05-أغسطس-2015

طلاب أمام جامعة الفاتح في طرابلس (Getty)

طوت الجامعات الليبية عامها الدراسي 2015 على أمل أن يكون العام المقبل خاليًا من الحروب وعمليات الخطف والتعذيب. خلال الفترة الماضية، طرأت في العديد من الجامعات الليبية أوضاع غير معتادة. الخطف والتعذيب وتدمير المرافق التعليمية جراء الحرب التي اندلعت بين الأطراف في البلاد. لم تعد الجامعة جامعة، كما لا تعد البلاد بلادًا.

شهدت العديد من الجامعات الليبية في العامين الماضيين انتشار ظاهرة الخطف من قبل مسلحين مجهولين، كاختطاف الطالب بكلية الهندسة بجامعة بنغازي، محمد بن عيسى محمد الشريف. ولا يتوقف الأمر على الطلاب الليبيين، إذ اختطفت طالبة مصرية هي منة الله وليد محمد (15 عامًا) من شارع الشريف في مدينة بنغازي خلال شهر نيسان/أبريل من العام الماضي. إلى ذلك، قُتلت طالبة وجرح عدد آخر جراء إطلاق مجهول للرصاص الحي داخل الحرم الجامعي في "سبها". أما أبرز حادثة فكانت في جامعة طرابلس، وهي حادثة خطف عميد كلية الاقتصاد، أحمد أبولسين، في الـ 13 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. تقول مصادر محلية إن مسلحين اقتادوا عميد كلية الاقتصاد من أمام المبنى إلى جهة مجهولة، ويرجح أن اختطافه يهدف إلى إجبار أبولسين على تقديم استقالته وتعيين أحد الموالين للخاطفين في موقعه. 

بعض الأساتذة في الجامعات الليبية يدرّسون تخصصات هم غير متمكنين منها

رويدًا رويدًا، سادت الفوضى في جميع الجامعات الليبية بعد اندلاع ثورة 17 فبراير، نظراً لغياب الأجهزة الأمنية وانتشار السلاح وعدم اكتراث الطلبة والأساتذة، على حد سواء، إلى تردي الأحوال التعليمية على مدى الأربع سنوات الماضية. ففي جامعة عمر المختار، شرق ليبيا، شهدت العملية التعليمية خلال العام الجاري تخبطاً واضحاً. بدأ الامر بتفجيرات مدينة القبة التي وقعت في العشرين من شباط/فبراير الماضي وخلّفت أعداداً كبيرة من الضحايا. بعد ذلك صدرت قرارات باستئناف وإيقاف الدراسة ما أدى إلى إرباك سير العملية التعليمية بفروع الجامعة، ما جعل القبائل في تلك المنطقة ومديرية أمن البيضاء تتحاور فيما بينها مع الإدارة العامة للجامعة، للوصول إلى حل يضمن نجاح العام الدراسي وتأمين الحرم الجامعي من أي هجمات إرهابية. وكان هذا هو الحل الوحيد الممكن، لإنقاذ العام الدراسي الذي انتهى منذ 3 أسابيع، بجامعة عمر المختار في البيضاء وطبرق.

إلى ذلك، يشتكي عدة طلاب ممن تحدثوا إلى "الترا صوت" من بعض أعضاء هيئة التدريس الذين لا يتقبلون وجهات نظر الطلبة خلال المحاضرات الدراسية، ما تسبب في احتدام العلاقات بين بعض الطلاب مع هيئة التدريس، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق أزمة بين الطرفين والدخول في مشاكل بحسب قولهم. يقول الطلاب إن بعض الأساتذة يدرّسون مواد غير متمكنين منها. ولا يتوقف الأمر على ذلك، إنما لا يجدون حرجاً في القول إن ثمة تدنٍ في أخلاقيات بعض الأساتذة، الذين يهينون الطلبة، إضافة إلى انعدام النشاطات وافتقار الجامعة للتمويل الذي يرتقي بمستوي التعليم وعدم الاستجابة لمطالب الطلاب من قبل إدارة الكلية وتهاون العاملين في الأقسام لخدمه الطلاب. كل هذا يؤدي إلى نظام تعليمي غير سوي.

يقول الطالب محمد بوعجيلة الذي يدرس بكلية العلوم، قسم الأحياء الدقيقة، بجامعة عمر المختار في البيضاء، إنَّ نقص المواد التعليمية في المعامل وخاصة في التخصصات الطبية أدى إلى عرقلة سير العملية التعليمية، مُضيفاً بأن الطرق التعليمية والمناهج ما تزال بعيدة عن القرن الواحد والعشرين، ناهيك عن الخطة الموضوعة خلال الأوضاع الراهنة. وسلط بوعجيلة الضوء على الجانب المادي أيضاً. يرى بأنها مشكلة قديمة تكمن في تأخير صرف المنح الدراسية الذي أدى إلى عدم متابعة المسيرة العلمية كتوفير المذكرات والكتب لدى الطلاب، إلا في حال توافر مبلغ مناسب من جيوبهم الخاصة، لكي يشتروا كل يوم  مذكرة لمحاضرة، وهذا غير المواصلات طبعاً.

وفي السياق نفسه، تحدث عدة طلبة من مختلف الجامعات الليبية عن الصعوبات والعراقيل التي يواجهونها أثناء الدراسة، وأيضًا ردود أفعالهم عن الفوضى التي تعم مختلف الجامعات ومدى تأثير الصراع الدائر بالبلاد على سير الخطة التعليمية.

تسببت التنظيمات الجهادية في تعطل سير العملية التعليمية ببنغازي لفترة قاربت سنتين

ووفقًا لإحدى الطالبات التي تدرس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة طرابلس، فإنَّ الطُلاب يعانون من غياب الأمن داخل الجامعة قائلةً: "أفراد الأمن الموجودون في الحرم الجامعي متهاونون مع ما يحدث داخل الجامعة". وهذا ما يلاقيها فيه طالب آخر، يدرس بكلية العلوم، بحيث يشير إلا عدم وجود "خطة أمنية قوية واضحة يشعر بها الطالب الجامعي داخل الحرم الجامعي بعد تفجير القبة"، كما يتابع: "نحن ندخل بحقائب بها مُذكرات وأدواتنا الجامعية من دون أي أسئلة من قبل الأمن الذين لا يكونون موجودين دائماً". يشكر الله أن الطلاب لا يحملون سوى الكتب وما يتعلق بدراستهم.

تسببت الهجمات الإرهابية على المناطق المحيطة بعدة جامعات ليبية بعرقلة سير العام الدراسي، وهذا لا سجال فيه. إلا أن الحال يختلف تماماً في جامعة سرت وسط ليبيا، إذ سيطر عناصر تنظيم " داعش" على المدينة بالكامل في 19 شباط\فبراير العام الجاري، ما أدى إلى توقف الدراسة بالجامعة وتسلم التنظيم كافة المقار الحكومية في المدينة. وفقاً لمصادر محلية في المدينة فإن الدراسة عادت إلى الجامعة بعد فترة من تعطلها، مؤكداً بأن التنظيم لم يفرض أي قيود حول المنهج المتبع في الجامعة، كما يسود اعتقاد بأن التنظيم يتخوف من فرض قيود على المدينة ما قد يُحفز الأهالي على الانتفاضة على عناصر التنظيم وطردهم من المدينة. لكن المتطرفين ليسوا بهذا "اللطف"، إذ أحرقت الجماعات المتطرفة، في الخامس من كانون الأول\ديسمبر العام الماضي، كلية الآداب بجامعة بنغازي. كما تسببت التنظيمات الجهادية في تعطل سير العملية التعليمية ببنغازي لفترة قاربت سنتين. تُظهر صورًا تناقلها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حريقا كبيرًا شب بإحدى كليات جامعة بنغازي جراء الحرب الدائرة في المدينة، وهو ليس سوى صورة صغيرة، عن جامعات البلاد بأسرها.