16-نوفمبر-2017

تصاعد الأزمة الاقتصادية يدفع فنزويلا لحافة إعلان الإفلاس رسميًا (كارلوس غارسيا/ رويترز)

تتقدم فنزويلا شيئًا فشيئًا نحو هاوية الإفلاس، وذلك بعد أن أعلنت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندارد آند بورز"، لأول مرة، عن أن فنزويلا في حالة "تخلف انتقائي" عن تسديد ديونها، وذلك مباشرة بعد اجتماع للدائنين الدوليين مع حكومة كراكاس في نيويورك يوم الإثنين الماضي، والذي لم يسفر عن اتفاق بينهما، في وقت تشتد فيه الأزمة الاقتصادية بسكان فنزويلا.

تتقدم فنزويلا شيئًا فشيئًا نحو إعلان الإفلاس رسميًا مع عجزها عن سداد ديون تقدر بـ200 مليون دولار

عجز عن سداد الديون

وقالت وكالة "ستاندارد آند بورز" في بيان لها، إن "فنزويلا في حالة عجز عن تسديد 200 مليون دولار كديون"، مضيفة أنها اتخذت قرارها بتصنيفها كدولة "على وشك الإفلاس"، بعد فترة عفو من ثلاثين يومًا لتسديد قيمة سندين، لكن مرت الفترة دون أن تقوم كراكاس بذلك، وهو وضع قد يعرضها إلى ملاحقات قضائية دولية ومصادرة لممتلكاتها الخارجية، وربما يصل الأمر إلى تجميد صادراتها النفطية في الأسواق العالمية.

اقرأ/ي أيضًا: شوارع كاراكاس تشتعل.. خبز قليل قمع أكثر

وتحاول الحكومة الفنزويلية التفاوض مع الأطراف الدائنة حول القروض العاجلة ومتوسطة الأمد، من أجل إعادة هيكلة سدادها بطريقة تتيح لكراكاس رد ديونها بأريحية، لكن وكالة "ستاندارد آند بورز" للتصنيف الائتماني، تعتبر "أي مقايضة للديون المتعثرة هي متساوية مع حالة التخلف عن السداد، نظرًا للسيولة الخارجية المحدودة التي تملكها فنزويلا"، ومن ثمّة تستبعد قدرة كراكاس عن سداد ديونها في الوقت القريب والمتوسط.

تزداد التخوفات من وصول الأزمة الاقتصادية لدرجة المجاعة بسبب النقص الهائل في البضائع المستهلكة يوميًا (بي بي سي(
تزداد المخاوف من وصول الأزمة الاقتصادية لدرجة المجاعة بسبب النقص الهائل في البضائع المستهلكة يوميًا (بي بي سي)

وتعاني فنزويلا صعوبة كبيرة في أداء ديونها الخارجية، وتقدر قيمتها بـ150 مليار دولار، يفترض تسديدها في فترات قريبة ومتوسطة الأمد، وذلك لأن خزينتها المالية لم تعد تملك سوى أقل من 10 مليار دولار في احتياطاتها من العملة الصعبة. وكانت فنزويلا قد تخلفت قبل ذلك عن عدة استحقاقات لتسديد ما عليها من قروض في المواعيد المحددة، فيما يتوجب عليها تسديد 1.47 مليار دولار على الأقل قبل نهاية العام الجاري، ثم ثمانية مليارات أخرى في 2018.

وعلى إثر الأزمة الفنزويلية، عقد مجلس الأمن جلسة غير رسمية قاطعتها روسيا والصين، ومن الدول الأعضاء غير الدائمين مصر وبوليفيا، وذلك يوم الإثنين الماضي، قالت خلالها سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، إن "الوضع في فنزويلا هو أكثر من مأساة إنسانية"، ووصفت فنزويلا خلال الجلسة بأنها "دولة مخدرات تزداد عنفًا يحكمها دكتاتور"، واعدة بتصعيد العقوبات الأمريكية ضد فنزويلا، مع العلم بأنّ 70% من الدائنين هم من الولايات المتحدة وكندا.

بدوره، فرض الاتحاد الأوروبي حديًثا، عقوبات على فنزويلا، تتضمن حظرًا على الأسلحة والمعدات التي يمكن استخدامها للقمع السياسي، في محاولة لضغط على الرئيس نيكولاس مادورو، المتهم من قبل الأمم المتحدة باستخدام العنف المفرط ضد المحتجين المدنيين. كما تستعد المفوضية الأوروبية لوضع لائحة سوداء، تضم الأفراد والكيانات الفنزويلية التي قد تخضع للعقوبات الأوروبية، داعية إلى تبني "الحوار البناء والتفاوض" كسبيل وحيد لحل الأزمة الفنزويلية.

فقر في العملة الصعبة

فنزويلا، البلد الذي يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، متفوقًا على السعودية، بات يعيش جفافًا في السيولة النقدية الأجنبية. فمنذ هبوط أسعار النفط في 2014، بدأت خزينة العملات الصعبة بالنفاذ، خاصةً وأن الاقتصاد الفنزويلي يرتكز بشكل كبير على الصادرات النفطية، إذ تشكل الأخيرة نسبة 90% من إجمالي العائدات النقدية الأجنبية لفنزويلا، في ظل إهمال الحكومة للقطاعات الإنتاجية الأخرى.

بدأت فنزويلا تعاني اقتصاديًا بعد هبوط أسعار النفط منذ 2014، وذلك لأن اقتصادها يعتمد بنسبة 90% على الصادرات النفطية

وزاد الأمر سوءًا حالة التهريب الجامح للأموال الذي عرفته كراكاس طوال العقدين الأخيرين، حيث تورد منظمة النزاهة العالمية، في تقرير لها، أنه تم تهريب ما يناهز 123 مليار دولار نحو البنوك الخارجية، أي بمعدل تهريب 12 مليار دولار سنويًا، علاوة على الفساد الحكومي المستشري، وقلة الكفاءة في تدبير الأزمة المالية، خاصةً بعد إهمال التنويع الاقتصادي وإغلاق المجال أمام المستثمرين الخارجيين، كل ذلك قاد إلى نقص حاد في مخزون العملة الصعبة لفنزويلا.

اقرأ/ي أيضًا: فنزويلا.. مخاوف من حرب أهلية بعد تمرد عسكري فاشل

وهو ما قاد الحكومة الفنزويلية بخفض وارداتها بطريقة جنونية، فنفذت المواد الغذائية اليومية، والحاجات المستخدمة كأوراق التواليت وحفاضات الأطفال، كما عانت المستشفيات من نقص 80% من الأدوية الأساسية، وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية، وقد تسبب ذلك في اندلاع احتجاجات عنيفة مستمرة منذ نحو عام.

صراع سياسي واحتجاجات واسعة

وتشهد فنزويلا منذ نحو عام احتجاجات عنيفة، على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي انعكس تأثيرها بشكل شديد الوطأة على المواطنين. وقد لقى نحو 100 من المتظاهرين المدنيين حتفهم ببسبب التعامل العنيف من قبل الشرطة الفنزويلية.

ومنذ أن فازت الأحزاب المعارضة في أوائل 2016 بالأغلبية البرلمانية بنسبة 65%، بدأ صراع سياسي في فنزويلا بين المعارضة وداعميها من المتظاهرين من جهة، والرئيس نيكولاس مادورو وأنصاره من جهة أخرى، حتى كاد يتطور الأمر إلى حرب مسلحة في كراكاس، بعد محاولة تمرد عسكري حصل في آب/أغسطس الماضي.

تعرف فنزويلا احتجاجات ضخمة منذ نحو عام بسبب الأزمة الاقتصادية (فيديريكو بارا/ أ.ف.ب)
تعرف فنزويلا احتجاجات ضخمة منذ نحو عام بسبب الأزمة الاقتصادية (فيديريكو بارا/ أ.ف.ب)

وكان الرئيس نيكولاس مادورو قد سعى إلى سد الطريق أمام الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية عبر السيطرة على المحكمة العليا، من خلال منعه ثلاثة مُشرّعين محسوبين على المعارضة من أداء اليمين، بهدف ضمان عدم حصول الأخيرة على الغالبية العظمى بالمحكمة، ثم بعد ذلك أعلن نيكولاس مادورو عن قيام جمعية تأسيسية تتمتع بصلاحيات دستورية واسعة، منها حل البرلمان، في محاولة منه للالتفاف على المعارضة المهيمنة على البرلمان الفنزويلي، ومن ثمة فتح المجال لتمرير سياساته الحكومية دون عرقلة من قبل نواب المعارضة، وهي القرارات التي رفضها المجتمع الدولي.

​التدهور الاقتصادي صاحبه صراع سياسي كاد أن يتحول لحرب أهلية بعد محاولة تمرد عسكري فاشلة قبل أشهر، إضافة لاحتجاجات مستمرة منذ عام

في المقابل يُحمّل نيكولاس مادوررو المعارضة مسؤولية الاحتجاجات العنيفة وتوقف الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، متهمًا إياهًا بـ"خدمة أجندات خارجية ونخبة المال في البلد، من أجل كسر الثورة البوليفارية الداعمة للفقراء".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فك الارتباط بين النمو الاقتصادي وانخفاض سعر النفط

من عصر الدول الاستعمارية إلى عصر الشركات المستعمرة