13-أبريل-2023
الصين الولايات المتحدة

يتزايد تخوف الولايات المتحدة من استمرار التفوق الصيني في قطاع التقنية (Getty)

 لقد ساهم التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية ببدء حقبة جديدة من الابتكارات تضمنت تطبيقات في مجالات متعددة تبدأ بالعناية الصحية والقطاع المالي ولا تنتهي عند الترفيه وغيره من المجالات. وقد سادت نقاشات واسعة في الأوساط الأكاديمية حول المنافسة المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يشير بعض الخبراء إلى أن الدولتين منخرطتان في سباق للسيطرة على هذا المجال.

حاليًا، يعرف عن الولايات المتحدة كونها الرائدة في تطوير الذكاء الاصطناعي، إذ إن العديد من الشركات الأشهر في العالم في هذا المجال تقع في وادي السيليكون، ولكن الصين بدأت تواكب الركب عبر استثماراتها المهمة في البحوث المتخصصة بالذكاء الاصطناعي وبجهود تطويره، ناهيك عن الأعداد المتزايدة للشركات الناشئة المتخصصة بالذكاء الاصطناعي، بل إن الصين في الواقع أعلنت عن خطط تهدف إلى جعلها الأولى في العالم في هذا المجال بحلول عام 2030.

يعرف عن الولايات المتحدة كونها الرائدة في تطوير الذكاء الاصطناعي، لكن الصين أعلنت عن خطط تهدف إلى جعلها الأولى في العالم في هذا المجال بحلول عام 2030.

من بين المجالات التي تبدو فيها المنافسة بين الصين والولايات المتحدة جلية، مجال تطوير واستخدام روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والتي تستخدم تقنيات معالجة اللغات الطبيعية  مثل تشات جي بي تي، وهو روبوت دردشة متقن يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكنه مشاركة المستخدمين بمحادثات شبيهة بتلك التي يجريها البشر، وذلك بالاعتماد على خوارزميات تعلم آلي تستخدم تقنيات معالجة اللغات الطبيعية من أجل فهم المدخلات التي يدخلها المستخدم والرد عليها. تشات جي بي تي التي طورتها منظمة بحوث مقرها سان فرانسيسكو تعرف بأوبن إيه آي، أصبحت بسرعة واحدة من بين روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الأكثر شعبية وانتشارًا، واستخدمت في مجالات عديدة مثل خدمة الزبائن والترفيه.

هذا يجعل من تطوير روبوتات دردشة قوية وفعالة تستخدم الذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية أساسية بالنسبة لكل من الصين والولايات المتحدة، ومن أجل ذلك، وأيضًا من أجل تحقيق السيادة الجيوسياسية، تستمر كلتا الدولتين بالتركيز على امتلاك العناصر الأكثر تأثيرًا والتي من شأنها أن تسهم في بناء روبوت دردشة رائد يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويتضمن استثمارات هامة تهدف إلى إنشاء رقاقات حاسوبية متقدمة، وجمع كميات ضخمة من البيانات، وإعداد خوارزميات متقدمة، وتوظيف مهندسين موهوبين. وقد نجحت كلتا الدولتين، الولايات المتحدة والصين، في بناء مثل هذه الاستثمارات، فوفقًا لتقرير نشرته جامعة ستانفورد عام 2022، تعد كلتا الدولتين الأوليين في العالم في الاستثمارات الخاصة بشكل عام والتي تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي، إلا أن استثمارات الولايات المتحدة في هذا المجال تبلغ ثلاثة أضعاف تلك الخاصة بالصين.

المقاربة الصينية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي

إن مجال الذكاء الاصطناعي واسع ويحتوي على فئات متعددة، ومن الصعب التأكيد على أن دولة واحدة ستسيطر عليه، فمثلًا، تتفوق الصين في مجال تقنيات التعرف على الوجوه أكثر من الدول الأخرى، إذ تستخدمها بوصفها شكلًا من أشكال السيطرة وفرض الرقابة على مواطنيها. أما السؤال الأخلاقي هنا فهو عما إذا كان جمع الصين لكميات هائلة من البيانات من أجل تزويد خوارزميات الذكاء الاصطناعي بها يأتي على حساب خصوصية المواطنين الصينيين.

الصين

ولكن عندما يتعلق الأمر بنماذج اللغات واسعة النطاق، فإن القوانين حول العالم والقيود اللغوية تحولان دون تقدم الصين، كما أثبت مصير الروبوت إيرني الذي طوره محرك البحث الصيني العملاق بايدو، إذ لقي استقبالًا ضعيفًا من المستثمرين عند إطلاقه، وقد حدث ذلك لأن إيرني كانت لديه قدرة محدودة على استيعاب اللغة الإنجليزية ومعالجتها، وإنتاج الردود بناء على ذلك. وهذا "يضعها وراء تشات جي بي تي الذي يستطيع إنتاج ردود في الإنجليزية والصينية ولغات أخرى"، كما أشار المحلل التقني الصيني، تشين لي، في آذار/ مارس 2023.

ومع ذلك، استمرت الصين في قطع أشواط مهمة في مجال تطوير روبوتات المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ونجحت على المستوى المحلي، إذ تستثمر شركات مثل علي بابا وتنسنت استثمارات كبيرة في تطوير روبوتات محادثة لديها القدرة على الاشتراك في محادثات طبيعية وذات معنى مع المستخدمين، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك روبوت علي بابا للمحادثة "علي مي"، الذي استخدم في تطبيقات تنوعت بين خدمات الزبائن وحجوزات الفنادق وغيرها.

أما على المستوى الدولي، فإن الحكومة الصينية غير مسرورة بتقدم روبوتات المحادثة الغربية، ففي مقطع فيديو منشور، زعمت وسائل إعلام تابعة للدولة أن روبوتات الدردشة العالمية قد تستخدم من قبل السلطات الأمريكية بهدف "نشر معلومات كاذبة والتلاعب بالرأي العام". أضف إلى ذلك أن الحكومة الصينية حاولت فرض قيود على مواقع وتطبيقات غربية ذات شعبية كبيرة مثل غوغل وفيسبوك وأمازون، في حين أن العديد من التطبيقات الصينية الشائعة منعت الوصول إلى تشات جي بي تي.

المقاربة الأمريكية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي

بوصفها مقرًا للعديد من الشركات التقنية العملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وفيسبوك والتي كانت أساسية في قيادة حركة تطوير الذكاء الاصناعي في الولايات المتحدة، فقد أصبحت الولايات المتحدة في طليعة المطورين في هذا المجال. أما المقاربة الأمريكية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي فهي تركز على البحوث الأساسية وعلى تطوير خوارزميات جديدة، فقد استثمرت الحكومة الأمريكية استثمارات كبيرة في بحوث الذكاء الاصطناعي وتطويره، إذ أدركت أهمية الذكاء الاصطناعي في دفع النمو الاقتصادي والأمن القومي، كما تعاملت مع التحديات المجتمعية التي نتجت عن ذلك. لقد خصصت الحكومة مليارات الدولارات من أجل تمويل البحوث في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير مؤسسات ومبادرات مثل مبادرة الذكاء الاصطناعي الوطنية ومعاهد بحوث الذكاء الاصطناعي التابعة لمؤسسة العلوم الوطنية.

الصين الولايات المتحدة

عندما يتعلق الأمر بنماذج معالجة اللغات الطبيعية، فإن الولايات المتحدة تعد متقدمة على الصين، إذ يمكن تمييز المقاربة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تركيزها على البحوث الأساسية والاستثمارات الهامة في بحوث الذكاء الاصطناعي وتطويره، وفي التعاون بين الصناعة والأكاديميا والحكومة. وهذه الجهود أسهمت في تطوير تقنيات حديثة لها القدرة على تغيير شكل الصناعات والمجتمع بأسرهما.

إلا أن الشركات الأمريكية العملاقة في مجال التقنية مع ذلك تواصل مراقبة الصين بحذر وتوجس في الوقت الذي أبدت الحكومة الأمريكية قلقها من تأثير الصين المتزايد في مجال الذكاء الاصطناعي، بل واتخذت خطوات من أجل كبح الاستثمارات الصينية في شركات التقنية الأمريكية متذرعة بمخاوف تتعلق بالأمن القومي.

بشكل عام، تميل الصين إلى التركيز أكثر على الاستخدام المباشر للتقنيات الحديثة عوضًا عن اللجوء إلى أساليب البحوث التطبيقية، وفي المقابل تركز الولايات المتحدة على البحوث الأساسية وتطوير الخوارزميات، وكلا الأسلوبين لديهما نقاط قوة ونقاط ضعف، كما أن كلتا الدولتين تدفعان بشدة لمحاولة الفوز بالمنافسة لتحديد الطرف الذي يسيطر على الذكاء الاصطناعي.

إن تطوير تقنيات معالجة للغات الطبيعية يعد مثالُا واحدًا فقط على الطرق التي تدور فيها رحا المنافسة بين الدولتين. ففي حين أن الولايات المتحدة تسيطر حاليًا على قطاع معالجة اللغات الطبيعية، فإن الصين تواكب الركب سريعًا وتطمح إلى السيطرة على الصناعة بحلول عام 2030، وإلى أن يحين ذلك الوقت يتوقع أن يساهم قطاع الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 15.7 ترليون دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي.

أبدى العديد من الأكاديميين في جامعة بيجين قلقهم من العداوة المحتدمة بين الدولتين، وعبروا عن خوفهم من أنها في النهاية ستتسبب بـ "طلاق" سيؤذي الصين والولايات المتحدة على حد سواء.

السباق على السيطرة على الذكاء الاصطناعي لا ينعكس على القطاع الاقتصادي فحسب، بل تمتد آثاره إلى تشكيل السياسة والتعليم والمجتمع ككل من خلال آليات توزيع المعلومات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي مثل روبوتات المحادثة، وهذا يفسر استمرار الصين والولايات المتحدة في الاستثمار بشدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي ومحاولتهما مواكبة بعضهما مع اتخاذ إجراءات مشددة لضمان الفوز في المنافسة على التفوق في هذا المجال. يقول إيريك شميدت، رئيس لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي  في الولايات المتحدة إن جميع الخطط والموارد الصينية والتقدم لديهم في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن يثير القلق لدى كل مواطن أمريكي، ويضيف أنه من الضروري للولايات المتحدة أن تفوز في المنافسة على الذكاء الاصطناعي.

وفي خطوات مشابهة، حد مسؤولون صينيون من وصول المواطنين الصينيين إلى تقنيات ذكاء اصطناعي غربية محددة وحذروهم من مخاطر استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي الغربية، وبالأخص تشات جي بي تي، في نشر أخبار كاذبة. وفي الوقت الذي تواصل فيه الدولتان تباريهما للفوز بالتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد أبدى العديد من الأكاديميين في جامعة بيجين قلقهم من العداوة المحتدمة بين الدولتين، وعبروا عن خوفهم من أنها في النهاية ستتسبب بـ "طلاق" سيؤذي الصين والولايات المتحدة على حد سواء.  

 

ظهرت النسخة الإنجليزية من هذا المقال في موقع "بوليتيكس توداي".