07-يونيو-2020

مروان سمهراني/ لبنان - إسبانيا

هل جاءَ الضّبابُ بهم، أم جاؤوا بالضّباب،

هؤلاء الذين يمشون الهوينى

خلف موكبٍ أميريّ،

فيغيب الجسرُ والنهر،

ولا يبقى واضحًا من مشهدهم غيرُ الضّحك؟

 

يُنزلون أميرهم من عربته محمولًا على الراحات

ويتركونه لجمعٍ من خلّانه

ثم يتفرّقون ليفترشوا الضفاف ثنائيّاتٍ تحكي وتضحك.

 

"من هؤلاء؟

لماذا توقّفوا هنا؟"

سألتُ.

 

"قافلة المرضى وأمراضهم

وأميرهم أيوب"

قال الضّبابُ.

 

أرى سرطانًا يتدلّى من رأس أمجد ناصر وهو يفترش العشب، تاركًا إياه يهوي قبالته خيوطًا رماديّةً لا ملامح لها، لتحكي عن معنى العلامة وارتسامِ المصير قبل الولادة بأجيالٍ، وكيف على المرء أن يحيا ليكتب ما يزيلُ القناع عن وجه الأقدار اللاهي.

أسمعُ صوته القويّ يعلو ويخفت، فيما تلك الحشرجات الأخيرة التي احتَلَّتْ فمه في الأيام الأخيرة، ها هي تصدر عن فم سرطانه.

 

هناك سلٌّ منبثقٌ من صدر صبيّةٍ أنسجةً حمراءَ. أعرفها جيّدًا، هذه أمونةُ، جدّةُ جدّتي. أوصاف هذه الصّدر حكايةٌ عائليّة رويتْ مرارًا عن الجدّة التي لم ترضعْ لبن أمّها.

أما الأنسجة الحمراء فتقرفصُ أمامها كحبيب يسابق الوقت، وأحلامه تتلخّص في تقليص المسافة بينهما.

 

هنالك كلٌّ وصاحبه: القصور الكلويّ، السّكّريُّ، التهاب الكبد، الكوليرا، الجُذامُ، الطاعون.. ومن حول الجميع تتطاير فقاعات صغيرةٌ من ضبابٍ لا تنفجر ولا تتلاشى. أسماؤها واضحةٌ من وجوهها:

الحمّى،

الأنفلوانزا،

الشقيقةُ،

الديسك،

الدّوالي..

 

"لا تبحث عنهم في المشافي

لا تلم الأطبّاء والصّيادلة والأدوية

لا تسأل عن قبورهم

فما أبكاهم وذوّب آمالهم انتهى صداقةً

في قافلة لا هدف لها"

قال الضّباب.

 

يُعيدون الأميرَ إلى عربته، ثم يلتفّون حولها ليمشوا على خطوات أحصنتها التي انتهت عليلةً، وها هي تجرّ العربات بمعونةٍ من أوبئتها.

 

ينقشع الضبّاب

يبين الجسر

وتظلّ ضحكات أيوب وخلّانه أصداءً

تحدو بالموكب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سورٌ حول الصحراء