10-أكتوبر-2018

ماريان كامينسكي/ النمسا

كتبتُ في مقال سابق عن تجربة اللجوء في ألمانيا أنني اعتبر نفسي نصف ألماني، ربما تسرعتُ بعض الشيء في قولي ذاك، في الحقيقة بالنسبة للاجئ يعيش في ألمانيا من الصعب أن يكون نصف أو ربع ألماني، وهذا الأمر ليس بالنسبة للمهاجر أو اللاجئ فقط، بل حتى بالنسبة لبعض الذين يحملون الجنسية الألمانية وولدوا من أبوين ألمانيين لهما في هذه الأرض جذور عائلية دموية تمتد لقرون.

كانت صدمة بالنسبة لي أن أجد ألمانًا لا يحبون ألمانيا لأسباب عديدة تخصهم، لكنها لم تكن مقنعة بالنسبة لي، وكانت صدمة أكبر أن أجد كراهية واستهجانًا في عيون بعض هؤلاء، أو في عيون من يحبون ألمانيا كثيرًا، نظراتِ كراهية الغرباء واللاجئين، أو حتى نظرات السخرية. ربما كانت تلك النظرات الكارهة المستهجنة الشيء المشترك الوحيد الذي يجمع هؤلاء.

قبل الألف

أجمل ما في ألمانيا الأطفال والعجائز، تشعر بأن الأطفال ملائكة قادمة مباشرة من الجنة، وتشعر أن العجائز رسل سلام يمسحون من قلبك كل خوف أو حزن. إضافة إلى ذلك الطبيعة الرائعة والقطارات الصغيرة في الأرياف، ولن أتحدث عن الأشياء المزعجة فهي ليست قليلة، أهمها انتظار الإقامة شهورًا طويلةً، تلك الشهور المخيفة التي أحرقت أعصاب مئات آلاف اللاجئين. طبعا العيش في الكامب ليس أقلَّ إزعاجًا لا سيما حين يتحول الى ما يشبه السجن.

ألف

بسبب معلمة الكورس العنصرية وموظفة الجوب سنتر الخبيثة وجارتي العجوز الحشرية وجاري القومجي؛ تمنيت أن تخرج المانيا من كأس العالم. بعد أسابيع على نهاية كاس العالم عدت لمتابعة إحدى مباريات الفريق الألماني، أحزنني أن يخسر، فهو فريق عظيم.

باء

كارثة إضافية؛ معلمة الكورس الجديد. بسببها وصلت إلى طبيب يكشف على قلبي بتخطيط كهربائي، ومنه إلى عيادة نفسية عصبية فيزيائية، أجريت فيها ثلاثة فحوص: نفسية، دماغية، قلبية.

هذا ليس جديدًا علي، فقد سبق أن عانيت من مُدرسة أخرى، لكن هذه المُدرسة الجديدة لا مثيل لها في الغضب والتوتر والحماس والنظامية، إلى درجة أنها تمضي ربع الدرس في إعطاء تعليمات جديدة، أو إعادة تعليمات سابقة من قبيل عدم استخدام الهاتف مطلقًا لإجراء مكالمات أو الرد عليها، إلا إذا كان ابن الطالب او ابنته في حالة سيئة، أو يحتاجون إلى أمر ضروري، وعدم الذهاب إلى دورة المياه قبل نهاية الحصة بعشر دقائق، وممنوع الغياب ليومين متتالين، وأي غياب أو تأخير ولو لعشر دقائق يجب أن يكتب عنه المتأخر توضيحًا في ورقة رسمية وزعتها علينا .

المهم حين قمت بكل هذه الاسباب غضبت وصارت تهذر، حتى أنها قالت لي، وهي تتفجّر غيظًا، إنني أستطيع الغياب كما أشاء عندما أموت فقط، مع ذلك عند نهاية درس ذلك اليوم حاولت ترطيب الأجواء فابتسمتْ.

تاء

في العيادة الجامعة، كما أحب أن أسميها، قال لي الطبيب النفسي بعد لجوئي إليه: "لا أستطيع أن أخدمك بشيء". وسألني عن نومي. شرحت له ما جرى معي بعد الحادثة: ألمٌ في منتصف الصدر، وإلى يساره، ألم في الكتف والذراع الأيسرين، عدم قدرة على البقاء في البيت والتسكع في الشارع لعدة ساعات طوال يومين، واللجوء إلى غابة جديدة اكتشفتها في أطراف المدينة الصغيرة. يعود ألم الصدر مرافقًا التوتر كلما تذكرت الحادثة، أو وجه المعلمة المحتقن الأحمر وملامحها الحاقدة الغاضبة.

ثاء

شعور بالامتنان التصق بي، إحساس بالسعادة لعظمة العلم لعظمة الألمان، هذه الأمة التي لا مثيل لها ربما في العالم، أو الغرب على الأقل، شعور امتنان للعقول التي استطاعت اختراع وتطوير جهاز يستطيع قراءة أدمغتنا. هذا ما خالجني في الدقائق الأولى بعد تركيب جهاز القراءة في رأسي، لكنني بعد دقائق أخرى رحت وأنا مغمض العينين، فاغر الفم، انتظر بفارغ الصبر انتهاء الجلسة التي استغرقت ثلث ساعة، كما قالت الممرضة الشابة الجميلة جدًّا. ثلث ساعة حسبتها ساعة أو أقل بقليل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في المنفى السوري.. الموت عزلةً أو اغتيالًا

خطاب إلى الأمة الألمانية.. عن الاندماج واللجوء