26-مايو-2017

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (إيريك فيفيربيرغ/ أ.ف.ب)

بات عمر الطّفل الجزائري الذي ولد غداة اندلاع ثورة التّحرير عام 1954، ثلاثة وستون عامًا، والطفل الذي ولد غداة نيل الاستقلال الوطني عام 1962، خمسة وخمسون عامًا، والطّفل الذي ولد غداة إقرار الدستور التعددي عام 1989، تسعة وعشرون عامًا، والطّفل الذي ولد غداة تنصيب الرّئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة عام 1999، ثمانية عشر عامًا. وكلّها أعمار تصبح لها دلالة صادمة، حين نراعي عمر رئيس البرلمان الجديد سعيد بوحجّة، 80 عامًا، وعمر رئيس الحكومة المعيّن عبد المجيد تبّون، 72 عامًا.

يراد للجزائر أن تدخل المستقبل بسواعد وعقول الماضي، وهو ما يستنكره العلم المعاصر الذي استحدث تقليدًا هو "التقاعد"!

وإذا وسّعنا نطاق مراعاة أعمار رئيس مجلس الأمّة، 1941، ورئيس الجمهورية، 1937، ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، 1940، فستزداد جرعة الصّدمة من زاوية أنّ البلاد التي تبلغ نسبة الشّباب فيها 75% تقريبًا، يُراد لها أن تدخل المستقبل القائم على العلم، بأعين وأسماع وسواعد وعقول الماضي، وهو معطى يستنكره العلم نفسه، إذ بناء على معطيات العلم، استُحدث تقليد ارتبط بحقوق الإنسان في العالم المعاصر، ألا وهو التقاعد!

اقرأ/ي أيضًا: تعديل الدستور في الجزائر.. الوعد المنتظر

أمّا إذا عدنا إلى معطى رامزٍ في هذا الماضي، فستتحوّل الصّدمة إلى استقالة معنوية جماعية، بسبب اليأس والرّفض والغضب الدّفينين، وهي ما أصابت شعبًا من الشّعوب إلا نخرته من الداخل أكثر ممّا يفعل الاحتلال والإرهاب، وهو أنّ معدّل أعمار جماعة الـ22 التي أشرفت على تفجير ثورة التحرير، التي أثمرت الاستقلال الوطني، كان 25 عامًا، وأنّ عمر أوّل رئيس جمهورية منتخب، وهو أحمد بن بلّة، كان 50 عامًا، وعمر ثاني رئيس وهو هوّاري بومدين، كان 30 عامًا، وعمر أوّل وزير للشّباب والرّياضة والسّياحة، الذي هو الرّئيس الحالي نفسه، كان 25 عامًا.

ألم يكن هذا من الإنجازات والقواعد التي كرّستها ثورة التّحرير؟ فكيف يستمرّ النّظام الحالي في الحكم باسم الشّرعية التّاريخية، مع التخلي عن أهم إنجازاتها وقواعدها، وهي الاعتماد على الشّباب في حكم البلاد؟ ما معنى أن يصبح أقصى حلم سياسي يراود الشاب الجزائري، بعد عمر من الاستقلال يُقدّر بـ55 عامًا، هو أن يكون عضوًا في "المجلس الأعلى للشّباب"، الذي بقي هو نفسه مشروعًا معلّقًا؟

في الجزائر يقول الجيل الجديد للقديم: "إن كنت تراني عاجزًا فهذا من تجليات فشلك"

كنتُ يومًا في محلّ تجاري ورثه صاحبه عن معمّر فرنسي، بعد أن اضطرّته وثيقة الاستقلال إلى المغادرة، وسمعتُ حوارًا بين صاحب المحلّ وابنه المولود غداة الاستقلال، حيث جدّد الابن طلبه من أبيه أن يعطيه مقاليد تسيير المحل، لأنّهما كبرا بما يقتضي دخول الوالد إلى البيت، ودخول الولد إلى المحلّ، فقال الأب، إنه يخشى على المحلّ إن هو غادره، فقال له الابن كلامًا هو عين العقل: "إذا كنتَ تراني منافسًا فأنت لستَ أبًا، وإذا كنت تراني عاجزًا، فهذا من تجلّيات فشلك".

اقرأ/ي أيضًا: أحزاب الجزائر تبحث عن شبابها

هكذا بات الجيل الجديد في الجزائر يقول للجيل القديم وينظر إليه، وعلى هذا الأخير أن يواجه هذه الحقيقة، قبل أن يحترق المحلّ إمّا على يده، إذ باتت يده ترتعش وهي تحمل المشعل، وما أصعب النار الناتجة عن مشعل تحمله يد مرتعشة، وإمّا على يد هذا الجيل، بإيغاله في ممارسة الاستقالة المعنوية، وكم كانت رسالته واضحةً من خلال نسبة مقاطعة الانتخابات التّشريعية الأخيرة. فهل يُعدّ احتكار المشعل، بعد هذا، غيرةً وطنيةً على المحلّ، أم أداءَ خدمةٍ لمن يرى نفسه صاحبَه، واضطرّته ثورة التّحرير إلى المغادرة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤسسات الثقافية في الجزائر كأداة لخدمة النظام

تعديل الدستور والعجز الدائم في الجزائر