15-مايو-2020

الذكرى 72 للنكبة

منذ صعود دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتّحدة الأمريكية، بدأ الموقف الأمريكيّ تجاه القضية الفلسطينية، وهو موقف مُنحاز أساسًا للكيان الصهيونيّ، يأخذ شكلًا جديدًا بدا متماهيًا مع موقف اليمين الإسرائيليّ المتطرّف، قبل أن يتبنّاه بشكلٍ كامل، فبات موقف واشنطن هو نفسه موقف تل أبيب تجاه هذه القضية، أي موقف اليمين المتطرّف (1).

تمخّض عن هذا التقارب غير المُستجِّد ما بات يُعرف بـ "صفقة القرن" القائمة على أساس تصفية قضية الفلسطينيين عبر مجموعة خطوات أبرزها توسيع الكيان لنشاطه الاستيطانيّ بتشجيعٍ ومُباركة أمريكية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بالإضافة إلى الاعتراف بمدينة القدس عاصمةً لإسرائيل من خلال نقل السفارة الأمريكية إليها، عدا عن إلغاء الاعتراف بقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال وقف تمويل وكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) والعمل على تصفيتها.

منذ صعود ترامب، بدأ الموقف الأمريكيّ تجاه القضية الفلسطينية يأخذ شكلًا جديدًا يتماهى مع اليمين الإسرائيليّ المتطرّف

 

وقف الولايات المتّحدة لتمويل الوكالة جاء بعد هجماتٍ أمريكية – صهيونية مُشتركة استهدفتها بشكلٍ مُستمر منذ 2018، حيث حاولت الإدارة الأمريكية الجديدة عرقلة عملية تجديد ولاية تفويضها علمًا أنّ العملية نفسها كانت طيلة السنوات السابقة إجراءً روتينيًا وتحصيل حاصل (2)، قبل الخطّة المُشتركة لإنهاء دورها من خلال تجفيف تمويلها أو دمج تفويضها ضمن صلاحيات المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين (3) بحيث لا يعود هناك أي منظّمة من منظّمات الأمم المتّحدة معنية بقضية اللاجئين، الأمر الذي يُسقط الخصوصية الفلسطينية ويُعيد تعريف اللاجئ من خلال تجريد أبناء اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم من هذه الصفة.

إلغاء "الأونروا" أو تحويلها إلى مجرّد منظّمة إغاثية محدودة وغير دولية، يدخلُ في صلب الخطّة الإسرائيلية – الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية. فالوكالة التي أُنشأت بناءً على قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة رقم 194، والذي ينصُّ على حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، تُعتبر شاهدةً على هذه القضية باعتبارها منظّمة دولية مؤقّتة تتكفّل بتوفير ما يُساعد اللاجئين للتغلّب على ظروف اللجوء القاسية.

بالإضافة إلى أنّ وجودها يُساعد على إبقاء القضية قائمة وحيّة، لا سيما أنّها بالنسبة للاجئين الفلسطينيين بمثابة تعبير عن مسؤولية المجتمع الدوليّ في إيجاد حلّ لقضيتهم، أي أنّ تصفيتها تعني فقدان الاعتراف الدوليّ بقضيتهم كلاجئين، وتبخّر حلم العودة، والتعامل معهم أيضًا كجزء من البنية السكّانية المُستضيفة تمهيدًا لدمجهم فيها لاحقًا كخطوة أخيرة لإلغاء حقّ العودة كما نصّ عليه القرار رقم 194 (4)، ممّا يؤكّد أنّ وجود الوكالة لا يرتبط بالجانب الإنسانيّ فقط، وإنّما بكونها قد أصبحت حائطًا أو سدًّا منيعًا للدفاع عن حقّ العودة، وأحد أدوات النضال ضدّ مخطّطات تصفية قضية اللاجئين (5).

بارتباطها بقرار الجمعية العامّة رقم 194، تكون عملية تصفية وكالة الأونروا إلغاءً رسميًا لحقّ العودة الذي نصّ عليه القرار الذي سعى كيان الاحتلال للتخلّص منه عبر استهداف الوكالة، من خلال مخطّطات قديمة ومُتجدّدة إمّا اقتصادية – اجتماعية مُرتبطة بمسألة التوطين وتأمين فرص عمل للاجئين تُحقّق لهم اكتفاءً ذاتيًا يُشطبون بموجبه من سجّلات الإغاثة. أو سياسية قائمة على ممارسة الضغوطات المُباشرة على المجتمع الدوليّ من خلال التشكيك في مبّررات وجود الوكالة المُتَّهمة صهيونيًا بتقويض السلام وإدامة الصراع العربيّ – الإسرائيليّ، والانحياز إلى الفلسطينيين ضدّ الإسرائيليين (6).

دارت المُخطّطات الصهيونية – الأمريكية المُشتركة لتصفية الوكالة حول تقليص المُساعدات المالية وتجفيف مصادر تمويلها تمهيدًا لانتزاعها من إطارها الدوليّ وتحميل عبئها للدول العربية فقط، وذلك تزامنًا مع الترويج المُستمر لمشاريع التوطين القسرية، وتقديم الإغراءات المالية للدول المُستضيفة للاجئين لحثّها على تولّي مسؤوليات ومهمّات الأونروا كمقدّمة لإنهاء وجودها، بالإضافة إلى التشكيك بكفاءتها واستغلال الاحتجاجات الشعبية على تقليص الخدمات لتسويق فكرة عجز الأونروا والحاجة لاستبدالها بالدول المُضيفة أو مؤسّسات أُخرى أكثر كفاءة (7).

وأخيرًا، العمل الدؤوب على تغيير مفهوم اللاجئ، وهو ما تسعى إليه الولايات المتّحدة الأمريكية حاليًا بنزعها صفة اللاجئ عن أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين، وحصرها بمن هُجِّروا عام 1948، وهو ما يجعل من نطاق التعريف العملياتي المُعتمد من قبل الأونروا، والذي يربط تعريف اللاجئ بالحاجة إلى المُساعدة، وسيلةً لتشويه صورتها ومنفذًا تستغلهُ الإدارة الأمريكية لإسقاط الصفة القانونية الدولية عن اللاجئين الفلسطينيين، تمهيدًا للتنصل الكامل من المسؤولية الدولية (8).

رغم ذلك، بقيت الأونروا ناشطة في دورها وتفويضها الدوليين، مُتجاوزةً أغلب الأوقات مُحاولات إنهاء دورها انطلاقًا من المُخطّطات والمُقاربات المذكورة سابقًا، حيث الاعتماد على التوطين وتفسير تفويضها ومُحاولات تكييفه ليخدم تصفيتها والانتقال بها من الإغاثة إلى التشغيل (9) من خلال إثارة الأسئلة حول أهمّية بقائها وجدواها. ويعود تاريخ إثارة هذه الأسئلة إلى ما بعد توقيع اتّفاق أوسلو سنة 1993، وذلك كمحاولة لتسليمها إلى السلطة الفلسطينية وإلغاء صفتها الدولية والأممية.

استمرّت الحكومات الصهيونية المُتعاقبة بمحاولات تصفية الأونروا من خلال حرف مسارها من الإغاثة إلى التشغيل

 

إثارة الأسئلة حول جدوى الوكالة وأهمّيتها جاءت بعد تبخير اتّفاق أوسلو للجهود الدولية الساعية لتطبيق القرار 194 كأساس لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، باعتباره، بعد الاتّفاقية، فقد صفته كمرجعية دولية لحلّ القضية، وبات حقّ العودة الذي نصّ عليه حكرًا على المفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية (10)، بناءً على الاعتقاد السائد آنذاك بأنّ الاتّفاق أوجد طريقًا لإنهاء قضية اللاجئين، وبأنّ إنهائها يُنهي الحاجة لوجود الأونروا.

دفع الاعتقاد أعلاه الدول المانحة والمموّلة للأونروا، خاصّةً الولايات المتّحدة، لمحاولة حلّها واستبدال برامجها الإغاثية بمشاريع تدور في إطار تحسين شروط الحياة اليومية ومشاريع التوطين في الدول المُستضيفة، فقدّمت الوكالة للدول المانحة آنذاك رؤية برنامجية ومالية لخمس سنوات، نصّ أحد بنودها على مواصلة عملها حتّى 1999، على أن تنتقل صلاحياتها بعد ذلك إلى السلطة الفلسطينية فقط، وهو ما صدّقت عليه الدول المانحة رسميًا سنة 1995 كخطّة مضمونة لحلّ الوكالة وإنهاء قضية اللاجئين، غير أنّ الخطّة نفسها تبخّرت بعد عامٍ واحد، وبدا أنّ الوكالة لن تقفل أبوابها حتّى إيجاد حلّ عادل لقضية اللاجئين (11).

رغم ذلك، استمرّت الحكومات الصهيونية المُتعاقبة بمحاولات تصفية الوكالة من خلال حرف مسارها من الإغاثة إلى التشغيل، مُعتبرةً أنّ المُراد منها في نهاية المطاف حلول برنامج التشغيل المُراد منه توطين اللاجئين محلّ الإغاثة (12). ولكنّ المُحاولات الإسرائيلية اصطدمت دائمًا بتردّد الدول العربية ورفضها مسألة دمج الفلسطينيين، فلجأت إلى مُحاولة إنهاء عملها من خلال إضعافها حتّى تبدأ الحكومات العربية بتقديم الخدمات للاجئين، الأمر الذي ينتج عنه اندماجهم في مجتمعات الدول المُضيفة (13).

استفادت الحكومات الصهيونية خلال حربها المستمرّة على الوكالة من الموقف الأمريكيّ المُنحاز لها دائمًا. فالولايات المتّحدة، وباعتبارها المموّل الرئيسي للأونروا، تملك سلطة عالية على صناعة قرارها ووضع سياساتها. وبينما يُنظر عالميًا إلى الوكالة كعامل استقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال مساعداتها التي تمنع وقوع أزمات اجتماعية وسياسية، تنظر الولايات المتّحدة إليها من باب تحقيق شرق أوسط هادئ ومستقرّ يوفّر لحليفتها الأمان والاستقرار (14). لذا، كانت الإدارات الأمريكية المُتعاقبة دائمًا أوّل الداعمين للمخطّطات الإسرائيلية بشأن الوكالة (15).

وبوصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتّحدة، وتبنّي إدارته موقف اليمين الإسرائيليّ المتطرّف رسميًا بدا أنّ الحلم الصهيوني – الأمريكيّ القديم والمُتجدِّد بإنهاء وكالة الأونروا، أكثر قابلية للتحقّق، لا سيما بعد الإجراءات الأمريكية الأخيرة بحقّ الوكالة، وخطّتها الكارثية للسلام المزعوم في المنطقة، بدءًا بمحاولة عرقلة تجديد ولايتها، وصولًا لوقف تمويلها سعيًا منها لنقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية والدول العربية المُضيفة تمهيدًا لرفع المسؤولية الإسرائيلية والدولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين.

قُوبل مسعى الولايات المتّحدة المُراد فرضه أمرًا واقعًا برفضٍ فلسطينيّ قاطع، ولأسباب مختلفة أبرزها مخاوف اللاجئين من تدنّي مستوى الخدمات المقدّمة في حال انتقال صلاحيات الوكالة إلى السلطة الفلسطينية والدول المُضيفة، وعجزها عن استقطاب التمويل الذي كانت تحصلُ عليه الأونروا، عدا عن الخوف من المحسوبية والفساد والتمييز خلال تقديم المساعدات على أساس الانتماء، بالإضافة إلى رفع المسؤولية الدولية عن قضيتهم، وسقوطها من الأجندات الدولية، الأمر الذي يجعل القرارات الدولية المتعلّقة بقضية اللاجئين عديمة الفائدة (16).

أمّا عربيًا، بدت ردّة الفعل داخل الجامعة العربية تجاه "صفقة القرن" ومسألة تصفية الأونروا متضاربة وملتبسًة، فبينما تبدو الجامعة متمسكّة بالأونروا وتعتبرها ركنًا من أركان الأمن القومي العربيّ، تبدو مواقف الأعضاء مختلفة ومتباينة، فهناك من يؤيد الصفقة، وهناك من يؤيدها ويتمسّك بالوكالة ويدعمها، وهناك من يرى في وجودها ضمانةً لعدم التوطين، بينما لا تُمانع بعض الدول وعلى رأسها سوريا والأردن ومصر مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين. بموازاة ذلك، تزداد المخاوف العربية من مسألة أن يتحوّل التمويل العربيّ للأونروا الذي يضمن لها بقائها واستمرار عملها، إلى ترجمة حرفية للخطّة الأمريكية الساعية إلى تحويل الوكالة إلى منظّمة عربية دون صفاتٍ دولية.

الهجمة على الأونروا تمثّل ركنًا أساسيًا من أركان صفقة القرن باعتبارها تجسيدًا للمسؤولية الدولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين

يعني ذلك أنّ الهجمة على الأونروا تمثّل ركنًا أساسيًا من أركان صفقة القرن بما هي عملية تصفية للقضية الفلسطينية باعتبارها تجسيدًا للمسؤولية الدولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين. وبما أنّ عملية إلغائها مرتبطة بالجمعية العامّة للأمم المتّحدة، أي أنّ عملية حلّها رسميًا شبه مستحيلة، سوف تتوجّه الولايات المتّحدة برفقة الكيان الصهيوني إلى تكثيف جهودهما لإفشال الأونروا بمختلف الطرق والوسائل المُتاحة خلال الفترة القادمة.

أمّا السيناريوهات المتوقّعة حول مستقبل الأونروا بدت متمحورة في ثلاث سيناريوهات: تجاوزها وكما جرت العادة لأزمة التمويل بالاعتماد على دعم بعض الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة مثل الاتّحاد الأوروبيّ وبعض الدول العربية والإسلامية، ووجود أصوات معارضة داخل الكونغرس ومجلس النواب الأمريكيين لسياسة إدارة ترامب. ثانيًا، فشل الوكالة في تعويض التمويل الأمريكيّ مقابل مواصلة الولايات المتّحدة وإسرائيل هجمتهما ضدّ وجودها بهدف الابتزاز السياسيّ في إطار الرؤية المرتبطة بصفقة القرن. أمّا السيناريو الثالث والأخير، فيقوم على نجاح الطرفين السابقين في تغيير أو تحويل تفويض الأونروا ودمجه ضمن صلاحيات المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، الأمر الذي يعني إلغاء القرار رقم 302 ومعه الأونروا (17).

وفي وضوء هذه التحوّلات، يبدو هناك اليوم حاجة ماسّة لبلورة خطّة جادّة فلسطينية وعربية ودولية لمواجهة الهجمة الأمريكية – الصهيونية على الأونروا، بحيث تقوم بتوفير دعمٍ بديل لها، وتضغط لصالحها في الأمم المتّحدة، ذلك أنّ الوكالة، وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة عليها، تقدّم وتسدّ فجوة معيشية وخدمية وتعليمية وصحية مهمّة في المجتمعات الفلسطينية، دون وجود بديل لها.

 

هوامش:

(1) عزمي بشارة، "للدقّة.. صفاقة القرن"، صحيفة العربي الجديد، 12/5/2019.

(2) أحمد مفلح، "القرار الأميركي – الصهيوني بإلغاء وكالة "الأونروا" وتصفية القضية الفلسطينية"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 15/12/2019.

(3) جابر سليمان، "أزمة الأونروا الراهنة: السياق والأبعاد والآفاق وسبل المواجهة"، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، مبادرة المساحة المشتركة، 2018.

(4) جيرهارد بلفر وإنغريد جاسنر، "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى بين مطرقة السياسة وسندان خدمة اللاجئين: مذكرة تُطالب المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين"، تحرير محمد جرادات، مركز المعلومات البديلة، مشروع حقوق المواطنة واللاجئين الفلسطينيين، 1997.

(5) سليمان، "أزمة الأونروا الراهنة".

(6) المرجع نفسه.

(7) بديل (المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين)، "مواجهة الهجمة على الأونروا: ورقة محدّدات ومبادئ ومقترح، خطة استراتيجية فلسطينية"، 2018.

(8) المرجع نفسه.

(9) مفلح، "القرار الأميركي – الصهيوني بإلغاء وكالة "الأونروا"

(10) بلفر وجاسنر، "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى بين مطرقة السياسة وسندان خدمة اللاجئين".

(11) المرجع نفسه.

(12) سليمان، "أزمة الأونروا الراهنة".

(13) بلفر وجاسنر، "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين".

(14) المرجع نفسه.

(15) نور مصالحة، "المخططات الإسرائيلية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين من 1948-1972"، مركز شمل، 1996.

(16) سليمان، "أزمة الأونروا الراهنة".

(17) المرجع نفسه.