18-مارس-2024
اقتحام جديد لمستشفى الشفاء

جرى استهداف فايق المبحوح لمساهمته في وصول المساعدات إلى شمال غزة (تويتر)

عادت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتحام مستشفى الشفاء الطبي في مدينة غزة، بعد الانسحاب منه في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وحتى الآن، اعترف جيش الاحتلال بقتله 20 فلسطينيًا داخل مستشفى الشفاء.

ومع ساعات صباح اليوم، اقتحمت قوة خاصة من جيش الاحتلال مستشفى الشفاء، تبعها قوات كبيرة من جيش الاحتلال، قامت بالوصول إلى المستشفى وطلب النزوح من الأحياء المجاورة، مع حملة اعتقالات واسعة في المكان.

الاحتلال الإسرائيلي كثف في اقتحامه مستشفى الشفاء، كافة السياسات الاستعمارية التي استخدمها منذ بداية العدوان على غزة

وبعد عدة ساعات من اقتحام مجمع الشفاء الطبي، أعلن جيش الاحتلال عن اغتيال فايق المبحوح، مدير العمليات في جهاز الشرطة. وزعم أنه قيادي في حماس ويعمل في جهاز الأمن الداخلي.

وقدّرت مصادر محلية تحدث معها "الترا فلسطين" أنّ يكون استهداف العميد فايق المبحوح قد جرى على خلفيّة مساهمته في الوصول إلى ترتيبات بين وكالة أونروا ولجان محلية وعشائر أفضت إلى تأمين وصول المساعدات الغذائية إلى شمال غزة، عقب اجتماع في مستشفى الشفاء، الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، تقوم جرافات جيش الاحتلال في عملية تجريف داخل باحات مستشفى الشفاء، وقامت بتدمير المنطقة التي تتواجد فيها الطواقم الصحفية، بالإضافة إلى اعتقال عدد منهم إلى جانب 80 فلسطينيًا.

ووفق شهادات وصلت من داخل المجمع الطبي فإن جيش الاحتلال قام بإطلاق النار والقذائف على عدة مبان بعد حصارها بشكلٍ كامل، كما قام بمنع الحركة داخل أقسام المستشفى.

وبعد ساعات من الاقتحام، قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، اليوم، إنه "قلق للغاية بشأن الوضع في مستشفى الشفاء شمال غزة".

وأضاف في منشور على "إكس": "لا ينبغي أبدًا أن تكون المستشفيات ساحات قتال"، ودعا إلى وقف إطلاق النار.

وبالتزامن مع اقتحام الشفاء، قالت حركة حماس إن "جيش الاحتلال الصهيوني المجرم ارتكب هذا الفجر جريمة جديدة في عدوانه على مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة والمنطقة المحيطة به، وذلك باستهداف مباني المستشفى بشكل مباشر دون اكتراث بمن فيه من مرضى وأطقم طبية ونازحين".

وأضافت حماس: "جريمة العدوان على مجمع الشفاء الطبي، وحرب الإبادة المتواصلة ضد شعبنا لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي أي صورة انتصار،  وهي تعبير عن حالة التخبط والارتباك وفقدان الأمل بتحقيق أي إنجاز عسكري غير استهداف المدنيين العزل".

 وتابع البيان: "فشل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات ضد جيش الاحتلال كان بمثابة الضوء الأخضر للاستمرار في حرب الإبادة، ونطالب مجددًا اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية الوقوف عند مسؤولياتهم لحماية ما تبقى من منشآت طبية في قطاع غزة".

الفوضى في غزة

وفي أعقاب استشهاد العميد المبحوح، قال المكتب الإعلامي الحكومي: "ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم جريمة جديدة عندما اغتال جنود الاحتلال العميد فايق المبحوح الذي يشغل عملية التنسيق مع العشائر والأونروا لإدخال وتأمين المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، حيث يمارس العميد المبحوح عملًا مدنيًا إنسانيًا بحتًا، وكان يتوجب حمايته وعدم التعرض له بموجب القانون الدولي".

وأضاف البيان: "ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي لمثل هذه الجرائم والمجازر وقتل المدنيين واستهداف القائمين على العمل الإنساني؛ يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك بأنه يسعى بكل قوة إلى نشر الفوضى والفلتان في قطاع غزة، وإلى منع تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مئات آلاف الجوعى في محافظتي غزة والشمال".

وأكد البيان على أن تنفيذ هذا الاغتيال جاء بعد يومين من نجاح جهود إدخال 15 شاحنة مساعدات إلى شمال غزة بعد أربعة أشهر من تعطيل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن هذه البيان "يدلل على أن الاحتلال مصمم على نهج التجويع وحرمان السكان من الحصول على المواد الغذائية رغم محدوديتها حتى الآن".

واستمر المكتب الإعلامي الحكومي، بالقول: "تأتي هذه الجريمة استكمالًا لاستهداف الاحتلال وقصفه للعديد من مراكز تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، واغتيال وقتل القائمين على تقديم هذه المساعدات الإنسانية، حيث استهدف خلال الأيام الماضية العشرات منهم في محافظة رفح ومخيم النصيرات ومحافظة غزة وغيرها من المحافظات".

وكان موقع "الترا فلسطين" قد حصل من مصدر فصائلي خاص على كواليس ترتيب دخول مساعدات غذائية إلى شمال قطاع غزة، والتي جاءت نتيجة اجتماعات بين وفود عائلات وممثلين عن وكالة أونروا. وعُقد اجتماعٌ، السبت، حضره ممثلون عن قوى الأمن الفلسطيني في غزة، لبحث سبل وآليات إدخال المساعدات، بشكل آمن دون معيقات.

وقدّمت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في وقت سابق مقترحًا للعائلات خلال اجتماعٍ عُقد، الأربعاء الماضي، في مجمع الشفاء الطبي، نصّ على أن تتسلّم العشائر المساعدات بعيدًا عن حضور وتواجد عناصر الأمن الذين يتبعون لحركة حماس التي تدير قطاع غزة، وهو طرحٌ مرفوض وفق الشخصيات التي حضرت الاجتماع.

ووفق المصدر، حاولت أونروا خلال اجتماع الأربعاء تقديم مقترحات من شأنها استمالة موقف العشائر، حيث عرضوا إدخال نحو 100 شاحنة مساعدات يوميًا، وكان الموقف واضحًا برفض العشائر أن تلعب دورًا يتجاوز سلطة قطاع غزة، حتى لا يكونوا جزءًا من مرحلة انتقالية لتشكيل إدارة جديدة للقطاع وفق الرؤية الإسرائيلية، بالإضافة إلى عدم وجود ممثلين معروفين عن عائلات كثيرة نزح مختارها أو ارتقى بفعل القصف الإسرائيلي. مشيرًا إلى أن العائلات طالبت خلال الجلسة، وكالة أونروا بأن تنشر طواقمها لتعمل هي على توزيع المساعدات.

وبعد جلسات من التفاوض، أبدت الأجهزة الأمنية في غزة مرونة بالحوار، حيث نتج عنها قبول دخول المساعدات واستلامها من قبل العشائر، على أن تتم حمايتها من قبل "لجان طوارئ" مشكّلة من قوى مسلّحة من الفصائل، على رأسهم حركة حماس، التي وضعت خطّة ميدانية لمنع سرقة المساعدات وضبط وصولها لأوسع شريحة من الناس.

وبحسب مصدر من الفصائل في قطاع غزة تحدّث لـ"الترا فلسطين"، فإن لجان الطوارئ انتشرت في محيط دوار "دولة" الذي يبعد مسافة نحو كيلومتر عن دوار الكويت الذي تدخل من عنده المساعدات، ومنعوا الناس من التوجه نحو الدوار، للحفاظ على مسارٍ آمنٍ للشاحنات، وفي ذات الوقت أرسلوا رسائل تهديدٍ للعائلات والعصابات بأن أي سلوك منهم يعرقل دخول المساعدات ستضطر لجان الطوارئ للتعامل معه بالقوة وإطلاق النار.

وتزامنًا مع هذه الخطّة، انتشر تعميم ورقيّ في الشوارع، يحمل توقيع قوى الأمن الفلسطيني، جاء فيه: "يمنع منعًا باتًا التوجّه إلى دوار الكويت لاستلام المساعدات، ويمنع التجمهر على شارع صلاح الدين أثناء قدوم المساعدات، ومن يخالف التعليمات ستتم محاسبته ومصادرة المساعدات التي بحوزته".

وكانت عملية إدخال المساعدات الأخيرة إلى شمال قطاع غزة، قد انتهت وفق الترتيب، إذ منع أهالي الشمال من التوجه إلى دوار الكويت، الذي تحول إلى مصيدة موت، كما أنه تم ضبط عملية توزيع المساعدات، وتحييد عمليات السرقة والعصابات.

ومن الواضح أن إسرائيل، وفي ظل عدم امتلاك خطة واضحة لها في قطاع غزة، تسعى إلى نشر الفوضى في القطاع، ولا ينفصل اغتيال المبحوح، الذي يحمل صفة مدنية، باعتباره من عناصر الشرطة، عن هذه الجهود الإسرائيلية.

تواصل الإبادة

بعد اقتحام جيش الاحتلال مستشفى الشفاء في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وتفجير وتدمير عدة نقاط فيه، عادت الطواقم الطبية، وعملت على إعادة تفعيل عدة أقسام في المستشفى وتشغيل غرف جراحية محدودة، من أجل تقديم الخدمات في شمال القطاع المحاصر، رغم استمرار الاحتلال باعتقال المدير العام للمجمع الطبيب محمد أبو سلمية.

وبعدما كان مجمع الشفاء قبل اقتحامه الأول، نقطة النزوح الأكبر في مدينة غزة، عاد مرةً أخرى ليكون كذلك بعد انسحاب جيش الاحتلال منه، خاصةً مع تشغيل عدة أقسام فيه. والمرة يسعى الاحتلال مرة أخرى إلى إخراج العائلات النازحة منه.

وبينما يدمر الاحتلال المستشفى الذي يقدم رعاية أولية أساسية في منطقة شمال غزة التي لا يتوفر فيها سوى أعداد محدودة من المستشفيات العاملة، يساهم اقتحام الشفاء الثاني في تدمير جديد للمنظومة الطبية المتهالكة والمنهكة في قطاع غزة.

ويسعى جيش الاحتلال إلى تهجير المزيد من أهالي الشمال، من خلال إجباره الأحياء المحيط للشفاء، بالخروج منها منها باتجاه المناطق الجنوبية.

وفي هذا الاقتحام، تكثف إسرائيل كل أساليبها منذ بداية العدوان على غزة، بدايةً من سياسة التهجير والإعدامات والقتل البطيء بإنهاء المنظومة الصحية، وصولًا إلى خلق حالة من الفوضى، بقتلها أحد المسؤولين عن تنظيم دخول المساعدات الإنسانية الضرورية والأساسية، إلى منطقة دخلت في حالة المجاعة.