16-يناير-2016

احتجاجات طلابية في الجزائر سنة 2011 (صورة أرشيفية/أ.ف.ب)

أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري، الطاهر حجار جملة من القرارات، وذلك بعد تعيينه على رأس القطاع السنة الماضية عقب التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. ومن أبرز هذه القرارات، إلغاء شرط الحصول على "رسالة استقبال" من ملف الاستفادة من تربص بالخارج قصير المدى لتحسين مستوى الباحثين الشبان، إلى جانب إلغاء إلزامية نشر "مقال علمي" في مجلة علمية معترف بها من أجل مناقشة الدكتوراه، بعدما كان معمولًا بهذه الشروط في الجامعة الجزائرية لسنوات.

ألغى وزير التعليم العالي الجزائري إلزامية نشر "مقال علمي" في مجلة عالمية معترف بها من أجل مناقشة الدكتوراه، بعدما كان معمولًا بهذا لسنوات

ومع إعلان الوزير عن قرار إلغاء شرط تقديم "رسالة استقبال"، باشرت أغلب الجامعات في تطبيق هذا القرار مع بداية السنة الجامعية الحالية، وتمكن العديد من الأساتذة والباحثين وطلبة الدكتوراه من الحصول على منحة تربص تحسين المستوى قصير المدى في الخارج دون تقديم رسالة استقبال من الجامعة التي تم اختيارها من قبل الباحث لإجراء التربص في الخارج، بينما تفاجأ آخرون برفض جامعات أخرى على غرار جامعة قسنطينة تطبيق قرار الوزير، وتمسكها بشرط تقديم "رسالة استقبال" واستبعاد الملفات التي لا تحتوي عليها وحرمان أصحابها من الحصول على التربص الذي يحظى بإقبال كبير من قبل الباحثين الشبان.

قرارات لم تغير شيئًا

مع أن إلغاء "رسالة الاستقبال" التي كان يشترط على الباحث الحصول عليها، جاء من أجل تسهيل العراقيل التي تواجهه وتسهيل الحصول على التربص قصير المدى والذي تتراوح مدته من عشرة أيام إلى شهر عمومًا، إلا أنه كان قرارًا عشوائيًا ومتسرعًا، حسب الباحثين، لأنه لم يحدد معايير بديلة لتحديد وجهتهم وكيفية استقبالهم من قبل المؤسسات العلمية من مكتبات ومخابر بحث في الخارج. حيث تفاجأ الباحثون بإبقاء الوزارة على شرط تقديم مقرر سير التربص مختومًا وموقعًا من طرف الجامعة المستقبلة، وهو الأمر الذي يعتبر حسبهم مستحيلًا كونهم كانوا يجدون صعوبة في توقيع الجامعات الأجنبية على المقرر بالرغم من حصولهم على "رسالة استقبال" من ذات الجامعة فما بالك بعد قرار إلغاء إلزامية الرسالة. .

وهو ما يجعل قرار الإلغاء بلا معنى، كونه لم يحقق الغاية التي جاء من أجلها، والتي تتمثل حسب الوزير في تحرير الباحثين، سواء كانوا أساتذة أو طلبة دكتوراه، من بعض الممارسات التعسفية والمهينة التي يتعرضون لها من أجل الحصول على "رسالة استقبال" من جامعات ببلدان أخرى، والتي حولت عملية منح هذه الرسائل إلى تجارة مربحة بالتنسيق مع بعض الأساتذة في الجامعات الجزائرية، وذلك من خلال منح هذه "الرسائل" مقابل مبلغ مالي يتراوح ما بين 30 يورو إلى 50 يورو، وبمجرد إلغاء الرسائل، تحول دفع هذا المبلغ ضروريًا مقابل توقيع مقرر التربص في الجامعات بالخارج.

وكان الباحثون يأملون أن يسهل هذا القرار وضعيتهم، كأن تتولى مثلًا الجامعة الأصلية للباحث في الجزائر أمر الحصول على "رسائل استقبال" لفائدة الباحثين المعنيين بالتربص، وذلك في إطار المعاهدات والاتفاقيات العلمية التي تربطها بالجامعات العربية والأجنبية، وهو الأمر الذي بإمكانه حماية الباحث من الاستغلال الذي يتعرض له وتسهيل حصوله على تأشيرة السفر من جهة وضمان فاعلية التربص العلمي وتحقيق الغرض منه من جهة أخرى، لا سيما في ظل الشبهات الكثيرة والاتهامات التي يواجهها الباحثون كونهم حولوا فترة التربص العلمي إلى رحلات سياحية وفضاءات للتسوق بدل البحث العلمي بغض النظر عن المبلغ المالي المحدود المخصص للتربص والذي يكون في حدود 1600 يورو لمدة شهر كامل ليشمل جميع التكاليف بما في ذلك الإقامة.

يواجه قطاع من الباحثين الجزائريين شبهات واتهامات كونهم حولوا فترة التربص العلمي إلى رحلات سياحية وفرصة للتسوق بدل البحث العلمي

تفاؤل الباحثين بقرار الإلغاء الذي طالبت به النقابة الوطنية للأساتذة الجامعيين، لم يدم طويلا بعدما اتضح أن هذا القرار جاء متسرعًا وارتجاليًا ولم يحدد آليات بديلة وفعالة من أجل حماية كرامة وحق الباحث الجزائري في تربص تحسين المستوى بالخارج، وإنما جاء ليعقد الأمر أكثر خاصة فيما يتعلق بالحصول على الفيزا ودفع مبالغ مالية من أجل توقيع المقرر، إضافة إلى الممارسات التعسفية التي يتعرض لها الباحث من قبل المجالس العلمية والهيئات الإدارية.

دكتور دون أي "مقال علمي"

من جملة القرارات الإصلاحية التي اتخذها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والتي كان أبرزها إلغاء "رسالة الاستقبال"، وعد ذات الوزير مع حلول السنة الجامعية الجديدة بإلغاء إلزامية نشر "مقال علمي" في مجلة علمية معروفة كشرط إقصائي من أجل مناقشة الدكتوراه واجتياز شهادة التأهيل الجامعي كما كان معمولاً به من قبل، واعتباره معيارًا تفضيليًا يحتسب من ضمن معايير أخرى في تقييم الطالب الباحث عند مناقشة رسالة الدكتوراه والتأهيل الجامعي، مع إلزام كل المجالس العلمية بتبني معايير موحدة فيما يخص المقال وتصنيف الدوريات (المجلات العلمية).

ويرجع هذا القرار إلى التجاوزات التي تحصل في عملية النشر في المجلات المحكمة في مختلف جامعات الوطن والتي لا تخضع لنوعية المقال وإنما للعلاقات والمحاباة، ما تسبب في تعطيل العديد من الباحثين وتأخيرهم عن مناقشة مذكرات تخرجهم، من جهة وكذلك نقص ومحدودية المجلات العلمية المحكمة التي تعتمدها الجامعات ما يسبب في تقليص فرص النشر بالنظر إلى العدد الكبير من المقالات المقدمة للنشر، حيث ذكرت النقابات السنة الماضية أن ما يقارب 19 ألف أستاذ مسجل في الدكتوراه لم يتمكنوا من مناقشة رسائلهم، بسبب عدم تمكنهم من نشر "المقال العلمي" أو الحصول على موافقة بالنشر من قبل مجلة محكمة.

وكان نشر "المقال العلمي" أو الحصول على وعد بالنشر من العوائق التي يواجهها الباحثون الذين يحضّرون لشهادة الدكتوراه، خاصة في ظل اعتماد الجامعات الجزائرية على قائمة محددة من المجلات العلمية الدولية والوطنية التي يقبل النشر فيها في مختلف التخصصات، سواء كانت العلمية والتكنولوجية أو العلوم الإنسانية والاجتماعية. 

ويتطلب عادة نشر "المقال العلمي"، الذي يشترط أن يتضمن اسم المشرف على البحث وكذلك الجامعة التي ينتمي إليها الباحث، وقتًا طويلاً يمكن أن يصل إلى سنة كاملة أو أكثر من الانتظار، ما يضع العديد من الباحثين في ورطة نتيجة تأجيل الآجال المحددة للمناقشة.

وقد أثار قرار "الإلغاء" الذي تعهد به الوزير استياء الباحثين والدارسين الذين اعتبروا أن الإلغاء ليس حلًا، حيث كان يفترض بالوزير البحث عن آليات لتجاوز هذه العقبات ووصل الأمر بالبعض إلى التهكم بالتعليق"سيأتي يوم تمنح فيه الدكتوراه في الجزائر دون مناقشة". ويعتقد المعارضون لقرار الوزير أن التجاوزات التي تحدث في عملية النشر، واحتكار أصحاب العلاقات لها وكذلك نوعية المقالات التي يتم نشرها بالرغم من عدم احترامها لأبسط أبجديات المناهج العلمية، لا تستدعي إلغاء إلزامية النشر التي تؤثر على سمعة شهادة الدكتوراة المقدمة من الجامعة الجزائرية، وإنما يكون الحل في تشديد الرقابة ومعايير النشر في المجلات العلمية المحكمة وتحريرها من التلاعب والمحاباة والتجاوزات التي يقوم بها بعض أعضاء اللجان العلمية.

ترقب قرارات جديدة

يذكر أن هذه القرارات الجديدة جاءت في إطار المشاورات التي باشرها وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطاهر حجار مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، من النقابة الوطنية للأساتذة الجامعيين والنقابة الوطنية للأساتذة الاستشفائيين الجامعيين والأمين العام للنقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية والأمين العام للنقابة الوطنية للباحثين الدائمين، بغرض إصلاح القطاع الذي يعاني من عدة عراقيل تعيق تطور البحث العلمي، وتحرير الباحث من ممارسات تعسفية وغير مقبولة في بعض المؤسسات الجامعية، واللجان والمجالس العلمية على مستوى الأقسام والكليات.

هذا ومن المنتظر أن يعلن الوزير حجار عن جملة من القرارات الجديدة مع نهاية شهر شباط/فبراير المقبل، والتي يترقب أن تغير الكثير من الإجراءات التي ظلت ثابتة في سير الجامعة الجزائرية منذ سنوات.

___________

اقرأ/ي أيضًا:

المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية

التدريس الليلي يعيق العودة الجامعية في الجزائر