19-يوليو-2023
;lkj

المركز الوطني للصحة النفسية في البلقاء. (الغد)

عانت ريم (27 عامًا) من مرض القلق الحاد، الذي أدى لاحقًا لاضطرابات نوم استمرت معها لأكثر من عام ونصف.  "كنت أغمض عيوني وعقلي يظل شغال ما يهدى طول الوقت" تقول ريم.

اضطرها ذلك إلى اللجوء لواحدة من العيادات النفسيّة، وبعد 10 دقائق من الجلسة وصفت لها الطبيبة حبوبًا مهدئة (الزنكس)، واستمرت على وصفها لمدة خمسة أشهر. تقول ريم:  "ساعدتني (الحبوب) على النوم، لكني تعودت على أخذها كل يوم، وصرت لا أستطيع النوم بدونها".

بعد ثلاثة أشهر من تناول الحبوب، زادت حالة ريم سوءًا وحاولت عدة مرات إيذاء نفسها عندما لم تكن تحصل على القدر الكافي من الحبوب المهدئة، تقول "في يوم خلص الدوا من عندي صرت أفتح الجوارير بس بدي حبة"، تقول ريم.

توجهت ريم إلى العيادات الاستشارية النفسيّة التي كانت تراجع من خلالها، وشرحت لهم حالتها مع الحبوب المهدئة، فأغلقوا ملفها الطبي وجرى تحويلها إلى المركز الوطني لتأهيل المدمنين في منطقة شفا بدران لتعالج من الإدمان طوال سنة وسبعة شهور.

حسب البروتوكول المتعارف عليه بين الأخصائيين النفسيين، يحتاج الطبيب في العيادات إلى ما بين 15 و20 دقيقة لفتح ملف طبي للمريض وتسجيل التاريخ المرضي الحالي والسابق له، والتاريخ العائلي، ووصف الأعراض التي يشعر بها، ثم ليتمكن أخيرًا من وصف الدواء المناسب، مع أحقية المريض بمعرفة المؤثرات الجانبية للأدوية التي توصف له، سواء كانت آثارًا جانبيّة أولية أو على المدى البعيد.

حسب البروتوكول المتعارف عليه بين الأخصائيين النفسيين، يحتاج الطبيب في العيادات إلى ما بين 15 و20 دقيقة لفتح ملف طبي للمريض وتسجيل التاريخ المرضي الحالي والسابق له، والتاريخ العائلي، ووصف الأعراض التي يشعر بها، ثم ليتمكن أخيرًا من وصف الدواء المناسب، مع أحقية المريض بمعرفة المؤثرات الجانبية للأدوية التي توصف له، سواء كانت آثارًا جانبيّة أولية أو على المدى البعيد. ولكن هل هذا ما يحدث على أرض الواقع؟

قلّة العيادات النفسيّة وتزايد المراجعين

يقدر إجمالي عدد الأطباء النفسيين بحوالي 90 طبيبًا، يعمل حوالي 40 منهم في القطاع الحكومي وحوالي 50 في القطاع الخاص، وفقًا لوائل العدوان، رئيس جمعية أطباء الأمراض النفسية.

وفي الوقت الذي تنتشر فيه العيادات الحكومية، والبالغ عددها 65 عيادة نفسية، في جميع محافظات المملكة، تتمركز في العاصمة عمان العيادات الخاصة التي يقارب عددها 50، بالإضافة إلى ثلاث عيادات في الزرقاء، وخمس في إربد، في حين لا تتوفر أي عيادات نفسية خاصة في إقليم الجنوب. 

وتشكل الأعداد الكبيرة من المراجعين للعيادات الحكوميّة مع قلّة الأطباء النفسيين عائقًا أمام منح الوقت الكافي للمريض، إذ إن "بعض العيادات تستقبل 80 مراجعًا يوميًا"،  بحسب العدوان، الذي أكد أن عيادات عمان الاستشارية التابعة لوزارة الصحة تستقبل نحو 200 زيارة في بعض الأيام، إذ يعمل فيها أربعة أطباء يوميًا. 

ورغم ضغط الطلب والاكتظاظ، فإن غالبية المستشفيات والعيادات النفسية الحكوميّة لا تستعين بالمعالج النفسي، والذي من مهامه متابعة المريض بشكل دوري تحت إشراف الطبيب النفسي، إذ "لا يوجد في وزارة الصحة الأردنيّة، أو وزارة التنمية، أو العيادات الحكوميّة معالج نفسي. وحتى المستشفيات الحكوميّة والخاصة، فإنها تضم طبيبًا نفسيًا واحدًا على الأكثر في كل منها"، كما يؤكد محمد شقيرات، رئيس الجمعية الأردنية لأخصائيي علم النفس الإكلينيكي.

نتال

وتختلف وظيفة المعالج النفسي عن الطبيب، فيوضح الشقيرات أن الطبيب النفسي هو المعني بتشخيص المرض لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات أو أمراض نفسية مزمنة أو مؤقتة، وهو المسؤول عن صرف الأدوية النفسية، وإن لم تكن الحالة المرضيّة بحاجة لدواء فإنه يحولها إلى المعالج السلوكي الذي بدوره ينظم ويطور سلوكيات المصاب، ويساعد في حل مشكلته سلوكيًا من دون الحاجة لاستخدام الدواء.

تكاليف علاج عالية

بعد أن شعر محمد (35 عامًا)  بمشكلات نفسية أعاقت مهامه الاجتماعية والمهنية لفترة طويلة، توجّه إلى عيادة نفسية حكوميّة وجدها أقل كلفة، إلا أن بعض المعيقات حالت دون إكمال العلاج، إذ لم يكن الوقت المخصص له كافيًا للتشخيص والمراجعة، حسب تقديراته. يقول محمد: "جلست مع الطبيب وبدأت الحديث، ثم لم تمر أكثر من خمس دقائق، حتّى قدم لي الطبيب شريحة دواء لعلاج الاكتئاب وانتهت الجلسة!"

بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا مشكلة تبدل الأطباء بشكل مستمر للحالة الواحدة، وهو ما يصعّب عملية بناء الثقة بين المريض والطبيب أو المعالج النفسي. يفسرالعدوان ذلك بتوزيع الأطباء النفسيين في العيادات الحكوميّة على المحافظات بنظام المناوبات، "أي أنه قد يتغير الطبيب النفسي المبعوث للمحافظة بعد عدة أشهر بحسب نظام المناوبات".

بعد ستة أشهر من العلاج في العيادات الحكومية، اختار محمد واحدة من العيادات النفسية الخاصة وخضع فيها للعلاج على مدار عشر جلسات كلفته 350 دينارًا، ثم بعد مدة قرر ترك الجلسات والاعتماد على جهوده الشخصية لتخطي الاكتئاب، خاصة بعد تجربة العديد من الأدوية التي كانت تصل كلفة بعضها إلى 380 دينارًا شهريًا. 

حددت نقابة الأطباء الأردنية في لائحة الأجور أسعار جلسات العلاج النفسي للزيارة الأولى، والتي لا تتجاوز مدتها 45 دقيقة، بـ 20 إلى 40 دينارًا على أن تتكرر الجلسة أسبوعيًا مرة أو اثنتين لمدة 15 دقيقة ومقابل 15 دينارًا للجلسة الواحدة.

وفي اتصال هاتفّي أجرته معّدة التقرير مع خمس عيادات نفسيّة خاصة انتقيت بشكل عشوائي للسؤال عن أسعار الجلسة الأولى، تراوحت أسعارها  بين 50 إلى 80 دينارًا للجلسات التي تتراوح مدتها بين نصف الساعة والساعة، أما الجلسات الأسبوعية فتراوحت أسعارها بين 25 و40 دينارًا.  

خهعتا

من جهة ثانية، ورغم مشاكل العيادات الحكومية التي ذكرت آنفًا، فإنها تمثل للكثيرين بديلًا أقل كلفة، إن قورنت بالعيادات الخاصة التي ترتفع فيها أسعار التشخيص والعلاج. إذ تتبع لوزارة الصحة مستشفيات وعيادات عديدة تضم 402 سريرًا، وفقًا لوزارة الصحة. كما تقدم الخدمات الطبية الملكية الخدمات النفسية أيضًا وتتبع لها ثماني عيادات نفسية.

وتتوفر تغطية للصحة النفسية في أنظمة التأمين الصحي العام للأردنيين، إذ يتاح لمراجعي العيادات النفسية الحكومية الحصول على الأدوية النفسية مجانًا، بينما يدفع غير الأردنيين "مبلغًا رمزيًا"، حسب العدوان، يصل إلى 1.80 دينارًا. 

في المقابل، يستثني التأمين الصحي في القطاع الخاص كل ما يتعلق بالصحة النفسية من التغطية، وهو ما تبرره شركات التأمين بأن "المرض (النفسي) ليس له علاج معيّن، ومّدة علاجه غير محددة وهي متفاوتة من شخص إلى آخر"، وفقًا لمازن النمري رئيس لجنة تأمينات الحياة والتأمينات الصحية في الاتحاد الأردني لشركات التأمين.

ويوضح النمري أن العلاج النفسي مداه بعيد ومكلف وتضمينه في بوليصات التأمين سيرفع من كلفتها، ما يعني زيادة القسط المالي على المشتركين.

غياب تشريعات خاصة بالصحة النفسية 

الأردن، لا يملك أي تشريع خاص بالصحة النفسيّة، إنما يحتكم في ذلك إلى أربعة بنود وردت في قانون الصحة العامة لسنة 2008، وأخرى في قانون العقوبات الأردني، وهي "نصوص متناثرة، وقليلة، ومتواضعة جدًا، ولا تؤدي الغرض المطلوب"، وفقًا لرئيس قسم الدراسات القانونيّة والتشريعيّة في مجلس النواب الأردني، الدكتور أشرف قوقزة.

إن غياب وجود تشريع خاص بالصحة النفسيّة خلّف أضرارًا كبيرة، وفقًا لقوقزة، منها عدم وضوح طبيعة العناية النفسيّة الواجب تقديمها للمريض النفسي، إلى جانب الافتقار إلى نصوص تحدد الكفاءات والمهارات الواجب تواجدها عند مقدمي الرعاية الصحيّة، إذ إن "بعض من يقدم الرعاية غير مؤهل من حيث الخبرة أو المؤهلات الأكاديميّة"، كما يقول قوقزة.

إن غياب وجود تشريع خاص بالصحة النفسيّة خلّف أضرارًا كبيرة منها عدم وضوح طبيعة العناية النفسيّة الواجب تقديمها للمريض النفسي، إلى جانب الافتقار إلى نصوص تحدد الكفاءات والمهارات الواجب تواجدها عند مقدمي الرعاية الصحيّة.

من جانبه، يتفق الشقيرات مع طرح قوقزة مؤكدًا عدم وجود مؤسسة أو هيئة تضم كافة التخصصات النفسية تحت مظلتها وتنظم عملها، ويضيف أنه "إلى الآن الفرق بين المعالج النفسي والمرشد النفسي غير واضح، والخريجون من كلا التخصصين لا يعرفون الأدوار التي عليهم القيام بها في بداية مشوارهم المهني".

وبغياب وجود تشريع، تغيب العقوبات الرادعة ضد المقصرين في تقديم الرعاية للمريض النفسي ومن يتجاوزون أو ينتهكون أيًا من حقوق المرضى. يقول قوقزة إن العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات "بسيطة جدًا وتفتح المجال أمام حدوث المزيد من التجاوزات"، ناهيك عن غياب نصوص تحمي حقوق المريض النفسي في تولي الوظائف العامّة، أو ممارسة حقه الطبيعي في الحياة الاجتماعية.

أما الخطوة الأولى نحو قطاع صحي أفضل، فتتمثل، وفقًا لقوقزة، في وجود قانون خاص ينظم مجال الصحة النفسية والعاملين في هذا المجال. وقد طرحت هذه الفكرة أكثر من مرة في مجلس النواب في ردود أفعال على انتهاكات بحق مرضى نفسيين أثرت الرأي العام، "لكنها وبعد مرور عدة أيام كانت تنسى ولا تنفذ"، وفقًا لقوقزة.