07-يونيو-2019

يهدد التغير المناخي كل أشكال الحياة على الكوكب (INET)

التغير المناخي الذي يصاحبه احتباس حراري، لا يعني فقط تغير في درجات الحرارة واستقرار حالة الطقس، ومنسوب المياه في العالم، إنه يعني أكثر من ذلك؛ تغيير يطال كل حياة على الكوكب، بما يشمل المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وحتى الأسماك، أي كل ما يمكن أن يصل إلى مائدة طعامك.

إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة في مسارها الحالي، فستنخفض المحاصيل الزراعية بنسبة 35% بعد 80 عامًا من الآن

هناك توجه عالمي لدق كل نواقيس الخطر بسبب تأثير المناخ على طعامنا اليومي على الكوكب، فهناك تغيرات كبيرة وتحولات في المناخ ستخفي بعض المحاصيل من مناطق كانت تعتبر هذه المحاصيل وجبة أساسية، مثل الأرز مثلًا الذي يحتاج الكيلوغرام الواحد لزراعته إلى ما يساوي 4700 لتر مياه، والذرة التي يحتاج كيلوغرام منها لـ1400 لتر من المياه، بحسب دراسة نشرتها جامعة كورنيل الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: الخطر الوجودي المنسي.. لماذا العرب هم أكثر المتضررين من التغير المناخي؟

أرقام مخيفة

يتوقع العلماء أن يرتفع عدد سكان العالم إلى ما يقرب 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050. هذه المليارات من البشر تحتاج لما يسد حاجتها الغذائية، فقد توقعت دراسة نشرتها جامعة كولومبيا، أن يزداد الطلب العالمي على الغذاء بنسبة تتراوح بين 59 و98%. ويعني هذا أن الزراعة في جميع أنحاء العالم تحتاج إلى زيادة الإنتاج بنفس النسبة تقريبًا. لكن العلماء يقولون إن آثار التغير المناخي تهدد بتقليل الكمية، وتهديد نوعية إمداداتنا الغذائية.

التغير المناخي
ستنخفض المحاصيل الزراعية بنسبة 35% بحلول عام 2100 بسبب الاحتباس الحراري

وخلصت دراسة حديثة إلى أنه في حال استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة في تطورها الطبيعي بناءً على وضعها الحالي، فستنخفض المحاصيل الزراعية بنسبة 35% بحلول عام 2100، بسبب ندرة المياه وزيادة الملوحة، واتساع ثقب الأوزون. 

بيتر دي مينوكال، وهو عميد الدراسات العلمية في جامعة كولومبيا، ومدير مركز المناخ والحياة، أكد في تصريح أنه "لدينا مشكلة كبيرة في التغذية العالمية، وهذا التأثير الإضافي من التغيرات المناخية سيؤثر على المحاصيل، ويمتد تأثيره على أفقر الناس في العالم، وبالتالي ستتضخم الفجوة الموجودة بالفعل بين الدول الغنية والفقيرة".

ولن يؤثر التغير المناخي على المحاصيل الزراعية فقط، بل سيمتد تأثيره على الثروة الحيوانية والسمكية، أي أنه يحاصر كل إمدادات البشر الغذائية.

رد فعل المناخ على بطش الإنسان

تروى 80% من المحاصيل الزراعية في العالم بمياه الأمطار، أي أن معظم المزارعين حول العالم يعتمدون على الزراعة الجوية، التي تعتمد على التنبؤات بحالة الطقس، وعليه فإن تغير المناخ وتأثيراته على استقرار حالة الطقس، يؤثر بشكل مباشر على 80% من الزراعة في العالم.

يوضح العلماء، أنه عندما ترتفع درجات الحرارة يكون الهواء الدافئ أكثر رطوبة، ويمكن أن يجعل هطول الأمطار أكثر كثافة، وهذه ليست نعمة للأرض الزراعية كما قد يعتقد البعض، بل إنها في أغلب الأحوال تتلف المحصول الزراعي. 

هذا ومن المحتمل أن تزداد الفيضانات الناتجة عن تزايد شدة العواصف المدارية وارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغير المناخ، ويمكن أن تغرق المحاصيل. ونظرًا لأن مياه الفيضانات يمكن أن تنقل مياه الصرف الصحي أو السماد أو الملوثات من الطرق والمزارع، إذًا فإن المزيد من مسببات الأمراض والسموم يمكن أن تجد طريقها إلى طعامنا.

وتقول الدراسات إن 10% من المحاصيل المزروعة في المناطق الرئيسية لإنتاج الغذاء في العالم، مروية بالمياه الجوفية غير المتجددة، بمعنى آخر، يتم تجفيف طبقات المياه الجوفية بشكل أسرع من إعادة تعبئتها، وهي مشكلة ستزداد سوءًا مع استمرار الاحتباس الحراري، كما أوضح مايكل بوما، مدير مركز أبحاث أنظمة المناخ في جامعة كولومبيا الأمريكية.

يقول بوما: "إن استنزاف المياه الجوفية، يمثل ضغطًا متدرج على نظامنا الغذائي. وليس لدينا أي سياسات فعالة للتعامل مع حقيقة أننا نستنزف مواردنا الرئيسية في مناطق إنتاج الغذاء الرئيسية في العالم، وهذا أمر مقلق للغاية".

التغير المناخي
كل درجة مئوية ترتفعها درجة الحرارة العالمية، يقابلها انخفاض قد يصل لـ15% من المحصول الزراعي في العالم

وقد يؤدي اضطراب الأحوال الجوية نتيجة لتغير المناخ، بما في ذلك العواصف الغزيرة والجفاف؛ إلى تعطيل نقل الأغذية، خاصة في ظل سوء التخزين الذي تعانيه الأغذية في بعض المناطق بسبب سوء الأحوال الجوية أيضًا. يعني هذا مزيدًا من مخاطر التلف والتلوث، أي مزيد من الأمراض الغذائية.

وفي هذا الصدد يُذكر أنه في عام 2012 أدى الجفاف الصيفي الحاد إلى انخفاض حركة الشحن على نهر المسيسيبي في الولايات المتحدة، وهو طريق رئيسي لنقل المحاصيل من الغرب الأوسط الزراعي في أمريكا.

كابوس لا مفر منه

صحيح أن درجة من الاحتباس الحراري قد تكون مفيدة لبعض المحاصيل، مثل البطاطس في شمال أوروبا، والأرز في غرب أفريقيا. كما قد يمكن المزراعين في بعض المناطق من زراعة محاصيل لم تكن مزدهرة إلا في المناطق الأكثر دفئًا. غير أنه من جهة أخرى قد يجعل من المستحيل على المزارعين زراعة محاصيلهم التقليدية. أي إن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى اختلال في الميزان الزراعي، فضلًا عن البيئي الطبيعي.

ووفقًا لتقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم، عام 2011، فإن كل درجة مئوية ترتفعها درجة الحرارة العالمية، سيقابلها انخفاض بنسبة تتراوح ما بين خمسة و15% من إجمالي المحصول الزراعي في العالم.

من جهة أخرى، موجات الحر التي من المتوقع أن تصبح أكثر تواترًا، تجعل الماشية أقل خصوبة وأكثر عرضة للأمراض، كما أن ألبان الأبقار حساسة بشكل خاص للحرارة، لذلك قد ينخفض ​​إنتاج الحليب عالميًا.

وبالجملة، تنشط مسببات الأمراض التي تستهدف الماشية في الظروف الجوية الدافئة والرطبة، ومعالجة الوضع بالمزيد من المواد الكيميائية سيؤثر بالضرورة في النهاية على جودة المنتجات الحيوانية.

كما أن التغير المناخي الذي يشهده الكوكب، يتسبب في توسيع مدى الأعشاب الضارة والفطريات، فالشتاء الذي كان موسمًا تقليديًا لموات الأعشاب الضارة والفطريات والطفيليات، بزيادة دفئه، يسمح بمزيد منها. وقد انتشرت بالفعل في مناطق من أفريقيا وآسيا وأوروبا، سلالات من طفيليات القمح لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من 50 عامًا.

اللاعب الخفي الذي سيغير الطعام إلى الأبد

إذا كانت النباتات تعتمد على ثاني أكسيد الكربون لصناعة إنتاجها، الأمر الذي قد يعني أن زيادة أكسيد الكربون في الجو قد تعزز إنتاجية بعض المحاصيل في بعض المناطق في ظروف معينة، تستلزم بطبيعة الحال توفر مياه صالحة للري؛ فإنه من جهة أخرى، قد يتسبب زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون، في تحفيز نمو زيادة كمية الكربوهيدرات التي تنتجها النباتات على حساب البروتينات والفيتامينات.

التغير المناخي
ستزداد الفيضانات الناتجة عن تزايد شدة العواصف المدارية وارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغير المناخ

ويقول علماء إنه من المحتمل أن يتناقص محتوى البروتين النباتي، خاصة إذا وصلت مستويات ثاني أكسيد الكربون من 540 إلى 960 جزءًا في المليون، علمًا بأن مستوى ثاني أكسيد الكربون حاليًا يصل إلى 409 جزء في  المليون. كما يُتوقع أن تنخفض تركيزات عناصر مهمة مثل الحديد والزنك والكالسيوم والمغنيسيوم والنحاس والكبريت والفوسفور والنيتروجين، مع زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

محيطات العالم.. ماعون كبير من الماء الحمضي الدافئ

يعتمد 540 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الأسماك للحصول على البروتين وعلى المال أيضًا. لكن هذا الرقم قد يتأثر بسبب أن الثروة السمكية ستتأثر بالتغير المناخي، وقد تتغير نوعية الغذاء البحري لكل منطقة طبقًا للتغير المناخي، فقد تختفي أنواع من مناطق وتظهر في مناطق أخرى.

تشير الحقائق إلى أنه منذ عام 1995، امتصت المحيطات أكثر من 90% من الحرارة الزائدة المحاصرة بانبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ونتيجة لذلك أصبحت المحيطات أكثر دفئًا اليوم مما كانت عليه منذ بدء عمليات التسجيل الخاصة بذلك، أي منذ عام 1880.

وبالتالي فإنه مع ارتفاع حرارة المحيطات تتحرك العديد من الأسماك والكائنات البحرية شمالًا بحثًا عن مياه أكثر برودة. هذه التحركات تؤثر على ملايين الأسر التي تعتمد على الصيد كمصدر للدخل.

من جهة أخرى، فإن التغير المناخي، وما قد يستتبعه من تغير في مواقيت هجرة الأسماك وتكاثرها، قد يؤثر على عملية التمثيل الغذائي للأسماك، ما قد يؤدي إلى تناولها مزيد من الزئبق المتراكم في المحيطات من حرق الوقود الأحفوري، وعليه، وباصطياد هذه الأسماك، فإن البشر سيتناولون المزيد من الزئبق بما يمكن أن يكون له آثار سامة على صحة الإنسان.

على مستوى آخر، فإن المحيطات تمتص ثلث ثاني أكسيد الكربون الذي يولده الإنسان، وبزيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وامتصاص المحيطات للمزيد منه، قد تتغير كيميائيتها، وهو ما حدث بالفعل، إذ أصبحت مياه البحار أكثر حمضية بنسبة 30% مما كانت عليه خلال الثورة الصناعية.

من هم الأكثر تأثرًا بكل هذا؟

صحيح أن بعض المناطق قد تستفيد بدرجة ما من التغير المناخي والاحتباس الحراري، خاصة تلك التي تقع في خطوط العرض العليا. لكن في حال استمر مستوى الانبعاثات في الارتفاع، فإن التوقعات الخاصة بالغذاء العالمي خلال ما بين 2050 و2100 ليست مبشرة أبدًا.

المناطق الشمالية، الأكثر ثراءً، هي نفسها الأكثر تسببًا في الاحتباس الحراري، ولكنها تكون قادرة على تحمل معظم آثار التغير المناخي، بل ربما في بعض الأحيان تكون مستفيدة، في المقابل فإن المناطق الجنوبية في الكوكب، الأكثر فقرًا، والأقل تسببًا في الاحتباس الحراري، ستتضرر بشكل كبير، تضررًا على عدة مستويات.

التغير المناخي
دول الجنوب الفقيرة ستكون الأكثر تضررًا من آثار التغير المناخي

الأطفال والنساء الحوامل والمسنون، والمرضى، خاصة مرضى الجهاز المناعي أو أصحاب الحالات المرضية المزمنة، سيكونون الأكثر عرضة لمواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي. وبالجملة، فإن دول الجنوب، أو معظمها على الأقل، ستتأثر اقتصاديًا بشكل كبير بسبب التغير المناخي، وسيتأثر سكانها على مستوى الصحة والغذاء ومصادر الدخل.

إذًا، فإن أي مساعٍ للدول الكبرى للحد من آثار التغير المناخي، قد لا تكون من فضول خيرهم، بقدر ما هي تحمل لتبعات ما كسبته أيديهم على مدار القرون الثلاثة الأخيرة، خاصة وأن المتضررين هم الأكثر فقرًا في الجنوب النامي، الذي لم ينعم بخيرات التراكم الرأسمالي بعد الثورة الصناعية، وفي المقابل سيتحمل الآثار السلبية لنعيم سكان الشمال!

شمال الكوكب الأكثر ثراءً والأكثر تسببًا في الاحتباس الحراري، سيكون قادرًا على تحمل معظم آثار التغير المناخي على عكس الجنوب

ويخشى علماء واجتماعيون وأنثروبولوجيون من أن الحروب القادمة ستحفزها آثار التغير المناخي الجذرية على كل حياة في الكوكب، وقد تأخذ منحى مرتبطًا بتحمل نصف سكان الكوكب لما ليس لهم ذنب فيه بشكل كبير ومباشر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التبريد والترطيب.. حقوق أساسية للإنسان في ظل التغير المناخي

بعد الفقر والحروب.. الاحتباس الحراري سبب آخر للهجرة من الشرق الأوسط