26-أبريل-2016

روايات القائمة القصيرة في بوكر 2016

كان إطلاق نسخة عربية من جائزة البوكر فألًا طيبًا في البداية، إذ جاءت في وقت خلت فيه الساحة العربية من جائزة مرموقة ذات بعد عربيّ، صحيح أنّه كانت هناك العشرات من الجوائز إذا أردنا التكلم بلغة إحصائية، لكنّها كانت مثل قلّتها كما تقول العاميّة، فهي إمّا بائسة أدبيًا، تأخذ على عاتقها أن تحتفي بأدب رجعيّ شكلًا ومضمونًا، أو ذي صبغة أيديولوجية معينة، وإما مشبوهة تعمل بإيعاز من أجهزة مخابراتٍ لا توفر جهدًا في محاولة تصنيع مشهد ثقافي بمواصفات ترضي الأنظمة الحاكمة، أو تأتي بدوافع تتداخل فيها الرغبة في تلميع الذات مع عمليات تبييض الأموال، كما يدأب بعض الأثرياء، وربما يكون لبلد عربي نسخته الخاصة من كلٍّ من هذه الأنواع.

تواتر السنوات راح يُظهر أن البوكر بدأت تشكّل سلطة ثقافية في المشهد العربي

تواتر السنوات راح يُظهر أن البوكر بدأت تشكّل سلطة ثقافية في المشهد العربي، سلطةً كان حريًا بالكاتب أن يقف في الموقع المناوئ لها، وأن يشاكسها ما أمكنه ذلك، ولأن كاتب اليوم في وضع إنساني ومعيشي مختلف تمامًا عن تصوراتنا عن الكاتب والمثقف الثوري، في صورته المحلومة، لم يحدث ذلك، ولم يكن على الكتّاب لوم.

اقرأ/ي أيضًا: نوميديا.. سرديات من المخيال الأمازيغي

هكذا صارت الجائزة تعطي الكتّاب شرعية بدلًا من أنْ يحدث العكس، فبريق النجومية المُغوي، والمال الجزيل المُدوخ السالب للعقول والألباب، وفرصة الترجمة إلى اللغات الأجنبية وحلم مزاملة كبار كتّاب العالم الذي يراود الجميع؛ نزلت كالصواعق على الكاتب العربي المسكين، وساهمت في أن ينصاع من مبدأ التمسكن، وأن مجرد دخول رواية واحدة في هذا السباق فهذا يعني أنه ستؤدي دورها في تقديمه، وبعدها سيكون حرًّا في بقية أعماله.

هو تفكير براغماتي عقيم طبعًا، فمن يقبل بالأمر مرة سوف يقبل به مرات، وفي النهاية، الجائزة تصدر من جهة محافظة، ويهمها أن تنشر نوعًا معينًا من الأدب الروائي، ولعل المراقب لفورة الجوائز الأدبية في السنوات الأخيرة، يلاحظ، لا سيما أنها تصدر عن دول الخليج، أنها تسعى بطريقة ما إلى نوع من التغيير الناعم في خرائط الكتابة العربية. ولم يعد الأمر سرًّا أنه كما احتوت دول الخليج العالم العربي سياسيًا، ها هي ذي تحاول احتواءه ثقافيًا أيضًا. من يتذكر جائزة "مجلة دبي" المُحتجبة مؤخرًا؟ في كثير من الحالات طلبت الجائزة من كتّابها تغيير كلمات معينة، في سياقات السرد الحياتي الطبيعي، بحجة أنها نابية، وكثيرون كانوا يرضخون لكي لا يخسروا فرصة طباعة الكتاب بآلاف النسخ التي توزع مجانًا مع المجلة. هذا الضبط الذي يبدو تدقيقًا على كلمة هنا وأخرى هناك، ليس عابرًا، وليس بريئًا، كيف يكون كذلك وهو ينطلق من رغبة جادة في جعل الكتابة ذات مسار محدد؟ هي طريقة خبيثة لتمويه اليمينية داخل أشكال فنية حدثية.

تحولت جائزة "البوكر" إلى شبكة مصالح، سرعان ما راحت تعيد إنتاج الفساد الثقافي العربي

اقرأ/ي أيضًا: مصائر.. رواية بأجوبة مستعملة

ما جرى في جائزة "البوكر" أنها تحولت إلى شبكة مصالح، سرعان ما راحت تعيد إنتاج الفساد الثقافي العربي الذي نعرفه جيدًا، والذي يقوم على مفردات معينة منها الشلّة (اقرأ: المافيا)، والمكاسب المتبادلة التي تجلبها العلاقات العامة التي تبدأ بالمهرجات والندوات، ولا تنتهي باحتكار النشر لدى الدور الكبرى، ويبقى أخطر ما في الأمر أن الكثير من الأعمال التي تصل إلى القوائم القصيرة ليست ذات قيمة أدبية، بل إن بعضها ساذج.

على البوكر أن تراجع نفسها، لتكون جائزة ذات ثقل مثلها مثل البوكر البريطانية، التي لا تخدع قراء الإنجليزية، ولا تقدّم لهم إلا ما يستحق الاحتفاء، بينما البوكر العربية التي تتخبّط في قبول نصوص مخالفة لشروط الجائزة نفسها حينًا، لتعود وتحجب ذلك النص من قوائمها، والتي يقوم عضو لجنة تحكيم، في دورة سابقة، بتسريب القائمة حينًا آخر؛ من الطبيعي أن ينتهي بها الحال إلى تتويج روايات عادية للغاية.

على البوكر أن تراجع مهنيتها قبل أي شيء، وعليها أن تعمل على أن مهمتها الأولى والأخيرة هي تسليط الضوء على الروايات العربية الجديدة، وعلى تقديم نصوص روائية خارجة من رحم هذا الواقع الضاري لتحكيه، لكنّ أرباب الفساد الثقافي، كتّابًا وقوّادين، لا يزالون يزيدونه خرسًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مديح لنساء العائلة.. العشيرة تدخل الحداثة

حارس الموتى.. لو لم تحدث الحرب