06-مايو-2016

غرافيتي في مخيم الزعتري

"أنتِ وجه السحارة بين صديقاتك"، قال لها زوجها معترضًا على رداءة صديقاتها. "فلان.. وجه سحارة الدراما"، قالها الصحفي في المقهى كما لو أنه بائع على بسطة. "إذا كان هذا وجه سحارة العائلة، فماذا يكون إخوته؟"، همس الأب في أذن ابنته بعد لقائه العريس الجديد.

يعرف الجميع أن بائعي الخضار والفواكه، يضعون أفضل الثمار وأحلاها فوق الثمار المضروبة والمفعوسة والمفعوصة والمندسة

يعرف الجميع أن بائعي الخضار والفواكه، يضعون أفضل الثمار وأحلاها فوق الثمار المضروبة والمفعوسة والمفعوصة والمندسة. حيلة قديمة قدم الكراسي الخشبية المتكسرة التي تملأ حدائقنا العامة منذ العهد الآرامي، ولكنها حيلة تجدي  نفعا على الدوام. الزبون يهرع نحو التوجيهة الحلوة للسحارة الأكثر ترتيبًا، بإحساسه الفطري، كما يهرع المراهق نحو الفتاة الحلوة تاركًا فكرة جمال الروح تتخلل في مستودعات النسيان، ولن يفلح المسيح نفسه في نسف الفكرة من رأسه. 

اقرأ/ي أيضًا: حلب-القاهرة.. امتيازات القتل

إذن، المعادلة واضحة ولها طرفان: الأول بائع يحتال، والثاني زبون يدفع المال. يتأرجح بينهما وجه السحارة، ويبدو لي أن مبدأ وجه السحارة قد ساد وطغى على كافة المجالات لدينا، والأمثلة كثيرة جدًا، وإليكم بعضها: 

• يفوز بالمركز الثالث وجه السحارة في تلفزيوننا المحلي، فسحارة كل تلفزيون كبيرة وواسعة، لدرجة أنها تتسع لتشمل أكثر من نوع من الفاكهة، ولدرجة أن وجه هذه السحارة امتلأ بمليارات المذيعات، القديرات، المثقفات، الجميلات، المتمكنات، سليمات النطق، سريعات البديهة،  حاضرات التركيز، ولا ينقصهن إلا أن ننادي على كل واحدةٍ كما الباعة المتجولون: "يلا عالرمان، مسوسح يا تفاح، قَطِرْ يا برتقال، قاسي يا نجاص، ناشف يا تين وطيب".. فلنهلل جميعاً، ولنفرح، ولتزغرد عقولنا يا إخوان، فنحن نمتلك حديقة كبيرة من الفواكه اللواتي يقدمن البرامج الصباحية والمسائية والتجحيشية والتكعيبية. كمية من الفواكه اللا محرمة، ولكنها قد تكفي أيضا لتنزل آدم وحواء، والله نفسه، من الجنة.. وصحة وهنا على قلب المشاهدين الغوالي.

• سحارة القطاع الصحي تحتل المركز الثاني بقوة ورسوخ، لا يضاهيه رسوخ المكياج على وجوه ممثلاتنا الموهوبات عند استيقاظهن من النوم في أي مسلسل. تفرز الممرضات على المشافي كما يفرز حب التوت والفريز، حيث لا ينتقى منه إلا الصالح للأكل (المقصود طبعا الفريز والتوت)، فممرضاتنا ملائكة الرحمة، لا اللحمة، لا يأكلن أبدًا بل يسهرن كالأقمار على راحة المرضى التافهين المتطلبين، الذين لا يملون التأوه والأنين، لا بسبب من مرض أو داع من وجع ولكن فقط ليقلقوا راحة الطبيب المناوب كالديك اليقظ على راحتهم، وليقلقوا راحة ممرضتنا الأليفات كالدجاج. يخضع المواطن لعملية جراحية لكبريائه، وعملية تجميلية لكذبه، واستئصال لضميره وتجريف لأمله وشفط لنقوده، ونفخ لقلبه.. وألف الحمد الله على سلامة المريض وإن شاء الله بكرا بيطلع مفلتر ومبستر. 

اقرأ/ي أيضًا: بين دريد لحام وخالد أبو النجا

لا يضاهي القطاع الصحي في القوة إلا رسوخ المكياج على وجوه ممثلاتنا الموهوبات عند استيقاظهن من النوم في أي مسلسل

• المركز الثالث لسحارة القضاء، فهي السحارة المكللة بالمجد والعز.. لنصفق معًا، فلا رشاوى تستطيع أن تخترق ضمير القاضي ولا نقود تستطيع أن ترخي عزيمته في إحقاق الحق وإبطال الباطل. وأستطيع أن أؤكد أن قضاءنا  نزيه وشريف وأنصع بياضا من الحليب بل من الثلج.. أعزائي القضاة لا تنزعجوا مما يتفوه به الشعب أحيانًا عن وجود قلة قليلة منكم قد تضعف نفسها فترتشي.. فالشعب ثرثار ولا قيمة له أبدًا، وكذاب ويحب دائما أن يفتري عليكم.. لا تبالوا به، ولا عليكم منه ولا من همومه.. كلوا واشربوا وتمتعوا وعيشوا فهذه مهمتكم.. وليخسأ المظلومون والظالمون.. المهم أنتم وأحوالكم.. وطالما أنكم بخير فنحن بخير.. سنعيش لأجل أن نفرحكم يا أسيادنا ومبروك فوزكم الذي تستحقونه..

هذه السحارات مجرد سحارات مقترحة للمراكز الثلاث الأولى، ولكل قارئ أن يضع قائمة سحاراته المفضلة، ويتوجها كما يريد، لكن لنتفق على أن نجعل كل السحارات بلاستيكية، لأنها أشد قوة وأبهى منظرًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

وداعًا حلب

أين مفتاح الشارع؟