30-أكتوبر-2015

منع الفيلم في الجامعة سابقة تاريخية

منعت الرقابة الأمنية مجددًا، عرض فيلم "لي قبور في هذه الأرض" في حرم الجامعة الأميركية في بيروت. الفيلم الذي كان من المقرر أن يعرض نهار الثلاثاء الماضي في الجامعة، بمبادرة من النادي العلماني الذي نظّم الحدث بالاشتراك مع "المركز الدولي للعدالة الانتقالية"، فوجئت بصدور قرار بمنع عرض الفيلم قبل ثلاث ساعات من وقت العرض. كان ذلك بعد استحصال النادي على موافقة مسبقة من مكتب شؤون الطلاب في الجامعة. قرار المنع هذا أتى من خلال إتصال "المديرية العامة للأمن العام" بإدارة الجامعة، وهذا ما إعتبر النادي العلماني في بيانه بالحدث الخطير في التعاطي مع النشاط الطلابي في التاريخ الحديث للجامعة. الفيلم، للمخرجة رين متري، كان قد منع من العرض في صالات السينما في لبنان بمجرد عدم حصوله على تأشيرة العرض، بحجة أن الفيلم "يهدد السلم الأهلي". يعتبر جهاز الرقابة أحد أجهزة هذا "النظام الطائفي"، المعيّن بتوافق سياسي-طائفي وذلك لمنع أي أسلوب من التعبير يهدف إلى أظهار فظاعة هذا النظام وزعماءه. هذا النظام الذي إعتاد بأجهزته ومؤسساته في الآونة الأخيرة، على سياسة كم الأفواه، يجيد أيضًا التعتيم على واقع من خلال طمس الحقائق.

هذا الشريط الوثائقي انطلق في مهرجان دبي الأخير، وتم عرضه لفترة محدودة في إطار "أيام بيروت السينمائية". وتستعرض متري في الشريط، حالات من مجتمع يعيش في ظل الخوف من الآخر. تحاول المخرجة الغوص في الذاكرة بهدف إثبات أن ما نعيشه الآن مستمد من فظاعة الماضي، وأن الحرب لم تنته بل ما زالت مستمرة. تنطلق متري في فيلمها من حادثة شخصية، وهي بيع أرض كانت تملكها العائلة في "عين المير" (قضاء جزين جنوب لبنان) ، حيث تفاجأت من ردة فعل محيطها أثر بيعها الأرض لمسلم، لتستكشف ما يسمى بالحرب العقارية. رسمت متري في فيلمها فظاعة الحرب، مستعرضةً الخوف الكامن لدى الطوائف من بعضها، متحدثة عن عمليات التهجير القسري، موثقةً بعض جرائم أمراء الحرب من خلال شهادات الحياة التي إستحضرتها في الوثائقي.

الرقابة المسبقة جعلت الفن يعيد إنتاج الثقافة نفسها التي يريدها النظام القائم من خلال أجهزته ومؤسساته

في هذا السياق دعت المفكرة القانونية، الخميس الفائت، إلى مؤتمر صحفي تتبعه ندوى بعنوان "لنا ذاكرة في هذه الأرض"، في مترو المدينة. هذا المؤتمر الذي جاء تعقيبًا على منع الأمن العام عرض الشريط الوثائقي في الجامعة الأميركية في بيروت. تحدث خلال المؤتمر المحامي نزار صاغية (عضو مؤسس للمفكرة القانونية ومديرها التنفيذي منذ 2011) عن الرقابها كونها وفية للنظام القائم بعد الحرب، مشيرًا إلى أن الرقابة المسبقة جعلت الفن يعيد إنتاج الثقافة نفسها التي يريدها النظام القائم من خلال أجهزته ومؤسساته. يعتبر صاغية أن المعركة يجب أن تنقل إلى القضاء، وقد تم تقديم دعوى يوم الإثنين الماضي بهذا الشأن معتبرًا أن فيلم متري هو حالة نموذجية، وذلك بعد المحاولة الأولى في قضية فيلم "أوتيل بيروت".

بدورها تحدثت متري في المؤتمر، مشيرة إلى أن هذا الفيلم بالنسبة لها، هو تمرين على كتابة التاريخ، مشددة على إقتناعها بأن الحرب لم تنته بعد. تقول متري أيضًا "مشكلتي مع النظام الطائفي والمؤسسات التي تحمي مصالحه". في السياق نفسه سخرت متري من تبريرات منع الفيلم. وفي المؤتمر أيضًا، رئيسة لجنة مفقودين والمخطوفين في لبنان وداد حلواني وممثلة عن جمعية مهارات رلى مخايل.

الفيلم بالنسبة لمخرجته رين متري هو تمرين على كتابة التاريخ

تظهر المخرجة في الفيلم ذاكرة جماعية، متشظية، ظهرت من خلال شهادات الحياة للشخصيات الآتية من خلفيات طائفية وجغرافية متنوّعة، من الموارنة والشيعة والدروز والسنة. تسعى متري لإظهار تبادل دور الجلاد والضحية في كل الحالات. إستعانت المخرجة بصور من أرشيف صحفتي النهار والسفير لتوثيق بعض الأحداث البارزة في الحرب. في الشريط إمرأة تتحدث عن هروبها من إحدى القرى الجنوبية وسكنها في منزل هجره قسرًا أهله المسيحيون. تحاول المخرجة تأريخ الحرب الأهلية من خلال فيلم وثائقي، معتبرةً أنها محاولة من محاولات عدة في هذا المجال، إذ ينتمي عمل المخرجة إلى مدرسة "أركيولوجيا الحرب".

لا بد أن سجل جهاز الرقابة حافل في مجال منع وإقتطاع مشاهد من أفلام وأعمال فنية عديدة تتحدث عن الحرب الأهلية ، فواجه الفيلم الوثائقي "سمعان بالضيعة" (2008)  للمخرج سيمون الهبر خطر إقتطاع أحد المشاهد منه بسبب تطرّقه في أحد المشاهد إلى «الحزب التقدّمي الاشتراكي». أيضًا، مُنع شريط «شوصار؟» (2010) من العرض في بيروت كونه يستعيد إحدى مجازرالحرب الأهلية. بالإضافة إلى ذلك، منعت أجهزت الرقابة مؤخرًا عرض فيلمين في مهرجان بيروت الدولي للسينما، الأول "WASP" للمخرج السويسري اللبناني فيليب أودي كونه يتناول علاقة حب بين شاب مثلي وامرأة تكسر الصورة التقليدية للأفلام الرومانسية، والثاني Life is Waiting للمخرجة لارا لي كونه يتطرق إلى قضية الصحراء الغربية (بطلبٍ من المملكة المغربية).

تعتبر الرقابة المسبقة إذًا، أداة في يد هذا النظام لتحديد ما يريد أن يسمح للمواطنين بالإطلاع عليه. فيسمح هذا الجهاز لكل ما لا يتعارض أو يمس بهذا النظام الطائفي-السياسي الحالي من الإنتاجات السينمائية بالعرض فيساهم بإنتاج الثقافة نفسها، بينما يمنع بطريقة غير مباشرة- أي من خلال عدم إعطاء تأشيرة السماح لعرض الفيلم – الأفلام التي يجدها تمس بهذا النظام نفسه، أو أحد تركيباته.

إقرأ/ي أيضًا:
الرقيب الإسرائيلي الذي يطاردنا
أبرز 10 فضائح فساد في لبنان