23-ديسمبر-2016

تنتشر السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حركة تدوين نشطة (فيسبوك)

صعدت حركة التدوين في مصر، وفي بلدان عربية أخرى، بُعيد الحرب على العراق في آذار/مارس 2003. جاء التفاعل الملحوظ لكن المحدود أيضًا، على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى نهاية العقد الأول من هذه الألفية عبر "فيسبوك" ثم "تويتر". وبرزت أحداث سياسية واجتماعية عدة، وهو ما قاد جمال مبارك، الذي كان يستعد لرئاسة مصر حينها، إلى الانخراط في تلك القنوات ترويجًا لنفسه وفتحًا لباب الحوار مع الشباب و"جيل المستقبل"، حسب ما كان يُقال.

شهدت حركة التدوين في مصر ارتفاعًا منذ 2003 وتكرست بعد ثورة 25 يناير

من داخل هذا الحراك، صعدت شخصيات ساخرة ولاذعة، سواء سياسيًا أو اجتماعيًا. كانت المدونات هي مسارح هذا الصعود الرئيسة، بل إن أشهر دار نشر مصرية ("دار الشروق")، ستقوم في مطلع عام 2010  بإصدار سلسلة "مدونة الشروق"، بهدف نشر محتوى "المدونات العربية المتميزة".

بشكل أساسي، الساخر والمتهكم من بينها (أشهر هذه التجارب نجاحًا مدونة "عايزة اتجوز"، التي صارت كتابًا، ثم مسلسلًا تلفزيونيًا). كما سيقوم عدد من هؤلاء المدونين بجمع نصوصهم وطبعها في دور ناشئة، في أعمال فردية أو جماعية، وبعض الصحف الخاصة ستعمل على إعادة نشر تدوينات متميزة، أو استكتاب بعض المدونين.

اقرأ/ي أيضًا: سرديات الاغتصاب والتحرش.. فتيات عربيات يكسرن الصمت

قبيل ثورة 25 كانون الثاني/يناير، سيعرف المصريون المنخرطون في مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبيتهم من الشباب، الفيديو بلوغ أو اختصارًا، الفلوغ: التدوين عبر الفيديو. لعل هذا الشكل من أشكال التدوين هو الوحيد المستمر إلى اليوم (بعد تقليمه)، خصوصًا بعد أن قاد إلى ظهور نجوم تلفزيونيين، ساخرين تحديدًا، يتقاضون أجورًا بالملايين، في مقدمتهم الإعلامي باسم يوسف، الذي نشر أول فيديوهات "باسم يوسف شو" في 8 آذار/مارس 2011، و"أبله فاهيتا" التي بدأت في العام نفسه.

لكن مع انحسار بث المواد اللاذعة عبر الفضاء السبراني، بعد انقلاب تموز/يوليو 2013، خوفًا من الملاحقة، أو الملاحقة فعلًا، بتهم تهديد النظام والآداب العامة أو ازدراء الأديان، فضلًا عن منع المتلفز منها أو تغيير مضمونه، ليصير خفيفًا أو مواربًا أو مندرجًا ضمن الـ entertainment خالي الدسم، ستجد السخرية لنفسها مسارات أخرى. لكنها لن تأخذ شكل مرحلة كان يمكن تسميتها بـ"ما بعد الفلوغ"، وإنما عودة، بشكل أو بآخر إلى ما قبل، إلى صفحات "فيسبوك" و"تويتر".

لاحق نظام السيسي المدونين على فيسبوك وتويتر و"الفيديو بلوغ" بتهم واهية لقمعهم

صحيح أنها كانت موجودة طوال المراحل السابقة، لكن أحدًا لا ينكر أن السنوات الأخيرة قد احتلت فيها صفحات الـ Memes صدارة المشهد الساخر في مصر، لو جاز التعبير. في الغالب الأعم منها، تعقد هذه الصفحات، التي تتنوع بتنوع الأطياف السياسية والحيوات المهنية والاهتمامات والوسائط، مقارنات بين شخصية أو حدث أو رمز واقعي ونظير خيالي (سينمائي مثلًا) أو تاريخي، وذلك على أساس المفارقة أو التهكم أو المبالغة وهلم جرّا.

هذه العودة، عبر تأسيس صفحات يصعب تحديد هوية من يقف خلفها وتُتَابع من قِبل الملايين، لم تنج من الملاحقة والتضييق أيضًا (يجب التذكير، دومًا، أن الحديث هنا غير محصور فيما هو سياسي). لكنها تظل، على الأقل حتى كتابة هذه الكلمات، متنفسًا لاذعًا وحادًا، وفظًا أحيانًا كثيرة، بيد الساخرين من الأحوال، كل الأحوال، في مصر. في الأخير، ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار مدى ما تمثله تلك العودة من انتكاس أو تقهقر بالغ ليس في سقف المجال العام فحسب، وإنما في صياغة جيوب لمقاومة الأمر الواقع خطابيًا في مصر.

اقرأ/ي أيضًُا:

بيان البرادعي يثير السخط على مواقع التواصل!

مأزق الاصطفاف في مصر