10-أغسطس-2016

قيود جديدة تكبل سفر طلبة مصر(آن هرمس/Getty)

قبل الساعة الثالثة بقليل، وصل "م. حجازي" مقر "التجنيد والتعبئة" التابع للقوات المسلحة بمنطقة العامرية، محتفظًا في ظرف متهالك من آثار الشمس والعرق والتراب، بشهادة قيد من كلية الآثار جامعة القاهرة، وجواز السفر الخاص به، وصورة من بياناته في جواز السفر، وتأشيرة سفر إلى دبي، وبطاقة "6 جند".

انتشر قرار رسمي في كانون الأول/ديسمبر الماضي بحصر سفر طلاب مصر، في الحج والعمرة، وزيارة الوالد أو الوالدة، تمثيل مصر أو وفاة أحد الأقارب

استوفى "حجازي" أوراقه كاملة للحصول على موافقة الدولة للسفر، للخروج من مصر في رحلة قصيرة سيعود بعدها بشهر على حد أقصى، حسب نص التأشيرة، وبصفته طالبًا مصريًا كان لا بدّ أن يحصل على موافقة الجيش، إذ هو يعتبر مجنّدًا محتملًا حين تنتهي فترة خدمته بكلية الآداب وستبدأ بعدها فترة خدمته الإجبارية بالقوات المسلحة.

سلّم الموبايل الخاص به على باب غرفة الموافقات خوفًا من تصوير مقر "ممنوع التصوير"، وتسلم رقمًا يعود لاستلامه به لحظة خروجه، وقدم أوراقه للموظف المسؤول عن الموافقات، الذي يقضي فترة تجنيده الإجبارية أيضًا، والذي رفض أوراقه قائلًا: "أنت طالب؟ فوت علينا في إجازة آخر السنة.. لا سفر لك الأيام دي".

اقرأ/ي أيضًا: طلبة مصر أمام القضاء!

قبل "25 يناير"، كان من حق الطالب المصري أن يسافر، أيًا كانت وجهته، لم يكن عليه إلا إعلام جهة رسمية بسفره.. تمنحه ورقة موافقة، يسلمها لموظف بالمطار، يتناولها منه ويلقيها في سلة قمامة بجانبه، فالآن، أدّت دورها، ولم يعد لها قيمة. لكن قرارًا رسميًا انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في كانون الأول/ديسمبر الماضي بحصر سفر الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عامًا في أربع حالات هي: الحج والعمرة، وزيارة الوالد أو الوالدة، وتمثيل مصر في بطولة دولية، إلى جانب وفاة أحد أقارب الدرجة الأولى.

حينها، نفى المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، العميد محمد سمير، ما تردّد حول "قيود جديدة على سفر الشبان" في تصريح لبوابة الأهرام، أشار فيه إلى عدم صدور تشريعات جديدة. وقال: "لا وجود لأي تغيير في القرار الخاص بتنظيم سفر الطلاب إلى الخارج، والذي يقضي بضرورة استخراج تصريح سفر من إدارة التجنيد للطلبة في المراحل الدراسية المختلفة والمؤجل تجنيدهم لأسباب الدراسة".

تأتي بين شروط السفر، وفق الموقع الرسمي التابع لـ"التعبئة والتجنيد"، مادة مستحدثة، وهي: "بالنسبة للطلبة الدارسين بالداخل يقومون بتقديم شهادة قيد من المدرسة أو الكلية أو المعهد مبين بها رقم وتاريخ قرار التأجيل والرقم الثلاثي للبطاقة العسكرية (6جند) والسنة الدراسية ومدة الإجازة ويتم منحهم إذن سفر خلال مدة الأجازة (نصف العام/آخر العام) ولا يمنح لمن هم بالسنة النهائية في إجازة نهاية العام".

المستحدث بالمادة تحديدًا جملة "خلال مدة الإجازة (نصف العام/آخر العام)"، فالطلاب كان من حقهم السفر، قبل ذلك، في أي وقت من العام، ودون شروط. ما يعني أنه كان بندًا معطّلًا طوال السنوات الماضية، أو تمّ استحداثه. الآن، الشرط الأساسي أن تسافر إلى السعودية لـ"الحج أو العمرة" أو إلى الوالد والوالدة (ممنوع السفر للأخ أو الأخت)، وإلا تكون "ممنوعًا من السفر".

حسب مصدر بجهاز سيادي مصري فإن تفعيل قيود السفر الجديدة كان إثر خروج عدد كبير من الطلبة المصريين دون عودة 

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. الطلاب يأخذون حصتهم من السجون

يضاف هذا الإجراء إلى قرار جديد باستصدار موافقة من "الأمن الوطني"، إلى جانب موافقة القوات المسلحة، على السفر إلى 9 دول، يفترض أنها إرهابية، أو قريبة من دوائر الإرهاب، أو "ترنزيت" للانتقال إلى دولة إرهابية أو عدوة، خاصة للشباب بدءًا من سن 19 عامًا، وهي: "اليمن والأردن وماليزيا وكوريا الجنوبية وغينيا كوناكري وإسرائيل وإندونيسيا وتايلاند وجنوب أفريقيا"، وبررت السلطات هذا القرار بـ"مبدأ المعاملة بالمثل وعدم فتح الباب لهروب مطلوبين أمنيًا"، على الرغم من أن هذه الدول لا تشترط الحصول على تأشيرة دخول "فيزا" من أجل السفر إليها.

إلى جانب الدول التسع، أكد مصدر أمني أن "هناك قيودًا على السفر إلى دول بعينها الآن، ولكن وفق قرار صوري، معمول به في المطارات وأجهزة الأمن، ومناطق التجنيد، وهي الدول التي تحتفظ بعلاقات مشوَّهة مع مصر أو تعتبر مصدرًا للإرهاب"، حسب تعبير المصدر الأمني، ومن بينها: "إيران، وقطر، وتركيا، ولبنان، وأفغانستان، وسوريا، والسودان".

وإثر التواصل مع مصدر بارز بجهاز سيادي مصري، أوضح حقيقة قيود السفر الجديدة مع التحفظ على ذكر اسمه، قائلًا: "لاحظنا خروج عدد كبير من طلاب الجامعات من مطارات القاهرة بلا عودة في مواعيد انتهاء التأشيرات، وهو ما استدعى دراسة للأمر بالتواصل مع أجهزة معلومات خارج مصر". وكشف: "تبيَّن أن الطلاب يخرجون تحت تأثير التجنيد في صفوف تنظيمات إرهاب دولي، ولا طرق لمنع سفر الطلاب للخارج نهائيًا".

وعن الحلّ الذي تم الوصول إليه، قال: "كان الطريق الوحيد هو تحجيم السفر بقصره على فترات الإجازة، والتحري عن اتجاهات الطلاب المشتبه بهم، منعًا لذهابهم إلى التهلكة. دورنا لا ينتهي عند حراسة الحدود، إنما خارج مصر أيضًا، هذه مسألة أمن قومي".

هذا ولم تذكر أي مصادر رسمية القمع السياسي والتجريد من أساسيات الحقوق والحريات بين أسباب عدم عودة الشباب المصري إلى موطنه إذا ما أتيح باب الخروج!

اقرأ/ي أيضًا:

طلبة العراق.. ممنوعون من التظاهر!

طلبة الجزائر.. أحلام صغيرة، مشاريع كبيرة