10-نوفمبر-2018

اتفقت مراحل الجمهورية المصرية المتعاقبة على تهميش النوبيين (Getty)

في مؤتمر شباب العالم الذي بات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يسمونه مجازًا بـ"مؤتمر الشباب الذين لم يُقبض عليهم"، ورد فيأحد مقاطع الفيديو عن النوبيين أنهم مجموعة قدمت من السودان واستوطنت أسوان، وهو ما بدا تغيرًا بارزًا في سردية النظام المصري عن أهل النوبة "صداع النظام"، الذين لا ينفكون يطالبون الدولة بحق العودة.

كان الصراع حول تاريخ النوبيين، وتاريخ المكان الذي أقيمت عليه بحيرة ناصر، شكلًا واضحًا من أشكال التمرد على الاستهداف المنهجي للنوبيين

حق العودة.. تهميش لم يمحه الزمن

تقول الباحثة آنا هوهينمارت في كتابها أيام نوبية أن النوبيين أجبروا على ترك بعض أراضيهم منذ أوائل القرن العشرين، بسبب بناء خزان أسوان عام 1902، ثم في عام 1912 عند التعلية الأولى للخزان، ثم في عام 1933 عند التعلية الثانية، وقد تفرقوا داخل مصر في المرات الثلاث.

ثم كان بناء السد العالي الذي نتج عنه تهجير كل قرى النوبة الواقعة داخل حدود مصر إلى منطقة كوم امبو شمال مدينة أسوان، فتم تهجير أول قرية نوبية وهي قرية دابود في الثامن عشر من أكتوبر/تشرين عام 1963. عانى النوبيون الذين كانوا يسكنون أراض زراعية من الانتقال للعيش في بيئة صحراوية قاحلة قاسية، وصلوا إليها بعد التهجير، كما عانوا قسوة المناخ واختلاف البيئة الاجتماعية، وتغيير أنماط حياتهم.

اقرأ/ي أيضًا: أهالي النوبة.. متهمون بالغناء ومحرومون من الأرض

في دراسة مهمة قام بها كل من محمد رياض وكوثر عبد الرسول، الباحثان في النوبة القديمة، ونشرت في كتاب تحت عنوان "رحلة في زمان النوبة"، تتبين المعاناة النوبية جغرافيًا وإنسانيًا، حيث يذكر الكتاب أن أول أشكال المعاناة من جانب النوبيين المهجرين في مركز نصر بحوض كوامبو، والذي يسميه النوبيون اختصارًا "نصر النوبة"، كان ضيق المساكن بعد أن كبر أبناؤهم و تزوجوا ولم يكن لديهم فائض من الأرض للبناء، حيث تم تخصيص مساحات محدودة لهم من الأرض للاستزراع.

لم يتم تعويض حزء من النوبيين في كشوف الهجرة، لعدم تواجدهم في النوبة القديمة، وأصبح يطلق عليهم اختصارًا لقب "المغتربون"، وهو اسم كما يقول الدكتور رياض "لا يعبر عن معنى الاغتراب، فهؤلاء كانوا يعيشون داخل مصر وطنهم الكبير الذي يمارسون فيه نشاطاتهم المعيشية مدنًا وسواحل وريفًا". ويضيف أن "مشكلتهم تتلخص في أنه كانت لهم بيوت مغلقة في النوبة القديمة، ومن ثم لم يُدرجوا في كشوف الإحصاء التي بمقتضاها تم تدبير السكن والأرض في منطقة التهجير الجديدة. وهم الآن يطالبون بحق العودة وبتخصيص مساحات لهم حول بحيرة ناصر، وهو الاسم الذي يستبدله أكثرهم باسم " بحيرة النوبة"، باعتبار أن المكان الجغرافي للبحيرة يقع فوق قرى النوبة القديمة.

العلاقة الجدلية بين النوبة والأنطمة المتعاقبة في مصر

كان الصراع حول تاريخ النوبيين، وتاريخ المكان الذي أقيمت عليه بحيرة ناصر، شكلًا واضحًا من أشكال التمرد على صاحب المشروع القومي، الذي أشرفت حكومته على "تهجير" آلاف السكان، وسُميت البحيرة على اسمه. وقد دأبت الرواية المصرية منذ عهد هذا الرجل، أي جمال عبد الناصر، على تصوير النوبيين راضين بأوضاعهم الجديدة.

تقول آنا هومينارت الباحثة في كتابها أيام نوبية، إنه "أثناء تهجير النوبيين من بلادهم التي عاشوا فيها آلآف السنين، كانت منقولاتهم متناثرة فوق الصخور عند المرسى، مع إهمال شديد"، وكان الناس يتجمعون "بقدر ما يسمح به المكان في محاولات مستميتة للحفاظ على أغراضهم". وقد استخدمت باخرة واحدة في أول عملية التهجير ثم استُبدلت بصنادل صغيرة ناءت بأحمالها، ومات أثناء هذه العمليات الكثير من الأطفال والنساء الذين لم يتحملوا مشقة السفر بهذه الطريقة.

في ظل التاريخ الدموي المتربط بتهجير أهل المكان، تُصر الأنظمة المتعاقبة على أن لا ملكية للنوبيين في منطقة السد، ويصر النوبيون على أن المنطقة كاملة حق لهم، ويعتبرونه الثمن العادل لعمليات تهجيرهم وتشريدهم القاسية.

اقرأ/ي أيضًا: رسائل السيسي غير المضحكة في مؤتمر الشباب

وخلال سنوات خلت، يذكر الدكتور رياض أنه كانت هناك مشروعات استصلاح واستيطان في مناطق على غرار "وادي نجرة" شرق مركز ناصر، حيث كانت هناك أعمال لاستصلاح نحو 65 ألف فدان معظمها تم تخصصيها لشركات استثمارية، والقليل منها مخصص للمنتفعين الآخرين من غير النوبيين.

مواجهات مع السلطة

شهد التاريخ المصري، عندة مواجهات بين النوبيين والسلطة، منذ بدء عمليات التهجير، كان أحدثها واقعة معتقلي الدفوف، حيث قامت الأجهزة الأمنية بأسوان في أيلول/ ستمبر من عام 2017، بإلقاء القبض على عدد من النشطاء النوبيين الذين انطلقوا خلال مظاهرة سلمية بالدفوف أمام مبنى المحافظة للمطالبة بحق العودة، ومن وقتها تقوم السلطات بتجديد حبسهم، هذا بخلاف من تم القبض عليهم لاحقًا.

مات أثناء عمليات تهجير النوبيين الكثير من الأطفال والنساء الذين لم يتحملوا مشقة السفر

جاءت تلك المسيرة للاحتفال بذكرى اعتصام 4 سبتمبر/أيلول 2011 للنوبيين، لتكون تكرارًا لنفس السيناريو، حيث اعتصم الشباب أمام مبنى محافظة أسوان، وانتهى الاعتصام بمهاجمة الأمن مخيمات المعتصمين وإلقاء القبض على 3 شباب ثم الإفراج عنهم بعد ساعات. لكن المحكمة قررت في 19 سبتمبر/أيلول إخلاء سبيل الشباب، قبل أن تستأنف النيابة العامة على القرار، ويتم قبول الاستئناف وتجديد حبس الشباب 15 يوما أخرى في نفس القضية.

والآن يقبع "معتقلو الدفوف" داخل معسكر قوات الأمن بالشلال، والذي يخضع لإدارة قطاع الأمن المركزي سيئ السمعة في أسوان. ومن الجدير بالذكر أن أحد معتقلي الدفوف قد لاقى حتفه داخل السجن، وهو القيادي جمال سرور، بسبب إصابته بغيبوبة سكر إثر تضامنه مع زملائه المضربين عن الطعام، بسبب التعنت الإداري في قضيتهم وعدم عرضهم على الدوائر القانونية المختصة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نهاية قصة تيران وصنافير.. برلمان السيسي يُعطي ما لا يملك لمن لا يستحق

الزواج النوبي.. التزام بالجذور والذاكرة