14-ديسمبر-2017

تلعب صحيفة إيلاف دور الوسيط الإعلامي بين إسرائيل والسعودية (إيلاف/ ألترا صوت)

"هنا تل أبيب" والدعاية للاحتلال الإسرائيلي ومسؤوليه، دعايةً ترسم خطوات متسارعة من التطبيع، حيث مقابلات دون سبب، ومن الجهة الأخرى غزل بالأمير المتهور. "هنا تل أبيب" وإن لم تكن الحقيقة، فمن هنا يُهدد وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلية دولة عربية، من هنا، من الصحيفة العربية إيلاف!

استطاعت صحيفة إيلاف السعودية المتواضعة مهنيًا أن تحقق أخيرًا شيئًا ما، وهو أن تصبح صوتًا للاحتلال الإسرائيلي!

"صوت إسرائيل" هكذا باتت تُعرف إيلاف السعودية، بالأحرى هي صوت إسرائيل العنصري المدافع عن جرائم الاحتلال بحوار مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو بأن تصبح منصة لمقالة ساذجة وسطحية للمتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية ومسلسل التطبيع.. متى سيرفرف العلم الإسرائيلي في الرياض؟ 

من هنا، الرياض، عاصمة مملكة الأمير المتهور، إيلاف، هي صوت إسرائيل في المنطقة بلا منازع، وها هي أخيرًا تُحقق شيئًا في عالم الصحافة والإعلام، وبجدارة: أن تكون منبرًا لكيان عنصري. 

صوت إسرائيل في المنطقة

على مدار الأسابيع الماضية، مثلت صحيفة إيلاف الإلكترونية السعودية، ممرًا إعلاميًا لأسرع خطوات التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، التي تتغير معالمها الداخلية بشكل متسارع منذ وصول الملك سلمان للحكم وتصعيد نجله محمد ليصبح المتحكم في كل شيء بالبلاد. ورغم وجود حوارات سابقة بين الصحيفة الإلكترونية ومسؤولين  إسرائيليين، إلا أنّ الموضوعات الثلاثة الأخيرة كان لها صدى واسع، لتوقيتها من جهة، ومن اُخرى لنوعية الضيوف والمصادر، وما قيل فيها.

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أجرت الصحيفة حوارًا غير مسبوق في صحيفة عربية، مع رئيس الأركان الإسرائيلي. وتبع هذا الحوار مع المسؤول العسكري الإسرائيلي الأبرز، أن نشرت إيلاف يوم الثلاثاء الماضي مقالًا للكاتب الكردي مهدي مجيد عبدالله بالمشاركة مع أفيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الاحتلال، يهاجم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتناول ساذج وسطحي بدرجة كبيرة.

بالطبع تسبب المقال في حملة هجوم على إيلاف كون أحد كاتبيه بمثابة عدو مُباشر. لكن الموقع لم يعبأ بذلك، ونشر حوارًا مع يسرائيل كاتس وزير الاستخبارات والمواصلات في حكومة نتنياهو، واستخدم عنوانًا عبارةً عن تصريح على لسان كاتس يحمل تهديدًا مباشرًا وفظًا لدولة عربية هي لبنان: "نستطيع إعادة لبنان للعصر الحجري"! 

هذا وقد سبق للموقع صاحب التمويل السعودي، أن أجرى حوارات مع مسؤولين إسرائيليين، بينها حوار في كانون الأول/ديسمبر 2015، مع دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي سبق وأن تقابل مع عرّاب التطبيع السعودي الجنرال أنور عشقي، وصاحب الكتاب الشهير "مملكة الكراهية.. كيف دعمت السعودية الإرهاب العالمي". 

كما أجرت عددًا من الحوارات مع مسؤولين آخرين مثل زئيف ألكين وزير شؤون القدس في الحكومة الإسرائيلية وعضو المجلس الأمني الوزاري المصغر، وعددٍ آخر من الشخصيات العسكرية والسياسية الإسرائيلية. ويعتبر البعض أن الموقع يلعب دور الحمام الزاجل إعلاميًا بين إسرائيل والسعودية وحلفائها في المنطقة، هذا وفقًا للصحافة الإسرائيلية نفسها!

تطبيع بالأمر

صحيفة إيلاف مملوكة للصحفي السعودي عثمان العمير، رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية الأسبق، وصاحب الصلات القوية بالقصر الملكي. وتعد الصحيفة الإلكترونية إحدى المؤسسات الإعلامية السعودية المُسيطر عليها بشكل شبه كامل من قبل السلطات السعودية ومستشاري ولي العهد محمد بن سلمان.

ومن المعروف أيضًا أن مثل تلك المؤسسات تحدد لها سياساتها وأُطرها، بما يخدم السياسة العامة للبلاد وحلفائها. ورغم إعلان الصحيفة استقلالها منذ تأسيسها في 2001، إلا أن الواقع خلاف تلك الادعاءات.

إيلاف أول صحيفة عربية تجري حوارًا مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي
إيلاف أول صحيفة عربية تجري حوارًا مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي 

وتُناقض إيلاف ميثاقها الذي أعلنته مع تأسيسها بأنها ستكون "صحيفة الجميع وإلى الجميع"، فعلى العكس من هذا الإعلان المُضلل، لا تعرف الصحيفة الإلكترونية طريقًا نحو الموضوعية فيما تتناوله من أخبار وموضوعات. في المقابل تلتزم الصحيفة بشكل كامل بتبني وجهة النظر السعودية، والتمادي في هذا التبني بهجوم دعائي أبعد ما يكون عن الصحافة أصلًا، فضلًا عن الصحافة الرصينة.

تلعب صحيفة إيلاف دور الوسيط الإعلامي بين إسرائيل والسعودية، أو بالأحرى صوت إسرائيل في المنطقة بالأمر الملكي المباشر

وفي حين تتجاهل الصحيفة العرض لأيٍّ ممن يمثلون المقابل للسياسات السعودية، تجدها تفرد المساحات للممثلي الاحتلال الإسرائيلي، بل تتحد مع آرائهم كما الحال في المقال الأخير الذي شارك في كتابته أفيخاي أدرعي، والذي يُهاجم حركة حماس بسذاجة لا تليق بصحيفة تصف نفسها بالعراقة.

اقرأ/ي أيضًا: إغلاق مكتب الجزيرة بالقدس.. إسرائيل ودول الحصار معًا ضد حرية الصحافة

الخط التحريري لإيلاف يكشف كل شيء، ليس ثمة أي استقلال كما تدّعي، وتطبيعها الإعلامي مع الاحتلال الإسرائيلي لا يأتي كمبادرة منها، وهو الأمر صعب المنال في ظل قبضة حديدة للقصر الملكي، وإنما بالأمر الملكي المباشر، لتكون وسيطًا بين السعودية وإسرائيل، أو بالأحرى صوتٌ لإسرائيل في المنطقة.

مواضيع التطبيع الأخيرة

بالنظر لمحتوى مواضيع التطبيع الثلاثة الأخيرة والأشهر للصحيفة الإلكترونية السعودية، فهي تطرح علامات تعجب حول سبب نشرها كمتحوى صحفي، من جهة أنها مواد صحفية بلا مضمون حقيقي، ساذجة، وبعيدة كل البعد عن المستوى الأدنى للمهنية. وبدلًا عن ذلك فإنها تستعرض خطوط المحبة والوفاق والغزل بين إسرائيل والسعودية، فيما يشبه حوارات العلاقات العامة، ولولا المبالغة لكانت أقرب لحوارات العلاقات العاطفية.

وتسقط عمدًا على ما يبدو حق الرد للأطراف التي يهاجمها القادة الإسرائيليون، مع العلم بأنه "رسميًا" لا زالت السعودية تعتبر إسرائيل دولة مُحتلة. لكن الرسميات لم تعد ذات أهمية، خاصة مع أمير تتسم سياساته بالتخبط والطيش. بل إن الصحيفة وفي إحدى المواضيع الثلاثة، وفيما يُشبه التبني، وضعت عنوان لإحدى هذه المواضيع، تصريحًا لمسؤول إسرائيلي يُهدد فيه بشكل مباشر، دولة عربية، يُفترض أنها، أو جزءًا منها، حليف للسعودية، هي لبنان. 

وعلى سبيل المثال، يُعد مقال أفيخاي أدرعي مع الكاتب الكردي مهدي مجيد عبدالله، حول حركة حماس، بعنوان "حماس.. ثلاثون عامًا"، مقالًا سطحيًا، لا يستعرض تحليلًا متماسكًا، وإنما يُورد معلومات مقتطعة من سياقها، وبعضها مغلوط، لينطلق منها لسردية ساذجة، ومُستهلكة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. فضلًا عن كونها أحادية النظرة، وتنطلق من حس المظلومية الكاذب الذي امتازت به الحركة الصهيونية عمومًا. هذا المقال يُمكن أن يكون نموذجيًا لو أنه لطفل أو مراهق كموضوع تعبير في إحدى المدارس الإسرائيلية.

الموضوعين الثانيين هما حواران أجراهما مجدي الحلبي، مراسل إيلاف في القدس، مع مسؤولين إسرائيليين، وذلك في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. الحوار الأول مع رئيس الأركان الإسرائيلي، والثاني مع وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي. 

ويُعد الحوار الثاني، الخاص بوزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأكثر ابتذالًا، وكأنه يتحدث من خلال منصة إسرائيلية، بل قل صهيونية. وخلال الحوار أرسل كاتس تهديدًا مباشرًا للبنان، قائلًا: "نستطيع إعادة لبنان للعصر الحجري". ثم رحّب باستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تراجع عنها لاحقًا بعد افتضاح الإجبار السعودي له عليها.

ثم انتقل المسؤول الإسرائيلي لمغازلة السعودية، ووصفها بـ"قائدة العالم العربي"، وهو في ذلك صادقٌ إن كان يقصد سعيها الحثيث لدفع المنطقة للتطبيع العاجل مع الاحتلال الإسرائيلي.

الأمر المثير للاهتمام في الحديث المبتذل لكاتس، كان كشفه لأول مرة عن مشروع إقليمي لمد سكة حديد تربط بين إسرائيل والأردن والسعودية والبحرين والإمارات. وأمرٌ آخر، لكن إيلاف حذفته بعد نشره، وهو دعوة رسمية من الوزير الإسرائيلي لابن سلمان لزيارتها، إذ قال يسرائيل كاتس إن "إسرائيل ستكون سعيدةً باستضافة ولي العهد السعودي".

صورة للوزير الإسرائيلي إلى جانب مخطط مشروع سكة حديد تربط بين إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات والبحرين
الوزير الإسرائيلي إلى جانب مخطط مشروع سكة حديد تربط بين إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات والبحرين

أما الحوار مع رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي، فيبدو أن إيلاف كانت فخورة به حتى أنها عنونته بـ"في مقابلة هي الأولى من نوعها لصحيفة عربية". ووفقًا ليديعوت أحرونوت، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيماين نتنياهو، كان قد اُحيط علمًا بشكل مُسبق بالحوار الصحفي مع رئيس الأركان الإسرائيلي، والذي وصفه مراسل إيلاف، مجدي الحلبي، بـ"التاريخي".

وخلال الحوار، أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي استعداد حكومته لتبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات العسكرية مع السعودية وما أسماها بـ"الدول العربية المعتدلة"، مُشيرًا لوجود مصالح مشتركة بين السعودية وإسرائيل، مُؤكدًا على أن الفرصة مواتية لتشكيل تحالف جديد في المنطقة، يقصد بين إسرائيل والسعودية وما أسماها بالدول العربية المعتدلة؛ بعد وصول ترامب للحكم. ولعل إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل خُطوة في سياق هذا التحالف!

إيلاف.. حمامة زاجلة

لم يكن الصمت السعودي من أمرائها ورجال دينها، على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس؛ أمرًا غريبًا، فمملكة النفط تسير نحو التطبيع لا محالة، وتلتزم بصفقة وقعت بالأحرف الأولى لإنهاء القضية الفلسطينية وتحويلها لركام ثم حرقها ونثر رمادها تحت أقدام السادة في طواف الخضوع حول البيت الأبيض. 

الجميع يشاهد، لكن لم يكن يتوقع أن تكون الخطوات متسارعة بهذا الشكل، ووفقًا لتقارير صحفية إسرائيلية، فإن موقع إيلاف يلعب دورًا في إرسال رسائل لدول الخليج، لمحاولة تقريب وجهات النظر مع الدول الأكثر نفوذًا ماليًا في الوطن العربي، وخطوات التطبيع كانت مستمرة منذ سنوات، بدأت في السر كما نقلت إحدى وثائق ويكليكس، أن عددًا من المسؤولين من السعودية وإسرائيل، التقوا في حزيران/يونيو 2015، لوضع الخطط لمواجهة النفوذ الإيراني، قرب توقيع الاتفاق النووي مع الدول الست.

ثم بدأت اللقاءات المعلنة سواء في الإعلام أو الندوات، وكان أبرز السعوديين فيها الأمير تركي الفيصل مدير المخابرات السعودية الأسبق. وهناك أيضًا الخطوات التطبيعية التي كان يقوم بها بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية السابق، وكذلك  الجنرال السعودي السابق أنور العشقي الذي سافر لتل أبيب لعقد لقاءات هناك.

التوافق السعودي الإسرائيلي بدا واضحًا خلال الشهور الماضية، وانفرد إيلاف بفبركة خبر عن تدخل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بشكل شخصي لدى البيت الأبيض لحل أزمة الحرم القدسي الشريف، عقب أزمة بوابات كشف المعادن التي سيطرت على المدينة لأيام، وتعهد نتنياهو بعدم تكرارها بحسب مصادر لإيلاف فإنّ نتنياهو دعا المسؤولين السعوديين لزيارة المسجد الأقصى والاطلاع على الأوضاع على الأرض.

تسير السعودية بخطى ثابتة نحو التطبيع مع إسرائيل، وتُجنّد لذلك كل آلياتها الدبلوماسية والإعلامية، وإيلاف إحداها 

ووفقًا لبعض التقارير، فإنّ توقيع مصر والسعودية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية "تيران وصنافير"، شكل بوابة للتقارب والتطبيع بين السعودية وإسرائيل جغرافيًا لوجود ممر ملاحي مشترك بين الدولتين.

العداء للمقاومة الذي أصبح مشترك بين مملكة ابن سلمان وإسرائيل، ظهرت ملامحه بشكل جليّ خلال تصريحات عادل الجبير وزير الخارجية السعودي في شهر حزيران/يونيو الماضي، وفي معرض حديثه عن أسباب قطع العلاقات السعودية مع قطر، قال: "لقد طفح الكيل، على قطر التوقف عن دعم تنظيمات مثل حركة حماس". تلك التصريحات جاءت قبل أن يظهر للعلن التوجه السعودي المتماشي مع إسرائيل قلبًا وقالبًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صورة كاملة للصفقة الكبرى.. هكذا سعى ابن سلمان للاعتراف بالقدس والضفة لإسرائيل

فيديو: فضائح إمارات التطبيع: "نحن وإسرائيل مثل الإخوة!"