30-يوليو-2020

لطميات في دمشق (فيسبوك)

في ثمانينات القرن الفائت بدأ السوريون يلاحظون تواجدًا كثيفًا لإيرانيين في دمشق، وبصفة خاصة في حي السيدة زينب وحي الأمين وجادات قاسيون، وقد امتد انتشارهم إلى وسط العاصمة وأسواقها الكبرى والتاريخية كسوق الحميدية... في تلك الأثناء كان يجري تفسير الأمر لدى بعض الأوساط أنه نوع من تصدير الثورة؛ ذلك الشعار الذي تبنته إيران الخمينية إبان ما سمي: الثورة الإسلامية في إيران.

خلال الثورة السورية تم الكشف عن قيام النظام بمنح إيرانيين وعناصر من ميليشيات تابعة لها جنسيات سورية تتيح لهم التملك والتصرف كما لو أنهم سوريون أصليون

في تلك الفترة كان ثمة حلف يقوى يومًا إثر يوم بين حافظ الأسد والخميني، وبدا ذلك التواجد الإيراني في دمشق كثمرة من ثماره، وفي ذلك الوقت لم يكن الإعلام مفتوحًا مثلما هو الآن ليكشف عن مخططات كانت تتم بين حافظ الأسد والخميني لإعطاء ذلك التواجد بعدًا شرعيًا.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية الشيطان الأكبر

خلال الثورة السورية تم الكشف عن قيام النظام بمنح إيرانيين وعناصر من ميليشيات تابعة لها جنسيات سورية تتيح لهم التملك والتصرف كما لو أنهم سوريون أصليون، وتزامن ذلك مع الكشف عن إيرانيين يحملون الجنسية السورية منذ ثمانينات القرن الفائت، إي منذ مرحلة حافظ الأسد، فقد تم نوع من التحالف (العقدي) بين الأسد والخميني ضمن إطار المد (الشيعي الخميني) الذي كان هدفًا من أهداف "ثورة" الخميني الإسلامية الإيرانية. فقد سعت إيران ولم تزل لإضفاء بعد راسخ على تواجدها في سوريا، دمشق خاصة، عبر عمليات التجنيس والتملك والتصرف تمهيدًا لتغيير ديموغرافي كبير فيها، الأمر الذي تحقق خلال الثورة السورية في المناطق التي تم تهجير أهلها في أنحاء سوريا خاصة إلى الشمال، كالغوطة والقصير وداريا... وكذلك تهجيرهم إلى خارج البلد. أما في المناطق التي لم يجر فيها تهجير كبير كدمشق القديمة؛ الهدف الأكثر بروزًا للتواجد الإيراني حيث يقع حي الأمين ومقام السيدة رقية اللذين تعتبرهما إيران الخمينية مكانين دينيين يخصانها، فقد لجأت إلى عملية وحشية أخرى للاستيلاء على تلك المناطق وهي حرقها لإرغام أصحابها على بيعها لإيرانيين، بصفة خاصة لعناصر من ميليشياتها بما فيها ميليشيا الحرس الثوري تمهيدًا للاستيلاء عليها وتسهيلًا لعمليات التغيير الديموغرافي الجارية منذ اندلاع الثورة السورية.

في هذا الإطار وضع سوريون عملية حرق سوق البزورية في 25/ 7/ 2020، ذلك السوق الذي يضم رائحة دمشق والدمشقين، ما يؤكد ذلك أنه لم يكن الحريق الأول في دمشق القديمة، فقد سبقه الكثير من الحرائق كسوق العصرونية، نيسان/أبريل 2016، وغيرها الكثير. تلجأ إيران إلى حرق الأسواق والمحال التجارية والأماكن والبيوت الأثرية التي يمتنع أصحابها عن بيعها لها لاستيطانها، ويذكّر ذلك بما كانت تفعله إسرائيل بأراضي وممتلكات الفلسطينيين خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين لاستيطانها أيضًا، وبعد مرور السنوات تمكنت إسرائيل من السيطرة على فلسطين التاريخية، وهذا ما يخشاه سوريون أيضًا، أن يكون مصير سوريا على الأيدي الإيرانية مشابه لمصير فلسطين على الأيدي الإسرائيلية.

ما يخشاه السوريون أن يكون مصير سوريا على الأيدي الإيرانية مشابه لمصير فلسطين على الأيدي الإسرائيلية

ثمة اختراق مجتمعي تقوم به إيران يتم التعبير عنه بطرائق عديدة أبرزها اللطميات الحسينية والجنازات الكربلائية التي تطوف شوراع دمشق القديمة وأسواقها، وتمتد أيضًا إلى خارجها، كاللطميات التي انتشرت حول الجامع الأموي في إشارة رمزية إلى العقيدة الخمينية التي تتمثل في قرب الانتقام والثأر لقتلة الحسين وقرب انتصار "آل البيت" على الأمويين! تلك المظاهر غريبة على أهل دمشق كما السوريين عمومًا، فقد كانت تلك اللطميات تجري داخل الحسينيات والمزارات والأمكنة الدينية، وتاريخيًا ينظر السوريون إلى ذلك كله من موقع الاختلاف والتنوع العقدي الذي يُغني المجتمع، أما ما تفعله إيران عبر تلك المظاهر فهو نوع من التقسيم الطائفي للمجتمع تمهيدًا للسيطرة عليه كما جرت السيطرة على النظام والجيش ومفاصل الدولة يدءًا من العام 2011.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بقي من خرافة يوم القدس الإيراني؟

يدور هذا الأيام كلام من المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة عن إخراج إيران من سوريا، لكن ما تقوم به في المجتمع السوري يجعل منها راسخة ومسيطرة بشكل فعلي حتى وإن تم إخراجها عسكريًا، وهذا، كما يبدو، ما تخطط له وتسعى إليه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيران وضربة الذئب للأسد

أسئلة يتغاضى عنها حسن نصر الله