19-فبراير-2016

الحصول على تأشيرة السفر يرهق المواطن العربي (ديفيد بول موريس/Getty)

قرّر جهاد السّفر للمرّة الأولى، رحلةُ جهاد السّياحية لم تكن عادية، اسمه كان كفيلاً بتحويلها إلى كارثةٍ كوميدية. ناداه المسؤول عن الجوازات باسمه بصوتٍ عالٍ، وهنا كانت الصّدمة، أخذ النّاس بالهروب من الطّابور. الله أكبر، جهاد!

لا فرق بين طالب علم أو سياحة أو عمل عند مقابلة الحصول على تأشيرة دخول، الكل تُنتهك خصوصياته، حساباته البنكية وتفاصيل حياته اليومية

لا أعرف جهاد، والأكيد أن الحادثة هي من نسج خيال عربي شُوّهت صورته من قبل الإعلام الغربي. دأبت وسائل الإعلام الغربية، مكتوبة كانت أم مرئية، بالإضافة إلى جهود "دونالد ترامب" وأمثاله على شيطنة العرب والمسلمين على وجه الخصوص، أصبح المسلم العربي أو غير العربي عنوانًا للإرهاب، على عكس المقولة السّائدة، بأن المتهم بريء حتّى تثبت إدانته، حالنا اليوم كالتّالي: "نحن إرهابيون حتّى نثبت براءتنا". لا فرق بين طالب علمٍ أو سياحةٍ أو عملٍ عند مقابلة الحصول على تأشيرة دخول، تُنتهك خصوصياته، من حساباته البنكية وتفاصيل حياته اليومية، وصولاً إلى حساباته الافتراضية على مواقع التّواصل الاجتماعي وكتاباته.

مع أن تعريف الإرهاب واضح، ويشتمل على تجريم كلّ من يُعرّض أمن غيره أو مجتمعه للخطر، أو يتعدّى على غيره بالقتل أو التّهديد. أي أن التّعريف ينطبق على محتلّي فلسطين وقتلة أبنائها بمجرد الاشتباه باقتنائهم سكّينًا، كما ينطبق على المتحاربين على الأرض السّورية، المتاجرين بالدّم السّوري من دول وميليشيات وقيصرٍ طامحٍ باستعادة الأمجاد، ما بين أطلال موسكو وأطلال أسواق حلب القديمة التي تدمّرت. طبعًا دون نسيان من احتلّ أفغانستان والعراق وأمعن في تكريس التّقسيم الطّائفي، المذهبي ليحافظ على بسطه السّيطرة على أرضها، وصون مكاسبه النّفطية-الزّئبقية، هؤلاء ينطبق عليهم معايير الإرهاب الفعلي.

ويكاد الإرهاب الحالي اليوم يُبرّر كرد فعلٍ على الإرهاب الأصيل الذي ترعاه دولٌ تدّعي محاربته اليوم، فولادة التّنظيم الأم لـ"داعش" أي "الدّولة الإسلامية في العراق والشّام" بقيادة أبي مصعب الزّرقاوي، أتت إبّان الاحتلال الأمريكي للعراق، والعمل على تعويم شخصياتٍ طائفيةٍ ولّدت شعورًا بالاضطهاد عند شريحةٍ عراقيةٍ واسعة، استطاع الزّرقاوي من خلال اللعب على عواطف هذه الشّريحة أن يستقطب "مجاهدي" القاعدة الذين قاتلوا في أفغانستان سابقًا، بدعمٍ وتسليحٍ دولي أيضاً لكسر الطّموح الرّوسي.

الخوف من السّائد، أي تعميم الإرهاب وثقافة "كل من ليس معي، يعني حتمًا أنّه ضدّي"، التي بدأها الرّئيس الأمريكي جورج بوش بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وحرب العراق، جعل من عبارة "الله أكبر" وسمًا للإرهاب، وجعل منّا نحن، الشّرق أوسطيّين خاصّة، العرب والمسلمين عامّةً، كائناتٍ مريبة بالفطرة، فالشّامي مشروع إرهابي لعدائه لإسرائيل التي تحتلّ أرضه، العراقي إرهابي لرفضه احتلال بلده، المهاجرون من شمال أفريقيا، من تونس إلى الجزائر وليبيا هم المخرّبون الإرهابيون، من يوتّرون الأجواء الأوروبية الهادئة. صبغةٌ صُبِغنا إعلاميًا بها، نولد إرهابيين بالتّعريف الغربي الرّسمي، اللاجئون الهاربون من لهيب الحرب، هم أيضًا مشاريع إرهابية يجب عزلها في مخيمّاتٍ، ويُمَنّ عليها بصناديق المساعدات.

من عانى من الإرهاب الإسرائيلي، أو من احتلال أرضه وبلده، من مشاهد الحرق والقصف والذّبح، هو أبعد ما يكون عن الإرهاب، ولو أصرّ العالم على وصفه بذلك، اسمي جهاد، وأتمنى لو أسمّى نضال، ليعكس اسمي تاريخ شعوب المنطقة، أو كفاح وغيرها من الأسماء التي تُزعج الدّعاة لترك فكرة المقاومة والنّضال، حتّى ولو بالكلمة أو الاسم.

اقرأ/ي أيضًا:

غزوة مانهاتن.. الجهاد في زمن العولمة

"أسلمة" التطرف