01-أكتوبر-2015

حرص متجدد في تونس على حياد المؤسسات التربوية(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

أثارت الزيارة التي أدّاها، الأسبوع الماضي، أمين عام حركة نداء تونس محسن مرزوق (الحزب الحاكم في تونس) إلى إحدى المدارس، جدلًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي. اعتبر جزءٌ من المتابعين للمشهد التربوي في تونس أن زيارة مرزوق تندرج ضمن النوظيف السياسي للمؤسسات التربوية واستغلال الأطفال في حملة انتخابية مبكرة.

وكان الأمين العام لحزب نداء تونس قد أدى زيارة إلى مدرسة سركونة 2 بمنطقة "برج العيفة" من محافظة الكاف، شمال البلاد. وانتشر فيديو لمرزوق وهو يقدم هدايا لتلاميذ المدرسة ويلتقط صورًا معهم. وعلق الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الفيديو تضمن صورًا تذكر بالماضي القريب، تحديدًا بحقبة حكم بن علي، واعتبروا أن مساعدة التلاميذ في الأماكن النائية تكون عبر استراتيجية وطنية شاملة، ينتهجها الحزب الحاكم عبر ممثليه في السلطة، لا من خلال صور "ترويجية" لأمينه العام.

ينص الفصل 16 من الدستور التونسي أن "تضمن الدولة حياد المؤسسات التربوية عن التوظيف الحزبي". كما ينص مرسوم تنظيم الأحزاب السياسية أن "يحجر على حزب سياسي تقديم أية امتيازات مالية أو عينيّة للمواطنين وللمواطنات". في سياق متصل، قالت الناشطة في المجتمع المدني نزيهة رجيبة إنها "قد ترفع قضية ضد محسن مرزوق لانتهاكه أحكام الدستور القاضية بحياد المدرسة وعدم توظيفها". وأضافت: أنها "ستتعاون في ذلك مع جمعيات تهتم بالمؤسسة التربوية واستقلاليتها".

ينص الفصل 16 من الدستور التونسي أن "تضمن الدولة حياد المؤسسات التربوية عن التوظيف الحزبي"

في الأثناء، لم تلتزم أحزاب المعارضة الصمت. وذكر القيادي بالحزب الجمهوري عصام الشابي، على صفحته بموقع فيسبوك، أنه "ينتظر ردة فعل وزير التربية ناجي جلول إزاء هذه الحادثة"، وجلول من قيادات حزب نداء تونس الحاكم أيضًا. وأضاف: "حرص جلول دائمًا على البروز في مظهر المدافع عن حياد المؤسسة التربوية ضد كل مظاهر التوظيف وأنتظر ردة فعله". وتساءل طارق الكحلاوي، القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية المعارض، عن أسباب وخلفيات "صمت وزير التربية والقوى التقدمية المناضلة والإعلام"، حسب تعبيره.

اقرأ/ي أيضًا: تلاميذ تونس..بين ضغط النقابات وقرارات الوزير

يذكر أن وزارة التربية التزمت الصمت إزاء زيارة أمين عام حركة نداء تونس. وكان لوزير التربية ناجي جلول حادثة مشابهة، منذ أشهر، إذ أدى زيارة إلى المدرسة الابتدائية بالبقالطة (محافظة المنستير). ونشرت وزارة التربية صور هذه الزيارة وقد تضمن بعضها لافتات لحركة نداء تونس في مدخل المدرسة.


وزير التربية التونسي في زيارة لمدرسة ابتدائية(فيسبوك)

 

في السنوات الماضية، التي تلت اندلاع الثورة، أصدرت وزارة التربية منشورًا يقضي "بتحجير تعاطي أي شكل من أشكال النشاط السياسي أو الدعاية السياسية في المؤسسات التربوية من مدارس ابتدائية ومدارس إعدادية ومعاهد بمختلف أصنافها". كما منعت الوزارة، في ذات المنشور، "الترخيص لأية جهة في تنظيم أنشطة مهما كان نوعها في فضاءات المؤسسات التربوية مستثنية الجمعيات والمنظمات التي أمضت عقود شراكة مع وزارة التربية في المجال التربوي أو تلك التي لها اهتمامات تربوية صرفة".

يدعو الكثيرون في تونس إلى عدم العودة إلى عهد الدمج بين الحزب الحاكم والدولة و مؤسساتها

من جهة أخرى، طالب شكري الجلاصي، القيادي بحزب التحالف الديمقراطي المعارض، نقابات التعليم "بإصدار بيان استنكار للتوظيف الحزبي للمؤسسات التربوية". واشتهرت نقابات التعليم في تونس، خلال السنوات الماضية، بصراعها من أجل ضرورة تحييد المدارس والنأي بها عن التجاذبات السياسية.

وكان موضوع تحييد المؤسسات التربوية محل جدل ومناكفات حادة بين مختلف الأحزاب، طيلة السنوات الأخيرة، وظن الكثيرون أن السجال قد انتهى مع المصادقة على مبدأ التحييد في الدستور الجديد. تتحدث لمياء الجديدي، أم لتلميذين في المرحلة الابتدائية، لـ"ألترا صوت": "تصدع رأسي بموضوع تحييد المساجد والمدارس وكل المؤسسات الحكومية في تونس وتواصل النقاش لسنوات والآن نكتشف أن لا مساجد حُيدت والمدارس قد تكون ألحقت بمشاريع الحزب الحاكم".

ويروج مقربون من حزب نداء تونس أن الحزب يعيش مرحلة حساسة داخليًا، قبل فترة موجزة من عقد مؤتمره الأول، والذي سيحدد رئيس الحزب الحاكم خلال الفترة القادمة. وقد يكون مرزوق بصدد تدعيم شعبيته من خلال هذه الأنشطة داخل المحافظات التونسية، حسب تصريحات البعض.

ويتفق المتابعون للشأن التربوي والتعليمي في تونس أن التوظيف السياسي للمدارس وإدراجها ضمن التجاذبات السياسية اليومية، بات يطرح إشكالًا خاصة على مستوى تكوين الناشئة. ويصرون على حياد المؤسسات التربوية باعتباره مبدأ دستوريًا كما هو الشأن بالنسبة للمساجد وباقي المؤسسات الحكومية، ويدعون إلى عدم العودة إلى عهد الدمج بين الحزب الحاكم والدولة و مؤسساتها.

اقرأ/ي أيضًا: سياسة على مدرجات جامعات الجزائر