27-يوليو-2023
;pokjh

يجد السوريون أنفسهم في مواجهة خيارات أحلاها مر لدى التعامل مع واقعهم. (GETTY)

يعيش اللاجئون السوريون في تركيا اليوم، مخاطر جديدة ربما لم تكن لتخطر لهم على بال عندما فروا شمالًا من نظام دموي وميليشيات أحرقت البلاد والعباد. إذ لم يرَ الفارون من جحيم سوريا في الجارة الشمالية سوى ملجأ آمن يمكنهم فيه أن يأمنوا على أنفسهم وأهليهم، لكن تنامي العنصرية في تركيا وازدياد عمليات الترحيل من قبل السلطات التركية، تحت مسمى العودة الطوعية، في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن عودة للعلاقات ما بين النظام السوري والحكومة التركية، كل ذلك وضع اللاجئين في حالة خوف وترقب لمصير مجهول.

واقع يزداد سوءًا

تنامى خطاب  العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا بعد انتهاء الانتخابات التركية، التي استخدم فيها المرشحون والأحزاب التركية ملف عودة اللاجئين السوريين ورقة سياسية للفوز في الانتخابات. وبعد نجاح حزب "العدالة والتنمية" بالانتخابات الرئاسية وبقاء الرئيس رجب طيب أردوغان على كرسي الحكم، تفاءل معظم اللاجئين السوريين بتحسن أحوالهم، إلا أنهم تفاجؤوا مؤخرًا بازدياد موجات العنصرية ضدهم  سواء من قبل المواطنين الأتراك أو السلطات.

الواقع الجديد فرض على محمد الحسين (اسم مستعار)، وهو لاجئ سوري يقيم منذ 4 سنوات في ولاية غازي عنتاب، حالة من الخوف وعدم الشعور بالأمان أو الاستقرار، لما يشاهده من تجاوزات وممارسات عنصرية بحق السوريين. يصف محمد حاله فيقول: "أحسد الحجر الملقى على الطريق، لأنه مستقر أكثر منا نحن اللاجئين، المهددين بالترحيل في كلّ لحظة".

تنامي العنصرية في تركيا وازدياد عمليات الترحيل من قبل السلطات التركية، تحت مسمى العودة الطوعية، في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن عودة للعلاقات ما بين النظام السوري والحكومة التركية، كل ذلك وضع اللاجئين في حالة خوف وترقب لمصير مجهول.

واحد من أوجه معاناة اللاجئين السوريين في تركيا يتمثل في وثيقة الإقامة أو بطاقة الحماية المؤقتة التي تمنحها السلطات التركية للاجئين، فالحصول على الإقامة وتجديدها يحتاج للكثير من الإجراءات الطويلة الأمد، وهو مرتبط بتجديد جواز السفر السوري من السفارة السورية في تركيا. يصف الحسين وضع حامل بطاقة الحماية المؤقتة، قائلاً: "البطاقة أشبه ما تكون ببطاقة السجن، فهي لا تمنح اللاجئ أية حقوق."

ويمكن إيقاف البطاقة بشكل مفاجئ من قبل السلطات التركية، وفي هذه الحال يتوجب على اللاجئ تحديث بياناته المتعلقة بمكان الإقامة وسجل فواتير المياه والكهرباء وغيرها، التي تخضع لعملية تحقق من قبل الأمن أو الشرطة التركية. يقول محمد: "يبلغونك بإيقاف بطاقتك، فتذهب لتحديث البيانات، فيطلب منك عنوان سكنك، ,والحيّ، وهل مسموح لك الإقامة به، وفواتير المياه والكهرباء، التي أحياناً من الصعب أنّ تحصل عليها من قبل شركات المياه أو الكهرباء باسمك باعتبار أنك مستأجر ولست صاحب العقار، وإنّ حالفك الحظ وحصلت على كلّ هذه الأوراق، تقوم دورية تابعة للشرطة بزيارتك للتحقق من معلوماتك، وتصويرك مع بطاقتك بطريقة تشعرك بأنك مجرم، وفي حال عدم تواجدك في المنزل خلال زيارة التحقق هذه تفقد عنوانك، وتحتاج لإعادة العملية من جديد".

كما أنّ بطاقة الحماية المؤقتة تسمح لصاحبها بالتنقل ضمن الولاية التي يعيش فيها فقط، وفي حال رغبته للخروج لولاية أخرى فإنه يحتاج لإذن سفر، وهو الذي غالبًا ما يكون صعب التحصيل، أو محظورًا في الولايات الساحلية والسياحية، الأمر الذي يدفع بعض اللاجئين للحصول عليه من خلال بعض الموظفين أو معقبي المعاملات مقابل مبالغ مالية ضخمة.

من ناحية أخرى، باتت الهجمات المعادية للسوريين والعرب أمرًا شائعًا، وقد انتشرت مؤخرًا مقاطع فيديو تظهر حملات لإزالة العبارات العربية عن لافتات المحلات التجارية. يقول محمد إن أحد أصدقاءه تعرض للضرب في إحدى حافلات النقل العام فقط لأن هاتفه المحمول باللغة العربية.

مخه

أما في إسطنبول فيبدو الوضع أكثر خطورة، إذ تزداد وتيرة ترحيل اللاجئين السوريين من الولاية. يقول أحمد الزايد (اسم مستعار)، الذي يعيش فيها منذ خمس سنوات ويعمل في إحدى المنشأت الصناعية، إنه وغيره يعملون بدون إذن عمل أو عقد و تأمين صحي، كما أنهم يعملون لساعات أطول ومقابل أجور أقل يمكن أن تصل إلى نصف الأجور التي يتلقاها الأتراك. كما أن عدم وجود وثائق أو عقود تحمي العاملين السوريين تجعلهم في كثير من الأحيان عرضة للاحتيال والفصل.

خيارات أحلاها مر

ازدياد الممارسات العنصرية، وعمليات الترحيل للاجئين السوريين تحت مسمى العودة الطوعية جعل السوريين محاصرين بين خيار البقاء المر ، أو الهجرة إلى دول أخرى، وهو ما يعتبر أمرًا بالغ الصعوبة وغير متاح للجميع، أو العودة إلى الشمال السوري والبدء بالحياة من جديد في ظل حصار خانق يعاني منه.

فادي السعيد (اسم مستعار)، من مدينة مرسين، يخشى من الواقع الجديد ومن ترحيله إلى الشمال السوري، فهو مهجر من ريف دمشق أصلًا، وترحيله إلى الشمال السوري يعني مضاعفة غربته. يقول فادي إن عودته "لشمال سوريا هي بمثابة العودة للصفر من جديد بعدما بدأت حياتي هنا، واستطعت تأمين منزل وحياة جيدة لعائلتي. أما في حال أعدت لسوريا فلن أجد مكانًا أسكن فيه أو فرصة عمل أقتات منها".

ويرى فادي أنّ التفكير في الخروج من تركيا نحو دول أخرى أصبح شبه مستحيل خاصة في ظل التعقيدات التي تفرضها الدول الأوروبية في وجه المهاجرين، وصعوبة الحصول على حق اللجوء من خلال السفارات الموجودة في تركيا، ناهيك عن أن الهجرة بطرق غير قانونية يعتبر مجازفة كبيرة تزداد فيها احتمالية الموت إما  في البحر أو الغابات، وهذا كله إن كنا نتحدث فقط عمن يمكنهم توفير أجرة السفر أو التهريب، وهو ما لا يتوفر للجميع.

هذه المخاوف تدفع بالكثير ين إلى العض على جراحهم و تحمل الواقع الصعب في تركيا، ليتحول كل يوم لديهم إلى مغامرة قد تنتهي في سيارة الترحيلات، كما حدث مع سامر (اسم مستعار)  الذي أوقفته دورية للشرطة في مدينة الريحانية عندما كان في الطريق عائدًا من عمله للبيت، ثم رُحِّل إلى سوريا. يقول سامر: "لم أتجاوز القوانين، وأحمل بطاقة الحماية المؤقتة. تفاجأت بعملية الاعتقال هذه، وحاولت جاهدًا أنّ أفهم الأسباب من قبل الشرطة، لكنهم كانوا يطلبون مني الصمت ويشتمونني، لأجد نفسي بعدها داخل السجن مع مجموعة من السوريين. لم نكن نعرف مصيرنا في البداية، ولكن بعد عدّة أيام أخرجونا للحافلات، وأعطونا أوراقًا كتب عليها الموافقة على العودة الطوعية إلى سوريا. طلبوا منا التوقيع والبصم عليها، وفي حال رفض أي شخص كانوا ينهالون عليه بالضرب والشتائم، ومن ثم أدخلونا إلى معبر تل أبيض في شمال شرق سوريا، وسلمونا للجانب السوري". 

ازدياد الممارسات العنصرية، وعمليات الترحيل للاجئين السوريين تحت مسمى العودة الطوعية جعل السوريين محاصرين بين خيار البقاء المر ، أو الهجرة إلى دول أخرى، وهو ما يعتبر أمرًا بالغ الصعوبة وغير متاح للجميع، أو العودة إلى الشمال السوري والبدء بالحياة من جديد في ظل حصار خانق يعاني منه.

سُلِّم سامر لمنطقة تل الأبيض المحاصرة من قبل كل من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتركيا، رغم أن أهله وأقاربه يعيشون في مناطق الشمال الغربي، وأي محاولة منه للوصول إليهم تعني تعرضه للاعتقال ولانتهاكات قد تصل حد القتل.

يشار إلى أن الصفحة الرسمية لمعبر تل أبيض على منصة فيس بوك، نشرت عدّة إحصائيات حول أعداد العائدين من تركيا إلى سوريا من خلال المعبر، تحت مسمى العودة الطوعية. فتشير الأرقام إلى أنه في الفترة ما بين 4 وحتى 19 تموز/ يوليو بلغ عدد المرحلين 1158 لاجئًا.
مازن علوش، مسؤول العلاقات الإعلامية في معبر "باب الهوى" الحدودي قال لألترا صوت إن ما يقارب 7000 مدني أدخلوا من تركيا عبر المعبر منذ بداية العام الجاري، 5700 منهم كانوا يقيمون في الولايات التركية، و1300 كانوا قد ضبطوا على الحدود أثناء محاولتهم الدخول للأراضي التركية.

يضيف علوش أنه "ليس لدينا تواصل مباشر مع العائدين قسرًا، ولا توجد مواعيد محددة لدخولهم إلينا. فهم يصلون للجانب السوري من المعبر بشكل مفاجئ ويكونون قد وقعوا على أوراق العودة الطوعية."

صمت قاتل على المستوى السياسي

يشير محللون إلى أن ارتباط المعارضة السورية بتركيا، واعتبارها الحليف الأبرز لها، يضعها إما في حالة دفاع عن السياسات التركية، أو الصمت وعدم التصريح بأي موقف أو اتخاذ أي إجراء لصالح اللاجئين السوريين.
تواصلنا مع أعضاء في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة للسؤال عن موقفهم من الإجراءات التركية الأخيرة ضد السوريين، لكننا لم نتلقَ أي ردّ حتى تاريخ نشر التقرير.

كمنت

بينما  يرى الكاتب المعارض الدكتور يحيى العريضي، في حديثه مع ألترا صوت أن ما يعيشه السوريون في تركيا هو مسألة سياسية واقتصادية واجتماعية على حد سواء. فهي سياسية نتيجة تحوّل اللجوء السوري إلى ورقة انتخابية بين الأحزاب المتنافسة على السلطة، ليتبيّن أنّ بعض الأحزاب لم يكن لديها على جدول بيانها الانتخابي إلا قضية اللاجئين السوريين. أما حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات، فقد سعى إلى سحب تلك الورقة من الأحزاب الأخرى، فدخل على خط مناقشة مصير السوريين وقطع وعودًا خلال حملته الانتخابية بإعادتهم؛ وهو الآن لا يستطيع التنصل من تلك الوعود بسهولة، وفقًا للعريضي.

وفي الجانب الاقتصادي يشعر الأتراك أنّ هناك مَن يتسبب بانحدار الوضع الاقتصادي، ويكلف الخزينة التركية لإقامته في بلادهم، وهي ادعاءات روجت لها أحزاب المعارضة التركية وثبت بطلانها. 

أما اجتماعيًا فهناك عنصرية متأصلة داخل بعض الشرائح في المجتمع التركي، وقد باتت تجد منفذًا لها في المعاملة البشعة تجاه السوريين.

سامر: لم أتجاوز القوانين، وأحمل بطاقة الحماية المؤقتة. تفاجأت بعملية الاعتقال وحاولت أنّ أفهم الأسباب من قبل الشرطة، لكنهم كانوا يطلبون مني الصمت ويشتمونني... بعد  أيام أخرجونا للحافلات، وأعطونا أوراقًا كتب عليها الموافقة على العودة الطوعية إلى سوريا، وطلبوا منا التوقيع والبصم عليها، وفي حال رفض أي شخص كانوا ينهالون عليه بالضرب والشتائم، ومن ثم أدخلونا إلى معبر تل أبيض في شمال شرق سوريا، وسلمونا للجانب السوري.

ويضيف العريضي أن ارتفاع وتيرة ترحيل السوريين جاءت بسبب قرب حملة انتخابات الإدارة المحلية في الولايات، والتي تحين بعد أقل من عام، "والسوري اللاجئ يشكل الحلقة الأضعف والورقة الأكثر تأثيرًا في الانتخابات، ومن يريد أنّ يتسابق أكثر ويسحب هذه الورقة من أيدي الأحزاب الأخرى هو العدالة والتنمية الذي يملك السلطة الآن".

يذكر أنه في الحادي والعشرين من الشهر الجاري عقد "منبر منظمات المجتمع المدني" اجتماعًا في إسطنبول حضره كل من والي الولاية ومدير الهجرة فيها، ونائب مدير الأمن وقائد الجندرما وقائد حرس السواحل، بالإضافة لممثلين عن المنظمات السورية. وناقش المؤتمر  التطورات الأخيرة والمخاوف التي يعيشها السوريون في تركيا، وخرج الاجتماع بمجموعة من البنود بحسب توضيح صدر عن منبر منظمات المجتمع المدني.
تضمنت البنود الاستمرار بمكافحة الهجرة "غير النظامية"، مع ضمان عدم تعرض المهاجرين الشرعيين لأي ضرر، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الموظفين الأتراك الذين يستخدمون العنف ضد المهاجرين. كما أعلن المؤتمر أنه لن تكون هنالك حاجة لإصدار محاضر شرطة للسوريين الذين يفقدون بطاقة الحماية المؤقتة من أجل الحصول على بطاقة جديدة، ولن يوقف السوريون  الذين لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة أو يرحلوا إلى مراكز العودة، كما أنه لن يفتش عن البطاقات في أماكن العمل خلال المرحلة القادمة.

في اليوم ذاته أصدر "المجلس الإسلامي السوري" بيانًا على صفحته الرسمية في فيسبوك أعلن من خلاله تضامنه مع اللاجئين السوريين الذين يتعرضون للترحيل، مؤكدًا على أنهم لم يلجؤوا لتركيا إلا نتيجة الظلم الذي تعرضوا له في بلادهم،. كما دعا السلطات التركية إلى مساعدة اللاجئين وعدم الانجرار وراء الحملات العنصرية، وإعطاء اللاجئين المخالفين فرصة لتسوية أوضاعهم، كما طلب من اللاجئين اتباع القوانين التركية والالتزام بها.

وفي الثالث والعشرين من الشهر الجاري، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، في حديثه مع صحفيين في إسطنبول، إنهم لن يتهاونوا مع المهاجرين غير النظاميين، ومن لا يملكون إقامات قانونية في تركيا، وأنّ حملات الترحيل تستهدفهم فقط،. وأضاف أن القوات التابعة للوزارة تعاملت مع بعض التجاوزات التي حصلت من قبل الشرطة التركية، في الوقت الذي دربت فيه الوزارة 200 ضابط ورئيس مخفر لرفع كفاءة التعامل مع اللاجئين. وأضاف الوزير التركي أنه لا توجد مشكلة مع اللاجئ السوري الذي يحمل بطاقة الحماية المؤقتة والمقيم في ولاية إصدار البطاقة، وأنه من يتم ضبطه في ولاية غير ولاية إقامته فإنه يعاد لولايته ولا يرحل لسوريا، حسب ما نشرت الصفحة الرسمية على فيس بوك لقناة "حلب اليوم"  نقلًا عن موفدها في اللقاء.

يشار إلى أنّ المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيديرسون، كان قد أعلن في الرابع والعشرين من الشهر الحالي أنّ الظروف لعودة اللاجئين إلى سوريا ما زالت "غير مهيأة"، ضمن اجتماع مجلس الأمن الدولي الشهري.