15-أغسطس-2019

ضاق الكوكب ذرعًا بالإنسان (Getty)

بالعودة إلى طفولة البشرية، يلاحظ أن طموح البشر كان محصورًا في هدفين أساسيين، هما: الحصول على الطعام، والتكاثر للمحافظة على الجنس. وفي المراحل المتقدمة لعمر البشرية، ارتفع سقف الطموح وتسارعت وتيرة الحياة بشكل كبير، وكان يجب على البشر ألا يهملوا غاياتهم الطفولية لأنها وتد استمرار حياتهم على هذا الكوكب.

ما فعلته الكوارث الكونية في الكوكب قبل 3 ملايين سنة، فعله البشر خلال الـ150 سنة الأخيرة فقط، حيث تشابهت نسب الاحتباس الحراري بين الفترتين

بعد التقدم الكبير الذي حققه البشر على جميع الأصعدة، خاصة في الصناعة والتكنولوجيا، يبدو أن كوكب الأرض بدأ يضيق ذرعًا بالإنسان ولا يحتمل ما يحققه على حساب نظامه الطبيعي المتوازن، كما شرع بإرسال إشارات واضحة لكي ننتبه لما نحن مقبلون عليه من كوارث، وذلك بالتزامن مع قمة الفورة السياسية والصراع الاقتصادي بين قوى العالم العظمى، والتي تنظر غالبًا إلى المكاسب الآنية أكثر من السلبيات بعيدة المدى.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الفقر والحروب.. الاحتباس الحراري سبب آخر للهجرة من الشرق الأوسط

الإنسان يفني مصادر وجوده

ما فعلته الكوارث الكونية في الكوكب قبل ثلاثة ملايين سنة، فعله البشر خلال الـ150 سنة الأخيرة فقط، حيث تشابهت نسب الاحتباس الحراري بين الفترتين. 

وبحسب تقرير للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، فرغم أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري، تحدث بشكل طبيعي، وهي ضرورية لبقاء البشر والملايين من الكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس وعكسها مرة أخرى إلى الفضاء لتجعل الأرض صالحة للعيش؛ لكن "بعد أكثر من قرن ونصف من التصنيع وإزالة الغابات، والزراعة الواسعة النطاق، ارتفعت كميات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ ثلاثة ملايين عام". 

ويشير التقرير إلى أنه في حين تنمو الاقتصادات ومستويات المعيشة، ترتفع كذلك معدلات تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

الاحتباس الحراري
بسبب الاحتباس الحراري سيرتفع منسوب المياه نصف متر بحلول 2050

نتيجة لذلك وغيره من عوامل التغير المناخي، قد تفنى البشرية بحلول عام 2050، فمن المتوقع أن يرتفع منسوب مياه سطح البحر بمقدار نصف متر، كما يتوقع أن 35% من مساحة الأرض العالمية و55% من سكان الأرض سيتعرضون لأكثر من 20 يومًا في السنة لظروف الحرارة القاتلة.

فوفقًا لورقة بحثية أعدها مركز أبحاث أسترالي معني بقضايا المناخ، فقد تنتهي الحضارة البشرية بحلول عام 2050، بسبب التغير المناخي الذي قد يفضي لحالة من الفوضى التامة، التي ستُفني المجتمع الحديث كما عرفناه.

وقدم المركز حلًا لتجاوز هذه الأزمة يتمثل بـ"بناء نظام صناعي خالٍ من الانبعاثات بسرعة كبيرة، والذي يتطلب تعبئة الموارد على المستوى العالمي على أساس الطوارئ، على غرار مستوى الاستجابة في زمن الحرب"، محذرًا من أن "بعض الدول الفقيرة ستختفي لعدم قدرتها على تحمل التكاليف الباهظة لهذا المشروع". 

وخلصت الدراسة إلى أن تغير المناخ يمكن أن يسبب "عواقب سلبية كبيرة على البشرية، وربما تكون إلى غير رجعة، إما عبر إبادة الحياة الذكية أو تقليص إمكاناتها بشكل دائم".

يُذكر أن منظمة الصحة العالمية، قدرت أنه منذ عام 1950، وقعت ما لا يقل عن 160 ألف حالة وفاة مرتبطة بشكل مباشر بالتغيرات المناخية.

مبالغ ضخمة لإصلاح ما أفسدناه

في عام 2012، قدرت الوكالة الدولية للطاقة، حجم المبالغ الواجب إنفاقها للحفاظ على الحد الأدنى من التغير المناخي وحصر الاحترار العالمي دون الدرجتين المئويتين، لتجد أن الكوكب يحتاج لاستثمار نحو 23.9 تريليون دولار بحلول 2020، و140 تريليون دولار بحلول منتصف القرن الحالي.

كما قدرت الوكالة الدولية للطاقة، أنه على دول العالم إنفاق 36 تريليون دولار إضافية على التوقعات الحالية منذ الآن وحتى عام 2050، مؤكدةً أن كل دولار إضافي سيستثمر في الطاقة النظيفة، يمكن أن يوفر في المستقبل وقودًا بقيمة ثلاثة دولارات.

ومن المفترض أن تنفق هذه المبالغ على وجوه عديدة، أبرزها: تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة وتوليدها بطرق صديقة للبيئة دون وقود واحتراق وانبعاثات غازية، إضافة إلى زيادة المساحات الخضراء في الدول المهددة بالتصحّر، على أن يقدم جزءٌ منها كمساعدات للدول الفقيرة المتأثرة بسبب التغيرات المناخية.

الواقع يشير إلى أن دوافع تأخر إنقاذ الكوكب تدور جميعها حول الاقتصاد، حيث أن الدول العظمى تتسابق للحصول على المكاسب الأكبر، وتتجنب جهد الأمكان مواضع الإنفاق، متجاهلة إن ما ستنفقه لتوفير بيئة صالحة للعيش لشعوبها سيفوق الأرقام الحالية بعشرات المرات.

نجاة الجناة

منتصف عام 2017 أعلن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، لاعتراضه على المبالغ التي يتوجب على الولايات المتحدة دفعها بموجب الاتفاقية، إضافة إلى رفضه المشروع برمته لأنه يعتبره مقوضًا للاقتصاد الأمريكي.

ترامب، وعبر مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض، أعلن أن "الولايات المتحدة ستكف عن تنفيذ مضمون اتفاق باريس ولن تلتزم بالقيود المالية والاقتصادية الشديدة التي يفرضها الاتفاق على بلاده"، لافتًا إلى أن الاتفاق "لا يصب في صالح الولايات المتحدة وأنه ليس حازمًا بما يكفي مع الصين والهند".

في المقابل، ووجه القرار الأمريكي باعتراضات عالمية واسعة، فيما شددت الدول الموقعة على الاتفاق، على استمرار العمل بموجبه، رغم الانسحاب الأمريكي.

جوبه القرار الأمريكي بموجة اعتراضات عالمية وأوروبية شديدة، في الوقت الذي شددت فيه الدول الموقعة على الاتفاق على استمرار العمل بموجب اتفاقية باريس رغم إنسحاب الولايات المتحدة منها.

هذا ويعد اتفاق باريس هو الاتفاق الدولي الأكثر شمولًا بشأن المناخ، وقد تم اعتماده في كانون الأول/ديسمبر 2015، حين اتفقت وفود 196 دولة على منع ارتفاع معدل درجات حرارة الأرض وإبقائها عند درجتين مئويتين كحد أقصى، فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي وحتى العام 2100.

جدول قائمة الدول العشر الأولى حسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2004 (ويكيبيديا)

الصين التي تعتبر أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحراري حول العالم، وبرغم وجودها ضمن الدول الموقعة على اتفاقية بارس للمناخ، إلا أنها لم تُبدِ جدية كبيرة لمكافحة تغيرات المناخ، حيث تشير تقارير إلى ارتفاع الانبعاثات الصينية المساهمة بالاحتباس الحراري، بنسبة 53% في عقد واحد فقط، حيث بلغت انبعاثات الكربون 12.3 مليار طن في عام 2014.

يذكر أنه حتى عام 2004 كانت الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول الباعثة للكاربون بستة مليار طن، تليها الصين بخمسة مليار طن، لكن اليوم تغيرت المعادلة حيث تصدرت الصين هذه القائمة بفارق كبير عن الولايات المتحدة.

وفقًا للدراسات، فإن الدول الأغني والتي تتحمل المسؤولية الأكبر عن التغير المناخي، ستكون الأقل تضررًا منه على عكس الدول الفقيرة

وكانت جامعة فاغينينغين الهولندية، قد أجرت دراسة خلصت إلى أنه لا يُتوقع فقط أن تتحمل البلدان الفقيرة العبء الأكبر من الزيادة في متوسط درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ، وإنما ستعاني أيضًا من تغيرات أكبر بسبب موقعها الجغرافي.

في المقابل، وفقًا للدراسة، فمن المرجح أن الدول الأغنى والتي تتحمل المسؤولية الأكبر تاريخيًا عن التغير المناخي، ستكون الأقل تضررًا من عواقب هذا التغير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاحتباس الحراري.. خطيئة الشمال الغني يتحمل عواقبها الجنوب الفقير

الخطر الوجودي المنسي.. لماذا العرب هم أكثر المتضررين من التغير المناخي؟