26-مايو-2016

(Getty)

تشهد فرنسا منذ أواخر شهر آذار/مارس تحركات شعبية على خلفية طرح الحكومة مشروع القانون الجديد الذي يحمل بعض التعديلات على قانون العمل النافذ. وارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتجاجات في ظل تواصل القبضة الحديدية بين الحكومة التي تتمسك بمشروع القانون وإصرار المحتجين على التصعيد.

تأتي فرنسا في المركز الثالث في أوروبا من حيث عدد الإضرابات بعد جنوب قبرص والدنمارك حيث تشهد إضرابات بمعدل 80 يومًا في العام

وأدت الموجة الأخيرة من الإضرابات التي شملت منذ مساء الاثنين 23 أيار/مايو ست محطات تكرير من أصل ثمان بالبلاد إلى خلل في تزويد محطات الوقود بالمحروقات بأرجاء مختلفة بالبلاد، بما فيها العاصمة باريس، حيث نجحت قوات الأمن في فك الطوق المفروض على محطة لتكرير النفط ومستودع للمحروقات في "فوس سورمير" قرب مرسيليا رغم "المقاومة الكبيرة" التي واجهتها، حسبما أعلنت مديرية الشرطة في إيجازها الرسمي.

اقرأ/ي أيضًا: صلاح عبدالسلام..أوان الصمت المقلق

وفي أولى ردود الأفعال أدان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الثلاثاء 24 أيار/مايو في حديث أجراه مع إذاعة (فرانس كيلتور) محاصرة مصافي النفط من قبل محتجين على قانون العمل، وذلك "بسبب استراتيجية يتبناها أقلية".

في المقابل حذر رئيس نقابة "الاتحاد العام للعمل" التي قادت التحرك الأخير فيليب مارتينيز من أنه "إذا لم تسحب الحكومة مشروعها فإن التعبئة ستتواصل وسيتسع نطاقها".

يأتي ذلك بعد أن وجهت فيه الحكومة على لسان رئيس الوزراء مانويل فالس، الذي يزور حكومة الاحتلال في فلسطين المحتلة هذه الأيام في إطار مساعيه لترويج مؤتمر دولي حول المبادرة الفرنسية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تحذيرًا تؤكد فيه أنها ستتعامل بصرامة مع المتظاهرين الخارجين عن القانون والمثيرين للعنف والشغب بملاحقتهم وأن السلطات العامة ستواصل إخلاء عدد من المواقع، وخصوصا مركز خزانات الوقود.إضافة إلى منع الاعتصام في الشوارع أو الميادين لتنافي ذلك مع قانون الطوارئ المعمول به في فرنسا حاليًا، منذ أحداث باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر. من جهته أكد ستيفان لو فول المتحدث باسم الحكومة أن التراجع عن الإصلاحات مسألة غير مطروحة.

تقود النقابات العمالية والعديد من المنظمات الطلابية التي دعت إلى إضرابات متتالية لأكثر من يومين أسبوعيًا بمحطات السكك الحديدية، واعتصام مفتوح في مترو الأنفاق بباريس وشبكات القطارات بالضواحي بدءًا من الثاني من حزيران/يونيو المقبل أي قبل أسبوع من افتتاح بطولة أوروبا لكرة القدم لعام 2016 التي تستضيفها فرنسا هذه التحركات متخذة من ساحة الجمهورية مقرًا لتجمعاتهم ورافعين لشعارات رافضة للقانون في اعتصام مفتوح أطلقوا عليه nuit debout أو الوقوف ليلًا.

اقرأ/ي أيضًا: تفاصيل الاستغاثة الأخيرة للطائرة المصرية المنكوبة

أعلن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، مشروع القانون في كانون الأول/ديسمبر الماضي، واعدًا بأن يصبح القانون نافذًا قبل فصل الصيف غير أنه قوبل بالرفض بعد فشل وزيرة العمل، ميريام الخمري، التي حمل مشروع القانون اسمها في إقناع النقابات به بعد إطلاق عريضة معارضة له جمعت أكثر من 900 ألف توقيع مما اضطر رئيسي الجمهورية والحكومة إلى إعادة صياغة النص تحت إشرافهما، لتعود الوزيرة إلى طرحه بعد تعديله.

يهدف القانون الجديد -الذي تقول الحكومة إنه يتضمن إجراءات ستقلل في نسبة البطالة وستخلق فرص عمل أكثر- إلى إجراءات تحدد سقف التعويضات التي تصرف للعامل في حالة تسريحه. كما يضمن القانون إجراءات تسمح بالترفيع من مدة العمل خلال اليوم الواحد، إلى اثنتي عشرة ساعة إذا تم الاتفاق داخل الشركة بعد أن كانت في حدود عشر ساعات؛ على أن يبقى معدل الساعات عند خمس وثلاثين ساعة أسبوعيًا، ويمكن أن تسمح المؤسسة أو الشركة بمدة عمل أسبوعية قد تصل إلى 60 ساعة. أما الساعات الإضافية، فينص القانون على احتساب الساعات الإضافية بعد 35 ساعة بنسبة لا تقل عن 10%، مقارنة بنسبة حالية تقدر بـ25% مما أثار حفيظة العمال وأدى إلى إضرابهم الساخط.

ليست هذه المرة الأولى التي تقف فيها الاحتجاجات عقبة أمام إقرار العديد من القوانين حيث سبق لمظاهرات مماثلة أن أطاحت بالكثير من التعديلات على القوانين التي أرادت الدولة تمريرها، من بينها محاولة رئيس الوزراء السابق دومينك دو فيلبان عام 2006 إدخال تعديلات على نفس هذا القانون غير أن عراقة التقاليد النقابية حالت دون ذلك وإذ ينص الدستور في فرنسا على حق الإضراب منذ عام 1946 حقًا مقدسًا لكل من يبيع قوة عمله في السوق الحكومي والخاص.

وتأتي فرنسا في المركز الثالث في أوروبا من حيث عدد الإضرابات بعد جنوب قبرص والدنمارك حيث تشهد إضرابات 80 يومًا في العام حسب دراسة أعدتها المؤسسة الأوروبية للنقابات والروابط المهنية عام 2013. ويأتي قطاع الصحة في صدارة القطاعات التي شهدت أكبر قدر من الإضرابات عام 2015، يليه قطاعات الصناعة، والبريد، والنقل بين المدن، والسكك الحديدية.

ويواجه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تحديات صعبة من الممكن أن تعصف بشعبيته المتراجعة داخل حزبه وفي صفوف اليسار عامة الذي يعتبر أن خيارات الحكومة الاشتراكية تتجه نحو مزيد من تكريس الليبرالية الجديدة، حيث أدى ذلك لظهور تيار رافض لسياسته في ملفي الهجرة والاقتصاد، تزعمه في بادئ الأمر وزيران غادرا الحكومة مع تشكيل نسختها الثانية هما أرنو مونبورغ (وزير الاقتصاد) وبونوا هامون (وزير التربية)، والتحقت بهما زعيمة الحزب السابقة مارتين أوبري التي ساندت الاحتجاجات منتقدة التعامل الأمني.

ومن المتوقع أن يكون لهذه التحركات الاحتجاجية أثر سلبي على الاقتصاد الفرنسي الذي يراهن على قطاعات حيوية مثل السياحة والطاقة، خاصة وأن البلاد على مشارف محطات حاسمة أولها انتخابات الرئاسة 2017. على الرغم من اعتبار البعض أن إصلاحات قانون العمل في فرنسا بموقعها في المرتبة الأولى بالنسبة لحقوق العمال على المستوى الأوروبي، لا تمثل تراجعًا خطيرًا، فإن الاحتجاجات عليها كثيرة وجدية ومازلت متواصلة، لربما هي المكاسب التراكمية للنضالات العمالية التي تمد العمال الفرنسيين اليوم بتجارب في الذود عن حقوق العمل!

اقرأ/ي أيضًا:

الدستور الليبي جاهز..ماذا بعد؟

الملا منصور..رحيل رجل طالبان الراديكالي