21-يناير-2024
كاريكاتير لـ ميكائيل سيفتشي عن الـ 100 يوم الأولى من الحرب/ تركيا

كاريكاتير لـ ميكائيل سيفتشي عن الـ 100 يوم الأولى من الحرب/ تركيا

في روايتها "عروس المطر" تقول الكاتبة الكويتية بثينة العيسى: "الأسوأ من أن تعيش خائبًا، أن تعيش عاجزًا عن تبرير خيبتك"، فهناك خيبات يمكن تبريرها بالظروف وانعدام الخيارات وفعل كل ما بالإمكان فعله، لكن هناك خيبات كالتي نعيشها الآن يعجز العقل عن إيجاد تبرير لها يقنع صاحبه قبل أن يقنع الآخرين.

بعدما دخلت الحرب على غزة شهرها الرابع، أحاول تذكر موقف واحد اتخذته دولة عربية يليق بما يحدث من قتل وتدمير وظلم بيّن فلا أجد شيئًا، حتى تلك البيانات المتخمة بعبارات الشجب والإدانة التي كنا نتندر بها سابقًا غابت، وأصبح الصمت العاجز أقل المواقف سوءًا لأن هناك دولًا عربية أخرى جاهرت بمساندة العدو والانحياز إليه قولا وفعلًا، ومنعت حتى رفع علم فلسطين على أراضيها!

يسألون وماذا نفعل؟ هل نتورط في حرب جديدة؟

بعيدًا عن أن الإجابة الأخلاقية هي نعم، فإذا لم تقم الحروب لوقف العدوان على الأهل والتصدي لتهديد واضح للأمن القومي فما جدوى الجيوش؟ ولماذا نقتطع من أقواتنا لشراء الدبابات؟

الحرب ليست الأداة الوحيدة لوقف هذه الحرب وتخفيف وطأتها، نحن نملك من أدوات القوة والعمل ما يمكننا من ذلك فعلًا دون إطلاق رصاصة واحدة، ولسوء حظ الخائبين أن الأمثلة جاءت من دول في أقصى الشمال والغرب، وأبعد نقطة في الجنوب.

الحرب ليست الأداة الوحيدة لوقف الحرب على غزة وتخفيف وطأتها، نحن نملك من أدوات القوة والعمل ما يمكننا من ذلك فعلًا دون إطلاق رصاصة واحدة

قطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، طلبت كولومبيا من سفير تل أبيب لديها مغادرة البلاد، واستدعت هي وتشيلي وهندوراس سفراءها من تل أبيب، نجحت جنوب إفريقيا في اقتياد إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بملف قانوني محكم، طالبت إسبانيا الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بدولة فلسطين، ولم يستبعد رئيس وزرائها بيدرو سانشير الاعتراف بها بشكل فردي، وعلى نهجها سارت بلجيكا.

هذه المواقف جاءت من دول لا تهدد حرب غزة أمنها القومي، ولا تربطها بأهل فلسطين علاقة تاريخية، ولا تتحدث لغتهم، وغالبيتها دول مأزومة اقتصاديًا وقد تتأثر سلبًا بهذه المواقف، لم تعلن هذه الدول الحرب على إسرائيل، لكنها استخدمت ما بأيديها من أوراق ومواقف، إن لم تسهم في وقف الحرب فهي على الأقل تبرئها من تهمة الصمت عما يجري من مجازر سيوثقها التاريخ كما سيوثق مواقف الجميع منها.

الدول العربية أيضًا، وبعيدًا عن إعلان الحرب، لديها قدرات كبيرة يمكن أن تغير تمامًا أوراق اللعبة ومسار الحرب ما امتلكت الرغبة في استخدامها، يمكنها أن تستخدم ورقة النفط، أو على الأقل تلوح باستخدامها، لكنها على العكس سارعت على لسان وزراء الطاقة بها إلى نفي هذه "التهمة" بالتأكيد على أنها لن تستخدم النفط كسلاح لوقف الحرب على غزة، وكانوا عند حسن ظن أمريكا بهم، حيث أكد مسؤول بالبيت الأبيض ثقته بعدم استخدام الدول العربية سلاح النفط خلال هذه الحرب.

يمكنها أن تناور بسلاح التطبيع الذي استثمرت فيه الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية بدفع أكبر عدد ممكن من الدول العربية لإقامة علاقة طبيعية مع إسرائيل، لكن دولة واحدة من المطبعين الجدد أو القدامى لم تلوح بإلغاء الاتفاقيات، ولا حتى باستدعاء السفراء.

يمكن أيضًا أن توجع الدول العربية الغنية واشنطن وحلفاء إسرائيل بسلاح المال وتهدد – مجرد تهديد – بمراجعة خططها الاستثمارية ومئات المليارات من الدولارات التي يملكها العرب في عواصم صنع القرار، لكنها لم تفعل، بل على العكس تؤكد في كل لقاء يجمع مسؤوليها بقيادات هذه الدول على استمرار العمل المشترك وتقوية التعاون الاقتصادي.

يمكن أن تتحرك دبلوماسيًا لحشد مؤيدي القضية الفلسطينية ومحاصرة إسرائيل بهم في كل المؤسسات الدولية، يمكن أن تفتح المجال لمواطنيها للخروج في مسيرات مليونية دعمًا للقضية بدلًا من ملاحقتهم والقبض عليهم، يمكن أن يذهب مسؤولوها إلى معبر رفح لإدخال المساعدات دون قيد أو شرط، أو تنسيق مع العدو للجوعى والمحاصرين الذين تتحكم إسرائيل في كل قطرة ماء تدخل لهم يوميًا، يمكن أن نتحدث إلى الغد فيما يمكن أن يُفعل لكنه لا يُفعل ويُفعل عكسه أحيانا.

هي الرغبة قبل كل شيء، هي الشجاعة على السير في طريق لم يحدده حُماة العروش في الغرب، وقتها سيجد الحكام العرب عشرات الوسائل لوقف ما يحدث من إبادة، وحتى يحدث ذلك، فلا مبررات لهذه الخيبة.