25-ديسمبر-2018

جاء ابن سلمان فجعل زمام كل شيء في يده منفردًا، وتحولت وسائل الإعلام لأبواق دعائية أحادية التوجه (الأناضول)

في السنوات الأخيرة، عززت الأسرة الحاكمة السعودية، من نفقات أموال الشعب السعودي على وسائل الإعلام المملوكة علنًا أو خفيةً للقصر الحاكم. وتحولت وسائل الإعلام لشركات دعاية خاصة خاضعة لسلطة الأمراء أو رجال الأعمال المقربين.

في السنوات الأخيرة، عززت الأسرة الحاكمة السعودية، من نفقات أموال الشعب السعودي على وسائل الإعلام المملوكة علنًا أو خفيةً للقصر الحاكم

وتشكّل دستور إعلامي ضمني غير مُعلن، يُرجّح أنه من روافد الأوامر المباشرة وغير المباشرة؛ ينص على الولاء الكامل لآل سعود، قبل أن يُختزل الأمر بشكل كبير في شخص ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان. وفوق هذا كله، كانت السطوة الأمنية يدٌ عليا تراقب مرّة، وتوجه مرات، وتعاقب أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: إعلام السعودية والإمارات.. تحريف على المكشوف وسقوط متواصل

في السنوات القليلة الماضية، ومع الصعود السريع والدرامي لابن سلمان إلى سدة الحكم فعليًا، وولاية العهد اسميًا، رافق ذلك بعض التغيرات في المشهد الإعلامي السعودي، تمثل في زيادة تعزيز النفقات على وسائل الإعلام، بعد أن تحوّلت بشكل أكبر إلى شركات دعاية خاصة، تعمل بشكل أساسي على التمجيد من جهة، ومن أخرى لتمرير سياسات القصر الحاكم بعد تجميل ما يحتاج للتجميل، وتمويه ما يستحق التمويه.

محمد بن سلمان ومحمد بن زايد
رمى ابن سلمان بالإعلام السعودي بين أيدي أبناء زايد

استلزم ذلك نمطًا من الإدارة يتوافق بالكلية مع الرؤى الشخصية جدًا لابن سلمان ورجاله المقربين منه، فعملت يد الرقيب والحسيب على الإحلال والتبديل، الذي لجأ فيه إلى الاعتقال أحيانًا، والطرد أحيانًا أخرى.

ثم استُلهمت تجربة أبناء زايد في إمارة أبوظبي، في إدارة الإعلام السعودي، بل إن أبناء زايد أنفسهم باتوا المديرين الحقيقيين للإعلام السعودي، ضمن سياق الحلف بينهم وبين السعودية، وهو حلف في ظاهره الرحمة بينهما، وفي باطنه التوجيه للمصالح الإماراتية.

وقف العائلة المالكة

كانت في البداية الصحف المحلية هي إعلام السعودية الوحيد، أو الأبرز على الأقل. وكانت أبرزها صحيفة أم القرى، ثم صدرت صحف أخرى مثل: المدينة والندوة. وجميعها خضعت لسيطرة السلطة السياسية ورجال الدين. 

وعمل آل سعود على إرضاء رجال الدين الوهابيين في الداخل، الذين يرفضون ظهور النساء في وسائل الإعلام، ويطالبون بمنع الأغاني والأفلام والبرامج الترفيهية الأخرى، بل ذهب بعضهم إلى الدعوة لقتل أصحاب القنوات التي تسعى لـ"الفتنة والسحر والفساد الديني"، وفقًا لصاحب تلك الفتوى الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية عام 2008، قبل أن يستدرك بقوله إنه كان يقصد أن يتم ذلك عبر القضاء!

بمرور الوقت قُسم الإعلام في السعودية لشقين: إعلام داخلي يرضي رجال الدين، وخارجي يحاول التفاعل مع متطلبات الحداثة برؤية محافظة، مع تعزيز طرح الرؤية السعودية، إلى جانب تقديم الترفيه، ومحاولات جلب المال.

وانطلقت العائلة المالكة في تأسيس إمبراطوريات إعلامية كبرى في الخارج، وبالأخص لندن، وكانت البداية في الصحافة بإنشاء جريدة الشرق الأوسط عام 1987، والتي هي جزء من "المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق". 

ولتلك الشركة تاريخ يوثق سيطر آل سعود على أغلب الصحف السعودية بل الخليجية. وكانت الشركة في البداية تحت ملكية تركي الفيصل وكمال أدهم، الذي يوصف بمؤسس المخابرات السعودية، قبل أن يتنازل كلاهما بعد فترة عن حصتهما (60%) للملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي أعطى لنجله أحمد، الحق في إدارة الشركة. وبعد وفاة أحمد تولى الإدارة فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز. 

المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق
تعود مليكة 60% من المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر جريدة الشرق الأوسط، للملك سلمان

وعلى مدار السنوات، حدثت تغييرات في الشركة الإعلامية الكبرى. ووفقًا لما هو متاح من معلومات فإن الوليد بن طلال كان من ضمن الملاك، بنسبة تصل لنحو 29.9%، لكنه تنازل عن حصته في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. كما أن رجل الأعمال محمد العمودي ظل محتفظًا بنسبة 5.62%، علمًا بأن كلًا من العمودي والوليد بن طلال اعتقلا في الريتز كارلتون. 

وعلى مستوى القنوات والبث الفضائي، أسست شركة عرب سات، التي أطلقت قمرًا صناعيًا بنفس الاسم، من قبل عدة دول عربية كان للسعودية فيها النصيب الأكبر بنسبة 36.7%.   

لكن تبقى الانطلاقة الحقيقة الكبرى للإعلام السعودي التلفزيوني في عام 1991، عبر قناة مركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC)، التي تحولت بعد ذلك لمؤسسة إعلامية كبرى مقربة جدًا من العائلة المالكة، ويديرها رجل الأعمال وليد الإبراهيم، الذي هو شقيق الجوهرة بنت إبراهيم، أرملة الملك فهد بن عبدالعزيز. ولعبدالعزيز نجل الملك فهد الأصغر، نسبة من الأرباح في المؤسسة. 

وبعد اعتقالات الكرالتون، سرت أنباءٌ أن وليد الإبراهيم تنازل عن ملكية شبكة قنوات "MBC" لصالح ابن سلمان، ضمن صفقة للإفراج عنه.

كل شيء في يد ابن سلمان

استمر الإعلام السعودي، الذي يمزج بين رأس المال الخاص، وبين الشراكات المفروضة مع العائلة المالكة؛ في الاهتمام ببرامج الترفيه كجزء من الدعاية السعودية الخارجية التي تحاول من خلالها إبعاد النظرة إليها كدولة راعية للتشدد والإرهاب.

لكن بين كل ذلك، ظلت السياسة خطًا أحمر، والاقتراب منها لا يكون إلا بالحرص الشديد على التوافق مع ما تمليه سياسات القصر الحاكم، داخليًا وخارجيًا. واستتب الأمر على هذا النظام، حتى جاء ابن سلمان، بسياسات لا تختلف تمامًا عن ذلك، غير أنها اتسمت بالتهور.

ففي حين كانت وسائل الإعلام السعودية موزعة على اتجاهات وتيارات مختلفة داخل الأسرة الحاكمة، تحت مظلة سياسات القصر، جاء ابن سلمان ليغير قواعد اللعبة الراسخة، بأن جعل زمام كل شيء في يده منفردًا، وتحوّلت بما في ذلك وسائل الإعلام إلى أبواق دعائية أحادية التوجه، ويديرها رجالاته المقربون، وذلك بعد أن أخضعها بالقوة، من خلال ابتزاز وتهديد، أو اعتقال ملاك وأصحاب وسائل الإعلام هذه.

في أحضان الإمارات

بعد تصعيد التحالف بين السعودية والإمارات، آلت سياسات المملكة العربية السعودية إلى أبناء زايد في إمارة أبوظبي، ومن ذلك مساعي التطبيع مع إسرائيل، والتي بدأت بدورها وسائل الإعلام السعودية بتبنيها في صور يصل بعضها إلى الفجاجة، كما حدث من صحيفة إيلاف الإلكترونية، أو إذاعة قناة العربية لفيلم "النكبة" الوثائقي.

صحيفة إيلاف والتطبيع
صحيفة إيلاف هي صوت السعودي المطبع

ولعل من أبرز النماذج التي ترصد سيطرة أبوظبي على الإعلام السعودي، ما حدث عقب الدعوة التي أرسلها الملك سلمان بن عبدالعزيز، لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، يدعوه فيها للقمة الخليجية، الأمر الذي اعتبره البعض خطوة نحو المصالحة الخليجية، ومحاولة سعودية لتهدئة الأجواء على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقي. 

وما حدث أنه عقب ذلك بساعات قليلة، ظهر بشكل مفاجئ على قناة العربية، محمد دحلان، القيادي السابق المفصول من حركة فتح، والمستشار غير المعلن لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وظل لنحو 20 دقيقة يوجه اتهامات ويهاجم قطر وتركيا. 

تُطرح تساؤلات حول المتحكم الحقيقي في الإعلام السعودي، وهل يوجه هذا الإعلام محتواه للصالح السعودي أم أنه مؤتمِر بمصالح أبوظبي؟

ويطرح هذا الموقف تساؤلات حول المتحكم الحقيقي في إدارة محتوى الإعلام السعودي، وهل يُوجه هذا الإعلام محتواه للصالح السعودي فعلًا، أم أنه مؤتمرٌ بسياسات أبناء زايد؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

لوبي ابن سلمان في الإعلام الغربي.. "تطبيل" للكوارث

النكبة في عيون "العربية".. هرتسل الحالم والفلسطيني الشرير!