13-أغسطس-2019

ديفيد زدوبيلاك/ بولندا

لعله من المثير للدهشة طرح مثل هذا النوع من الكتابة، إذ إنني منذ أن وفق الدكتور توماس ستوكمان في مسرحية هنريك أبسن "عدو الشعب" إلى استكشافه الأخير، وأنا أفكر في أن على كل كاتب أن يسمح لشخصياته الوصول إلى استكشافاتها الخاصة. بالأحرى، يجب علينا جميعًا أن نصل إلى هذه الحقيقة. وكما هو الحال مع تبصر سقراط في جهلنا عندما أعلن: "أعرف أنني لا أعرف شيئًا"، فإن صوت الباب الخارجي التي تصفقه مسز نورا هيلمر خلفها وهي تغادر بيت الزوجية، بعد أن خلعت عنها رداء الدمية، لم يكن سوى اختراعها الخاص، استكشافها الذاتي لنفسها.

تحتوي محاورة "الدفاع" لأفلاطون على خطاب مرافعة سقراط وعلى تقريرٍ قصير عن إدانته

تحتوي محاورة "الدفاع" لأفلاطون على خطاب مرافعة سقراط وعلى تقريرٍ قصير عن إدانته. يصف فيه سقراط مدى دهشته وانزعاجه عندما سمع راهب معبد دلفي أجاب على السؤال: "هل هناك من هو أحكم من سقراط؟!" بقوله: "ليس هناك من هو أحكم منه".

يقول سقراط عندما سمعت هذا سألت نفسي: "ما الذي يعنيه أبوللو؟" فأنا أعرف أني لست حكيمًا، ولا أنا بالغ الحكمة، بل ولست حتى قليلها. ولما وجد سقراط أنه لا يستطيع أن يفهم ما يعنيه الإله بنبوءة الراهب، قرر أن يتحرى عنها. مضى إذًا إلى شخص كان يعتبر حكيمًا، أحد السياسيين في أثينا، ليعرف منه. يصف سقراط النتيجة فيما يلي: المؤكد أنني أحكم من هذا الرجل؛ صحيح أن أينا لا يعرف شيئًا ذا نفع، لكنه يفترض أنه يعرف شيئًا، وهو لا يعرف شيئًا. صحيح أنني لا أعرف أنا الآخر شيئًا ذا نفع، لكنني لا أدعي أنني أعرف شيئًا. بعد أن تحدث مع السياسيين، مضى إلى الشعراء.

اقرأ/ي أيضًا: بطاقة بريدية من شاعر ميت

كانت النتيجة واحدة. ثم ذهب إلى الصناع. لكنه وجد ايضًا أن ثمة انطباعًا لديهم بأنهم يعرفون أشياء أخرى كثيرة، بل وأعظم الأشياء. وعلى هذا فقد توصل سقراط في نهاية المطاف إلى التفسير التالي لنبوءة دلفي: الإله لم يكن يرغب في أن يقول أي شيء عن سقراط. لقد استخدم هذا الشيء فقط ليقول: "إن أحكم الرجال هو من يدرك مثل سقراط أنه ليس في الواقع حكيمًا".

كما يشير سقراط، فإن الدهشة ربما لا ترفض الأفكار بقدر ما توسع من نطاقها بحيث تصبح أكثر اتساقًا باعتبارها بحثًا في الموضوع. وهذا يشبه كثيرًا ما حدث مع "كاليجولا" في مسرحية ألبير كامو التي تحمل نفس الاسم. بعد أن توصل كاليجولا إلى أننا نموت ونحن لسنا سعداء. وإن السلطة تعطي للمستحيل حظوظًا فقرر أنه يريد هذا المستحيل. يريد القمر، وأن يذيب السماء في البحر.

الدهشة لا ترفض الأفكار بقدر ما توسع من نطاقها بحيث تصبح أكثر اتساقًا باعتبارها بحثًا في الموضوع

ربما ما حدث مع سقراط لا يشبه الدكتور ستوكمان ولا مسز نورا ولا حتى الإمبراطور كالجيولا. لكننا هنا لا نحاول أن نجمع المتشابهات، بقدر ما نبحث عن الاكتشافات المفاجئة والتي تؤدي إلى الإبصار الفعلي. إلى الاعتراف بأن اقوى الرجل الذي يقف في الدنيا وحيدًا، أو حاجتها إلى حديث طويل، في تعبير صريح عن وظيفة المرأة من الوجهة الاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: توني موريسون.. الكتابة على إيقاع الروح الأفريقية

الواقع أننا نعيش في عالم يتوافر فيه قدر كبير من هذه الأمثلة، ولكنها تبقى مجرد أمثلة، وليست بحثًا تنسق في الموضوع، أمثلة تستوعبنا جميعًا. ولكن مثل هذه الاستكشافات إنما في الوقت نفسه وسائل فعالة، أو وسائط مدهشة تعمل على خلق هذا النوع من الحياة. وإذن أن عملية تجديد الاستكشاف أو إعادة تصنيعها في الرواية، ليست حدثًا منفصلًا يقتصر على الشخصيات الروائية، وعلى الشخص الذي يتصادف هنا وهناك أن تتاح له فرصة الوصول لها. بل إنه على قدر ما يمارس الفن وظيفته، فإنه يقوم ايضًا بمهمة تجديد استكشافات الجماعة وإعادة صنعها متجهًا بها نحو قدر أكبر من كونها أمثلة، وقسط أوفى من البحث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محاولة في فهم الحلم

كيف يستخدم العلماء والفنانون أحلامهم في عملهم الإبداعي؟

دلالات: