29-أغسطس-2016

(Getty)

1

صمت. الكل يصمت، ينظرون إلى حركة الممثل التي تبدو طبيعية، وغير مصطنعة، يرتقبون نهاية المشهد، كأنهم في مباراة كرة قدم، والوقت ينفد. يتحرك بثقل، ملامح وجهه ثقيلة، لهذا السبب قد اختاره المخرج، صدفة، في الشارع. "أنت تمثل العدم" هذا ما قاله له عندما صادفه في إحدى الشوارع، كان يومًا مشمسًا، وكان ينظر إلى الحائط الأملس، ينظر بغرابة، يتلمس سطح الحائط الجاف، يحرك رأسه بعدما يلوح بيديه في الفراغ الذي يفصل بينه وبين الحائط، حركته هذه تشبه حركة أعمى، عن ماذا كان يبحث؟ وأي شيء أراد أن يمسك في تلك الفسحة الصغيرة بينه وبين الحائط. قليلًا ما كان يشاهد الأفلام السينمائية، يحب الحركة المتباطئة للممثلين وكأنها في عرض بطيء، كأن الوقت لزجٌ. يقرأ نص الفيلم الذي تفاجأ حين عُرض عليه دور البطولة، أي بطولة تلك وهو يتحاشى ضوء الشمس المباشر. شعر بأن الأمر قد يحوي مغامرة، تغير في رتابة تقويمه الممل، أي شيء كان. 

2

خدر في الرأس، تعيش على قدر قليل من الماء، لم أقصد بأنني سمكةٌ، كانت تلك تشبيهاتي المفضلة، للحياة التي أعيشها، أي حياة تلك التي تعيش فيها على قدر قليل من الماء. أصحو، أنظر إلى المرآة المعلقة قرب الحمام، المنشفة متسخة، يخيل إلي بأني أفقد ملامحي، كلما أنظر إلى المرآة، أجد بأن جزءًا من وجهي قد فُقد، أتأكد من نفي ما يدور في رأسي حين أمسح الماء الذي على وجهي في المنشفة، كل شيء في مكانه. شعاع يدخل من النافذة أعلى الحائط، الشجرة تتحرك، في الباحة الخارجية، خلف الحائط ثمة هر يموء، ثمة حياة تضيف الرتابة إلى أيامي. عندما قبلت الدور الذي عرض علي في الفيلم، كنت أرى بأنني البطل الذي يفقد ظله كلما كان وحيدًا في الخارج. 

3

كان في طفولته يجلس في غرفة أمه وحيدًا، يغمض عينيه، ويعيش في خيال، يعيش في مدن وعوالم قد تستمر لساعات، يبني قصورًا ويكون برفقة أجمل نساء الكون، استمر في هروبه هذا حتى عندما أصبح رجلًا، الخيال كان يبقيه حيًا. قبل شهرين لاحظ بأن عينيه لا تغمضان، كأن شوكة تنغرز عميقًا في عينيه، كأن أشرطة الخيال قد نفدت. هوس في عقل الرجل، يشعر بأن ملامحه قد تختفي ما لم يتخيل، بأن ظله يُفقد كلما كان وحيدًا. في مشهده الأخير من الفيلم يخرج ليتمشى في حديقة عامة، الأشجار بعيدة كي يتنفسها، كان الفضاء أصفر يشبه ليمونة شاحبة، يسير في ممر من حجر مرصوف، ينظر إلى ظله وهو يتلاشى، يسقط على الأرض، كان ظله ممتدًا.

اقرأ/ أيضًا:

كديناصورٍ شارفَ على الانقراض

كيت شوين: قصة ساعة