13-أبريل-2023
getty

تقديرات إسرائيلية عدة تحدثت عن انعكاس خطة التعديلات القضائية على الجوانب الأمنية في دولة الاحتلال (Getty)

منذ أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن خطتها للتعديلات القضائية، حتى ظهرت مظاهرات واسعة في دولة الاحتلال رافضةً لهذه الخطة، كان من معالمها الرفض الواسع للخدمة في جيش الاحتلال ومظاهرات واسعة، وصلت إلى ما يشبه العصيان في يوم إقالة وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

يلعب رئيس دولة الاحتلال دورًا فاعلًا في مفاوضات التعديلات القضائية

ومع اندلاع موجة المظاهرات، حذرت أجهزة أمن الاحتلال، تأثيرها على الأمن وإمكانية حدوث انهيار مجتمعي، فيما وصلت المبالغة في التقديرات إلى إمكانية اندلاع "حرب أهلية"، وتجمع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أن المظاهرات تحدث شرخًا في دولة الاحتلال سوف يترك تأثيرًا على الأمن فيها.

وفي هذا السياق، كان حضور رئيس دولة الاحتلال يتسحاق هرتسوغ بارزًا، ورغم منصبه الصوري، إلّا أنّه قدم عدة مقترحات من أجل التوصل إلى تسوية في خطة التعديلات القضائية، ورغم رفض هذه المقترحات من نتنياهو، إلّا أنّه تمكن من التحول إلى وسيط في المفاوضات التي تجمع الائتلاف الحكومي والمعارضة، وذلك بعد تعليق نتنياهو خطة التعديلات القضائية إلى ما بعد عيد الفصح اليهودي.

وتحدث هرتسوغ حول المفاوضات وخطة التعديلات القضائية بشكلٍ مطول لأول مرة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مشيرًا إلى أمله بالتوصل إلى حل وسط، لا يحل الجدل الدائر حول السلطة القضائية، ولكنه يساهم في إنهاء "جوانب الغموض الدستورية الأخرى التي ظلت دون حل منذ عام 1948"، عندما تأسست دولة الاحتلال فوق نكبة الشعب الفلسطيني.

أصوات من تحت الركام

وحول جزئية إمكانية إيجاد دستور لإسرائيل، قال هرتسوغ: "إنها فرصة محتملة للحظة دستورية، لحظة يمكننا فيها توجيه إسرائيل إلى بنية أقوى وأكثر مرونة".

ورغم تحذيره من إمكانية اندلاع حرب أهلية، إلّا أنه تراجع عن هذه التصريحات في مقابلته مع نيويورك تايمز، رافضًا اعتبار المظاهرات وتفسير الانقسام الداخلي باعتبارها علامةً على الضعف العسكري.

والمقابلة تأتي بعد أيام من انطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان تجاه شمال فلسطين وليلة من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وحول ذلك قال هرتسوغ: "لا تخدعوا أنفسكم، لقد كنا دائمًا متحدين عندما يتعلق الأمر بالدفاع والأمن، إسرائيل قوية للغاية وقادرة على اتخاذ إجراءات إذا لزم الأمر"، وفق تعبيره.

ورغم حديث هرتسوغ، إلّا أن هناك تقديرات أمنية عدة تشير إلى خطر خطة التعديلات القضائية على دولة الاحتلال، والانقسامات في داخلها، وإلى جانب هذه التقديرات، كان أبرز تجليات هذا الموقف خطاب وزير الأمن يوآف غالانت، الذي تسبب في إقالته من قبل نتنياهو، قبل التراجع عنها.

وضمن الانتقادات الموجهة إلى خطة التعديلات القضائية، يشار في إسرائيل إلى أن نتنياهو يريد تقليل نفوذ القضاء لتجنب العقوبة في محاكمته بالفساد. بدوره، نفى هرتسوغ -الذي يملك سلطة العفو عن نتنياهو- في المقابلة أنه كان يجري محادثات منفصلة مع رئيس الوزراء حول العفو عنه.

وحول المفاوضات التي تعقد بوساطة هرتسوغ حاليًا، قال "أنا أحمل عبئًا تاريخيًا على كتفي، ربما أكون العنصر الوحيد في الحياة العامة الإسرائيلية الذي يمكن لجميع الأطراف أن يشعروا بالحرية في المجيء والتحدث معه والثقة فيه".

getty

يشار إلى أن هرتسوغ، انتقل من مهنة المحاماة إلى السياسة، وكان جده حاخامًا رئيسيًا لإسرائيل، ووالده حاييم هرتسوغ كان رئيسًا لدولة الاحتلال، كما ترأس حزب العمل، وانتخب رئيسًا لدولة الاحتلال عام 2021.

مؤخرًا، انخرط هرتسوغ في الدبلوماسية الإسرائيلية في العلن وخلف الكواليس، وساعد في تطبيع العلاقات مع تركيا، وأصبح أول مسؤول إسرائيلي كبير يزور أنقرة منذ سنوات. وفي الخريف الماضي، ساعد في حل خلاف مع ألمانيا حول تعويض عائلات الرياضيين الإسرائيليين الذين قتلوا في الألعاب الأولمبية عام 1972.

ومنذ تولي حكومة نتنياهو السلطة في أواخر كانون الأول/ ديسمبر، ركز هرتسوغ على إسرائيل نفسها.

أمّا حول جلسات المفاوضات التي تعقد حاليًا، قال هرتسوغ إن العديد من هذه القضايا يمكن معالجتها الآن، لكنه امتنع عن إعطاء تفاصيل كاملة لتجنب تعريض المحادثات للخطر. وتتابع الصحيفة "رغم ذلك فهو متفائل، وأضاف أن الحكومة أشارت إلى أنها قد تنتظر حتى أواخر الصيف للتوصل إلى حل وسط".

واستكمل، قائلًا: "هناك الكثير من حسن النية منذ أن بدأنا المفاوضات قبل أسبوعين". موضحًا: "أنا لست ساذجًا. لكن، ما زلت أعطيها فرصة"، أي المفاوضات.

getty

إلى أين وصلت المفاوضات؟

أجرت فرق المفاوضين من الائتلاف والمعارضة الإسرائيلية مناقشات مكثفة حول التعديلات القضائية المقترحة للحكومة في مقر إقامة رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ يومي الإثنين والثلاثاء، استعدادًا لأيام المفاوضات التي من المرجح أن تبدأ الأسبوع المقبل.

وشملت هذه النقاشات يوم الإثنين ثلاث ساعات بين ممثلي الائتلاف وممثلي أحزاب يوجد مستقبل والمعسكر الوطني، بحضور مستشارين وخبراء في القانون الدستوري. وركز الاجتماع على بناء إطار عمل لاستئناف المحادثات بعد عيد الفصح، كما اجتمعت فرق يوجد مستقبل والمعسكر الرسمي لتنسيق مواقفهم.

وقال المعسكر الرسمي (بزعامة بني غانتس) في بيان، الثلاثاء، إن جميع الأطراف وافقت على طلب رئيس الحزب عضو الكنيست بيني غانتس، للبدء في موضوع لجنة اختيار القضاة.

وكان سبب الطلب ذا شقين: أولاً، كانت القضية في صلب التعديلات، حيث تناولت مبدأ عدم تسييس المحاكم، وكما سيسمح حلها بالتقدم وبناء الثقة، في حين أن الفشل في حلها سيجعل بقية المحادثات بلا جدوى.

ثانيًا، وجود قانون الائتلاف لتعديل لجنة اختيار القضاة، على طاولة الكنيست وينتظر التصويت عليه بالقراءة الثانية والثالثة.

getty

من جانبه، أصدر فريق التفاوض عن الائتلاف، بيانًا يوم الثلاثاء قال فيه إنه يبذل "قصارى جهده" للتوصل إلى إجماع واسع حول إصلاح قضائي "جدير"، لكن "الإنذارات" و"نشر الشعارات على الصحافة" لن يفضيا إلى اتفاق. وأضاف البيان: "ندعو جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس والمسؤولية، وفهم فداحة اللحظة". وتابع بالقول: "يُصر الائتلاف على حقه في دفع إصلاح لضمان عودة التوازن مقابل السلطة القضائية كما هو مقبول في العالم الغربي".

يشار إلى أنه في 3 نيسان/ أبريل، انطلقت المفاوضات بين الائتلاف والمعارضة في إسرائيل، وعقدت غالبية المناقشات بين خبراء في القانون وحتى نهاية عيد الفصح، بهدف تحديد نقاط الجدل الرئيسية والمواقف من كل جانب والتسويات المحتملة. مع الاتفاق على عقد مفاوضات شاملة، بمعنى عدم إمكانية التوافق على جزئيات معينة فقط دون التوافق على أخرى.

وبحسب تقديرات صحيفة يديعوت أحرونوت فإن "الاختبار الحقيقي سيكون بعد عيد الفصح"، نظرًا لأن المحادثات الحالية ركزت على الجوانب الفنية، حيث ستبدأ المحادثات المكثفة بعد انتهاء العطلة، ما التوافق على أن يكون "الحل شاملاً في جميع القضايا".

وحول مفاوضات يوم الإثنين، قالت مصادر مسؤولة مطلعة على المفاوضات إن "الأجواء في الغرفة كانت جيدة للغاية وأن المحادثة كانت في صلب الموضوع"، وأشارت يديعوت أحرونوت إلى أن الأطراف انتقلوا "من لغة النزاع إلى لغة إنشاء الاتفاقيات، لكنهم لم يتحدثوا بعد عن الحلول، بل انخرطوا في الاستعدادات لأسبوع المفاوضات الذي سيعقد الأسبوع المقبل".

getty

وأوضحت الصحيفة العبرية أنهم لم يتم وضع أي خطوط حمراء أو شروط مسبقة، فيما ستشمل النقاشات القانون الأساسي للتشريع، ولجنة اختيار القضاة، وبند المعقولية، وأمين المظالم، وتنظيم الحقوق وغير ذلك من المواضيع التي ستظهر في النقاشات وستكون جزءًا من الموضوعات الأساسية في مركز المحادثات.

وتم التوافق حتى الآن على أن تكون المفاوضات الشاملة، وبلغة يديعوت أحرونوت "سيكون من المستحيل الاتفاق على بعض القضايا فقط"، نظرًا لاعتبار أن كل القضايا الخلافية متشابكة مع بعضها البعض.

تشير صحيفة يديعوت أحرونوت إلى المفاوضات الجدية ستكون بعد عيد الفصح اليهودي

وتقول يديعوت أحرونوت: "على الرغم من الجو الجيد، لا أحد في المحادثات يخدع نفسه. تعرف الأحزاب أن هناك شكوكًا في كل من اليمين واليسار ، ومن المحتمل أيضًا أن يكون للبعض مصلحة في فشل المحادثات". وتضيف "الرسالة من مقر هرتسوغ هي أنه ينبغي عليهم تبني نهج أكثر براغماتية والبحث عن أي طريقة للتوصل إلى إجماع". وتتابع، قائلةً: "على الرغم من أنه من المحتمل ألا يتوصل الطرفان إلى اتفاق في غضون ثلاثة أيام، إلا أنهما سيكونان على الأقل قادرين على تحديد نقاط الاتفاق والخلاف وصياغة جدول زمني لمواصلة المحادثات".