لطالما كانت بدايات شهر أيلول/سبتمبر في فلسطين، مزدحمة بجمع ما تبقى من محصول العنب، وتخزينه لاستخدامه في تصنيع منتجات الدبس والملبن والعنطبيخ/التطلي (مربى العنب)، بالإضافة لتجفيف ثمار التين وإنتاج ما يُعرف بـ "القُطّين".
ارتبط إنتاج الزبيب بـ"شتوة المساطيح" وفق تقويم الفلاحين، حين تهطل أمطار خفيفة في أواخر أيلول معلنةً انتهاء فترة تجفيف العنب والتين، وبدء موسم الزيتون
لكنّ مديرة جمعية دورا للتصنيع الغذائي هدى شديد، تقول: إنّ "كل هذا تغيّر الآن"، بعد أن كانت "المخلوطة الفلسطينية" والمكوّنة من الزبيب والقمح المحمص، مع البطم والقريش والسمسم، تعدّ الحلوى المفضلة، لدى الأطفال خصوصًا.
"الزبيب" كان نصيبه الأقل حظًا من بين منتجات العنب الأخرى، من حيث البيع، وبالطبع من حيث الإنتاج والاستهلاك. وهو ما حجز له مساحة متواضعة بين منافسيه، من حجم استهلاك السوق الفلسطيني، وبهذا فلم تتطور طرق تصنيعه إلّا بشكل بسيط، ولكنه مع ذلك يشكّل قيمة تاريخية مهمة، فكما يقول المثل الفلسطيني: "ضرب الحبيب زبيب".
مدير مركز السنابل للتراث الشعبي إدريس جرادات، يقول إنّ خبرة تصنيع الزبيب انتقلت إلى فلسطين، من مناطق الشام، وجاء كوسيلة لتخزين العنب خلال فترة الشتاء.
وفلسطينيًا، ارتبط إنتاج الزبيب بتقويم الفلاحين من خلال "شتوة المساطيح" الخفيفة، حين تأتي أمطار خفيفة في أواخر شهر أيلول معلنةً انتهاء فترة تجفيف العنب والتين، وبدء موسم قطف الزيتون.
وعن طريقة إنتاج الزبيب، يشرح جرادات كيف كان الفلاحون يقومون بتغطية "المساطيح" وهي الأماكن التي كان يتم فيها تجفيف التين والعنب، ويحافظون بها على نظافة الزبيب والقُطّين من أجل استخدامه لاحقًا. وتذكّرهم "الشتوة" بضرورة تجميع ما جففوه، لتخزينه في الخابية (وهي خزانات صغيرة مصنوعة من الطين تستخدم للتخزين).
اقرأ/ي أيضًا: كم من الفاكهة تحتاج يوميًا؟
ويشكّل الزبيب ما نسبته 4% فقط من منتوج العنب الفلسطيني، وفقًا لرئيس مجلس العنب والفواكه فتحي أبو عياش، بما يعادل 440 طن زبيب سنويًا. وهي كميّة بدأت بالانحسار لارتفاع أسعار العنب، وازدياد الطلب على الدبس، والشّدة وهي نوع من أنواع الحلوى المصنوعة من الدبس)، وكذلك الملبن، والعنطبيخ (مربى العنب).
اعتاد الفلاح الفلسطيني على إنتاج الزبيب من خلال وضع "رماد العنب" في مياه دافئة معقمة مع زيت الزيتون، وذلك لقتل الجراثيم ومنع الحشرات من التجمع حوله، ومن ثم يتم تغميس قطف العنب به، ووضعه على "المسطاح" في الكرم حتى يجف ومن ثم يتم تفريطه وتخزينه.
وتشير هدى شديد إلى أنّه يتم الاستعاضة حاليًا عن الرماد باستخدام مادة "بيكربونات الصوديوم"، ولكن لم تختلف الطريقة كثيرًا، وبقيت الطرق التقليدية هي المسيطرة.
وتعدّ مرحلة اختيار العنب المناسب لإنتاج الزبيب هي المرحلة الحاسمة، والأهم، فكما يؤكد أبو عياش بأن هناك عنبًا لا بذري وبذري، وحاليًا هناك توجهات لاستخدام العنب اللابذري لازدياد الطلب عليه، على الرغم من أن العنب البلدي ألذ وأكثر فائدة.
اقرأ/ي أيضًا: 6 أغذية خارقة تمنحك الطاقة
ويعتبر العنب الشامي والمراوي والزيني البلدي والدابوقي من أفضل أنواع العنب لصناعة الزبيب، لطول حبّته ولونه الأشقر الجميل، ويجب تجنب العنب المجدلي والحلواني، ومن الضروري استخدام العنب الحلو الذي تبلغ نسبة السكر به 17% حتى لا يعطب أثناء التجفيف، واختيار قُطف العنب متوسط الحجم حتى يجف بسرعة.
كان الزبيب خزين الصيف للشتاء، يحفظه الفلاحون للحصول على قسط من الدفء في الليالي الباردة وأثناء السهر حول مواقد النار
ويمكن لك أن تميِّز الزبيب الجيّد من غير الجيّد من خلال لونه المائل للبني الأشقر الصافي الزاهي، وحبِّه النظيف غير المغبر والذي يدل على اعتناء الصانع به، وتجفيفه بالطريقة الصحيحة والمناسبة.
على الرغم من سهولة تصنيع الزبيب، إلا أن الاعتناء بكرم العنب يأخذ وقتًا طويلًا، فتجد المزارعين في مناطق الخليل وبيت لحم يستيقظون باكرًا للاعتناء بمحصولهم الثمين، فــ 75% من العنب يأتي من مناطق جنوب الضفة كالخليل وبيت لحم، ويوزع في باقي مناطق الضفة وقطاع غزة والمناطق المحتلة، ولاتتجاوز نسبة ما يتم تصديره إلى الأردن 1% فقط.
وتراجعت قيمة الزبيب كحلوى في البيوت الفلسطينية منذ أن بدأت تظهر أنواع الحلوى المختلفة في مناطق الجنوب، كالكنافة والبقلاوة وغيرها، وفي هذا السياق يقول جرادات: "كان للزبيب أهمية كبيرة في الأفراح الفلسطينية في الجنوب، فكُنّا نوزع الزبيب والقطين والزعرور بدلًا من الحلويات الحالية.
وكان يعتبر الزبيب خزين الصيف للشتاء، فيحفظه الفلاحون من أجل الحصول على قسط من الدفء في الليالي الباردة وأثناء السهر حول مواقد النار، إلا أن هذه القيمة تراجعت مع ظهور أنواع الحلوى الجديدة، وازدياد الاهتمام بتصنيع الدبس (شقيق الزبيب ومنافسه الأقوى)، للإقبال الكبير عليه.
وتبقى للزبيب فائدة عظيمة كمكمّل غذائي، والذي يجعل منه وجبة مهمة تضعها في جيبك لتتناولها على الطريق، لكن عليك أن تتذكّر في المرات القادمة حينما تذهب إلى السوق وتقرر أن تختار الزبيب لوجبة الكبسة أو لصنع كيكة الفواكه المجففة، أن هذا المنتج الصغير والمليء بالفوائد، مرّ برحلة طويلة، من الاعتناء بالعنب، وقطفه بعناية، وتجفيفه بكل حُب.
اقرأ/ي أيضًا:
البطيخ الأحمر في الجزائر.. سطوة الفاكهة