قدمت قوى معارضة لقانون إصلاح نظام التقاعد، محسوبة على اليسار وأخرى على اليمين المتطرف، مقترحين لحجب الثقة عن الحكومة إلى البرلمان، وذلك بعدما استخدمت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أحد أكثر بنود الدستور إشكالية لتمرير قانون نظام التقاعد الجديد، وهي المادة 49.3، دون موافقة البرلمان، وبتصريح من الرئيس إيمانويل ماكرون.
91 نائبًا قدموا اقتراحًا بحجب الثقة عن الحكومة في أعقاب إعلان حكومة ماكرون أنها ستستخدم المادة 49.3 من الدستور لتمرير مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد.
فقد أفادت وسائل إعلام فرنسية أن الكتلة المستقلة "LIOT" المكونة من 20 نائبًا، بدعم من ائتلاف اليسار، و5 أحزاب معارضة أخرى، وهو ما مجموعه 91 نائبًا، قدموا أول اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة، وسيتم التصويت عليه يوم الاثنين القادم. كما أعلنت النائبة لور لافاليت الناطقة الرسمية باسم المجموعة البرلمانية لحزب التجمع الوطني "RN" اليميني المتطرف، أن المجموعة قدمت مقترحًا آخرًا بحجب الثقة عن الحكومة، بحسب ما أفادت القناة البرلمانية "LCP". وأكدت أن المجموعة ستصوت على كل المقترحات الأخرى لحجب الثقة عن الحكومة.
وفشلت بورن في التوصل إلى اتفاق يؤمن لها جميع أصوات نواب حزب الجمهوريين اليميني التقليدي في الجمعية الوطنية، واعترفت بنفسها أنها عاجزة عن تأمين الأصوات الكافية لتمرير القانون من خلال عملية التصويت.
ما هى المادة 49.3؟
المادة 49.3 هي جزء من "الباب الخامس" من دستور عام 1958. هذا الفصل، الذي يمتد من المواد 34 إلى 51، يضع مجموعة من الأحكام التي من المفترض أن تنظم "العلاقة بين البرلمان والحكومة"، من بينها، المادة 49.3، التي تنص على ما يلي:
"يجوز لرئيس الوزراء، بعد مداولات مجلس الوزراء، أن يتحمل مسؤولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية بشأن التصويت على مشروع قانون المالية أو تمويل الضمان الاجتماعي. في هذه الحالة، يعتبر هذا المشروع معتمدًا، ما لم يتم التصويت على اقتراح بتوجيه اللوم خلال الأربع وعشرين ساعة التالية، وفقًا للشروط المنصوص عليها في الفقرة السابقة. يجوز لرئيس الوزراء استخدام هذا الإجراء في مشروع قانون آخر أو مشروع قانون في كل جلسة".
ومن الناحية العملية، يمكن لمجلس الوزراء أن يقرر بمفرده اعتماد القانون دون المرور بالبرلمان، ولكن مرة واحدة فقط في كل جلسة برلمانية.
ويتم استخدام 49.3 عندما تتعثر المناقشات في الجمعية الوطنية أو عندما تريد الحكومة إصدار قانون بشكل عاجل، وهو غالبًا ما يكون اعترافًا بالضعف في مواجهة البرلمان، وأداة لتأكيد أسبقية السلطة التنفيذية. ومنذ إدخال المادة 49.3 للدستور الفرنسي عام 1958، جرى استخدامها 91 مرة.
وقد انتُقد استخدامها في مناسبات عديدة، إذ وصف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، عندما كان السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، المادة بأنها "الأكثر وحشية، فهي إنكار للديمقراطية".
موجة الاحتجاجات على قانون تعديل نظام التقاعد تتواصل
تواصلت الاحتجاجات في مختلف المدن الفرنسية بعد تمرير قانون تعديل نظام التقاعد من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية، في حين اعتقلت قوات الأمن أكثر من 300 متظاهر.
وأفادت صحيفة "Le parisien" أن ساحة الكونكورد في باريس كانت مسرحًا لأعمال عنف واشتباكات بين سلطات إنفاذ القانون والمتظاهرين مساء الخميس، قبل أن تنتشر الفوضى في الشوارع المجاورة. وبحسب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، فقد اعتُقِل 310 أشخاص خلال المظاهرات من بينهم 258 في باريس وحدها. وشكر وزير الداخلية عبر إذاعة "RTL" أفراد الشرطة والدرك، لجهودهم في إعادة ضبط القانون بمواجهة المتظاهرين.
هذا، وتجمع آلاف الفرنسيين في مدن عدة احتجاجًا على تعديل نظام التقاعد، وعلى استخدام البند 49.3 من الدستور.
تصعيد من قبل النقابات
من جهتها، أعلنت "تنسيقية النقابات" مواصلة التعبئة ضد التعديل، ودعت إلى إضراب عام وإلى تنظيم مظاهرات الخميس المقبل. كما نددت بتمرير مشروع القانون، واعتبرت النقابات أنه مرر بـ"القوة"، مشيرة إلى "المسؤولية التي تتحملها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار" وهو ما اعتبرته "إنكارًا حقيقيًا للديمقراطية".
آلاف الفرنسيين خرجوا في مظاهرات عنيفة ضد القانون، في حين دعت نقابات إلى الإضراب العام وإلى الخروج في المزيد من المظاهرات
عزلة سياسية لماكرون
الرفض الشعبي لقانون إصلاح التقاعد تسبب بعزلة سياسية بالنسبة للرئيس ماكرون، حسب صحيفة "لوموند"، رغم أنه حاول حتى آخر لحظة الحصول على أغلبية ولو ضئيلة لتمرير القانون عبر التصويت. وكان ماكرون قد أعلن أنه لا يريد اللجوء إلى المادة 49.3 وأنه يفضل أن يصوت النواب على مشروع القانون، لكن الحكومة اعتبرت في نهاية المطاف أن الذهاب إلى التصويت يعرض القانون لخطر الرفض من قبل النواب.