والاستغلال جعلت من تاريخ هذه المجموعة الاجتماعية تاريخ معاناة مع الفقر والاستبعاد والإقصاء، ولم يُمثّل الانتقال من المجتمع القبلي والبدوي، أو عهد السيبة بعبارة البعض، إلى مجتمع الدولة بعد نيل الاستقلال عام 1960 تحسّنا في أوضاع هذه المجموعة، بل يعتقد البعض أن علاقات الاستغلال التي كانت موجودة في مجتمع ما قبل الدولة أعيد إنتاجها بشكل كامل داخل الدولة، وبذلك استمرت معاناة الحراطين، وأخذت أوجهًا جديدة، لعل أبرزها الفقر والجهل والتهميش والإقصاء من التمثيل السياسي في الوظائف والتعيينات بما يتناسب وحجم هذه المجموعة من الناحية العددية.

الحراطين في موريتانيا، وهذه التسمية ربما تكون مشتقة من كلمة الحراثين، يعتبرون المكوّن الاجتماعي الأبرز الذي عانى وما يزال يعاني من العبودية والاسترقاق في البلاد

وهو ما قاد إلى  نشوء حركات سياسية وحقوقية كرّست جهدها لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة لمجموعة الحراطين، وأهم تلك الحركات تاريخيًا حركة تحرير العبيد الموريتانية المعروفة بحركة "الحر" التي تأسست في مارس 1978 وقادت نضال الحراطين ضد العبودية والظلم الاجتماعي والاقتصادي، ثمّ تشكّل بعد ذلك طيف من المنظمات الحقوقية والسياسية تُعتبَر منظمة نجدة العبيد ومبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية وهيئة الساحل للدفاع عن حقوق الانسان وميثاق الحراطين من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية أهم مكوناته الحالية، على اختلاف في التأثير ومرجعيات العمل والتفكير.

 

بعد فضيحة ليبيا.. 6 دول أخرى تستشري فيها العبودية!