22-يوليو-2016

تحولت الإسكندرية إلى سوق نخاسة كبير يُباع فيه الأثر لمن يدفع أكثر (Getty)

الإسكندرية ليست بلدًا صغيرًا، ولا هي محافظة عادية، هي مساحة "كوزموبوليتانية" من الزمن، احتضنت من كل حضارة جزءًا وسكانها عشرة ملايين نسمة حسب الإحصاءات الأخيرة للهيئة العامة للاستعلامات المصرية. يبالغ محبوها حتى الشطط فيسمونها "مدينة الرب" وغالبيتهم ممن يتمتعون بمزاج كلاسيكي قديم لم يلتفت يومًا للمنتجعات الاصطناعية الاستثمارية الضخمة المنشأة على بعد كيلومترات من المدينة، والتي بدأت تتحول إلى مزار للطبقة الفخمة التي تبحث عن الهدوء ولا تفضل الزحام الذي بات يطبع الإسكندرية كونها مزار الفقراء من سكان الأقاليم المحيطة.

تعاني الإسكندرية إهمالًا وكأن لا حظ لها من العناية حتى باتت وكأنها وجه امرأة عجوز طالما تمتعت بجمال باهر في زمن غابر

تعاني الإسكندرية إهمالًا وكأن لا حظ لها من العناية رغم تتالي عديد المحافظين عليها وبعضهم من الجشعين المهملين والفاسدين، فتم تركها حتى باتت وكأنها وجه امرأة عجوز طالما تمتعت بجمال باهر في زمن غابر. ما يحدث اليوم هو تواصل ممنهج لمجموعة من الجرائم هدفها القضاء على وجه المدينة التاريخي لصالح وجهها الاستثماري، أو بكلمات أخرى "إن المدينة تباع قطعة قطعة لمن يملك الثمن".

اقرأ/ي أيضًا: الإسكندرية.. استراحة المحارب والعاشق

مسرح السلام

الأقرب من حيث التاريخ ولن يكون الأخير، حين تمر بجواره، تتذكر كلاسيكيات المسرح المصري، "مدرسة المشاغبين" ومسرحية "ريا وسكينة" و"الزعيم" وغيرها من مسرح السبعينيات والثمانينيات وما قبلها مما ملأ فضاء الدنيا وسمعها وبصرها. تُرك المسرح للإهمال مدة 10 سنوات، تحوًل خلالها إلى ما يسيء الناظرين.

الهيئة العامة لحماية التراث ترى أن المسرح خارج "القائمة الأثرية" كونه لم يمر على إنشائه مائة عام! ومؤخرًا، قام القائمون عليه بتسوية المبنى بالأرض استعدادًا لإنشاء فندق سياحي في مكانه دون اعتبارات لأي تراكم ثقافي يحمله المكان وقد واجه ذلك غضبًا على مواقع التواصل الاجتماعي لكن في النهاية لم تلتفت الدولة للمكان ولا منحته اهتمامًا.

قصر عزيزة فهمي

يقع القصر على مساحة 15 ألف متر في منطقة "جليم" بالإسكندرية، ويطل على كورنيش البحر مباشرة، وعزيزة فهمي، هي ابنة علي باشا فهمي بن عوض بن شافعي وكان كبير المهندسين بالقصر الملكي، وكان القصر محل نزاع بين شركة إيجوث وورثة عزيزة فهمي. مثل القصر قيمة وحقبة تاريخية لمحافظة الإسكندرية، وطالب المهتمون بالتراث "الإسكندراني" بالتدخل العاجل من قِبَل وزيري الآثار والثقافة ورئيس الوزراء. وانتشر هاشتاج حينها #لا_لهدم_قصر_عزيزة_فهمي_الأثري.

البناء الفخم والنادر خال منذ 64 عامًا، مساحة ضخمة وغير مستغلة ويتكرر حولها سيناريو أنها تُركت للإهمال المتعمد وذلك بسبب أن ملكيتها محل نزاع بين ورثة عزيزة فهمي وإحدى شركات السياحة التابعة للدولة، التي تسعى إلى هدم القصر وبناء فندق سياحي من 11 طابقًا يطل على البحر.

اقرأ/ي أيضًا: قبل خراب الإسكندرية

قصر شيكوريل الأثري

طالت محاولات الهدم والتخريب المتعمد 52 عقارًا أثريًا في الإسكندرية، بيعت جميعها لأصحاب الأعمال لتحويلها إلى فنادق فخمة تدر مالًا على أصحابها

هاجر مورينيو شيكوريل الإيطالي إلى مصر قادمًا من إزمير بتركيا، في أواخر القرن التاسع عشر، وكان عميدًا لمجموعة من المحلات، التي تأسست تحت اسمه عام 1887، حينها رأس مال الشركة كان نصف مليون جنيه مصري تقريبًا وكان يعمل بها 500 موظف تقريبًا.

كان لشيكوريل "فيلا" تعد الآن من المباني الأثرية، التي تم إنشاؤها في أوائل العشرينيات وقام بتصميمها ثلاثة من أشهر المعماريين الفرنسيين هم ليون أزيمان وجاك هاردي وجورج بارك وتعد أحد أهم وأروع المباني معماريًا.

تعرضت أجزاء من "الفيلا" للانهيار بعد أن تُركت للإهمال المتعمد أيضًا حيث استغل المقاولون المكلفون بالهدم انشغال الأهالي بكارثة غرق الإسكندرية الشتاء الماضي، وقاموا بتخريب أساساتها الخرسانية، بالرغم من صدور قرار رقم 488 لسنة 2012 من مجلس الوزراء بمنع هدم "الفيلا" أو المساس بها، وتم إلقاء القبض على مقاول الهدم الذي حاول تخريبها وتقرر سجن المهندس المسؤول 5 سنوات ودفع كفالة مليون جنيه مصري.

المجال لا يتسع لسرد كل محاولات الهدم والتخريب المتعمد، التي طالت 52 عقارًا أثريًا في الإسكندرية، بيعت جميعها لأصحاب الأعمال لتحويلها إلى فنادق فخمة تدر مالًا على أصحابها. وتحولت الإسكندرية إلى سوق نخاسة كبير يُباع فيه الأثر لمن يدفع أكثر.

اقرأ/ي أيضًا:

اغتيال الإسكندرية

مصر.. "شاطئ النخيل": الموت في انتظارك