01-يوليو-2017

تشهد الاحتجاجات الفنزويلية اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن (فيديريكو بارا/ أ.ف.ب)

كيف لبلد غني بالنفط أن ينتهي به المطاف إلى انهيار اقتصاده؟ يكمن الجواب في تجربة فينزويلا، التي تشهد منذ ثلاثة أشهر احتجاجات دامية من أجل إسقاط حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، المتهم من قبل المعارضة بالتسبب في إفلاس الاقتصاد الفنزويلي بشكل تام، مما تسبب في أزمة معيشية خانقة بالبلد.

لا طعام ولا دواء في فنزويلا

منذ نيسان/أبريل الماضي، يخرج آلاف المحتجين في فنزويلا إلى الشوارع بشكل شبه يومي، للمطالبة باستقالة الرئيس نيكولاس مادورو من الحكم، وهم يحملون صفارات ولافتات ويقرعون أواني الطبخ احتجاجًا. وقد خلفت حتى الآن المواجهات بين مؤيدي المعارضة والقوات الأمنية، ما يناهز 80 قتيلًا من المحتجين ورجال الأمن، بالإضافة إلى اعتقال المئات.

تعاني فنزويلا أزمة اقتصادية خانفة منذ 2016، دفعت بخروج احتجاجات عنيفة، وصلت إلى حد الاشتباكات بالسلاح بين المحتجين وقوات الأمن

ويبدو أن فنزويلا تقترب من حرب أهلية وسط اتهامات بين المعارضة والرئيس الفينزويلي بتصعيد الوضع والدفع باتجاه العنف. وكانت المحكمة العليا الداعمة للرئيس، قد تعرضت في العاصمة كاراكاس، قبل أيام قليلة، لهجوم ناري طوال ساعتين من قبل مروحية يُشتبه في أن قائدها ضابط أمن يدعى أوسكار بيريز. وقد اعتبر الرئيس الفنزويلي، الهجوم على المحكمة العليا، "محاولة انقلاب" من وحدة معارضة في الشرطة الفنزويلية.

فنزويلا، البلد العائم على النفط، تعرف أزمة اقتصادية خانقة منذ 2016، خلّفت نقصًا حادًا في استيراد المواد التموينية الأساسية، ليجد المواطنون الفنزويليون أنفسهم تحت تهديد شبح الجوع والمرض، بعد أن غابت الأغذية والأدوية من رفوف المتاجر.

اقرأ/ي أيضًا: طارق العسيمي.. بارون مخدرات حزب الله في فنزويلا

 وتنتشر مشاهد معاناة الفنزويليين وهم يبحثون في مكبات القمامة لسد رمقهم، فيما يعجز الأطباء عن علاج المرضى في المرافق الصحية، بينما لجأ الآلاف إلى البلدان المجاورة.

جذور الأزمة الاقتصادية الفنزويلية

تطفو فنزويلا على أكبر مخزون بترول في العالم ومن خلاله تتحصل فنزويلا على %90 من عائداتها النقدية بالعملة الصعبة. ومنذ ترأس هوغو تشافيز، ارتكز الاقتصاد الفينزويلي على النفط، مهملًا بشكل كبير باقي القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة، وعندما جاء الرئيس نيكولاس مادورو في 2013، واصل السير على طريق سلفه تشافيز في دعم "الثورة البوليفارية"، معتمدًا في شرعيته السياسية على ثروة النفط لإرضاء الطبقات الشعبية الفقيرة.

وعندما انخفضت أسعار النفط في أدنى مستوياتها خلال السنوات الأخيرة بالسوق العالمية، بدأت حرارة الأزمة تشتد على فنزويلا، إذ تراجعت العائدات المالية لهذه المادة التي يعتمد عليها الاقتصاد الفنزويلي، ومن ثمّ انخفض مخزون العملة الصعبة، وبالتوازي مع ذلك عرفت فنزويلا خلال العقد الأخير تهريب جامح للدولار خارج البلاد، قدّرته منظمة النزاهة العالمية، بـ123 مليار دولار، بمعدل تهريب 12 مليار دولار سنويًا، علاوة على لجوء الحكومة الفنزويلية إلى طباعة العملة المحلية بطريقة غير محسوبة.

بالتوازي مع انخفاض أسعار النفط، شهدت فنزويلا تهريبًا كبيرًا للدولار خارج البلاد قدر بإجمالي 123 مليار دولار

كل ذلك قاد الاقتصاد الفنزويلي إلى تضخم لا مثيل له في تاريخ البلد، حيث استنفذت احتياطات العملة الصعبة، لتنهار العملة الفنزويلية بشكل كارثي. وبنهاية العام سيكون البوليفار الفينزويلي قد فقد %700 من قيمته أمام الدولار.

اقرأ/ي أيضًا: فك الارتباط بين النمو الاقتصادي وانخفاض سعر النفط

تسبب ذلك في أزمة معيشية خانقة يعاني منها مواطنو فنزويلا، بعد أن عجزت الحكومة عن استيراد المواد الأساسية من غذاء ودواء، بسبب جفاف مستوى العملة الصعبة لدى الدولة، خاصة وأن الأخيرة تعتمد على الخارج في تحصيل %80 من حاجياتها الزراعية وكل حاجياتها الدوائية.

كيف تحول الوضع في فتزويلا لأزمة سياسية؟

بدأت المشكلة الاقتصادية في فنزويلا بالتحول إلى أزمة سياسية في أوائل 2016، مع فوز المعارضة بالأغلبية البرلمانية بنسبة %65، فحشد الرئيس مادورو حلفاءه للسيطرة على المحكمة العليا، ومنع ثلاثة مُشرّعين تابعين للمعارضة من أداء اليمين، بهدف ضمان عدم حصول المعارضة على الغالبية العظمى بالمحكمة التي تحتاجها لإجراء تغييرات كبيرة في البلاد.

تشهد فنزويلا احتجاجات ضخمة ضد الرئيس نيكولاس مادورو، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة (فيديريكو بارا/ أ.ف.ب)
تشهد فنزويلا احتجاجات ضخمة ضد الرئيس مادورو، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة (فيديريكو بارا/ أ.ف.ب)

ومن هنا بدأت لعبة شد الحبل بين المعارضة التي تسيطر على البرلمان من جهة، والرئيس مادورو الذي بيده المحكمة العليا من جهة أخرى، إذ تسعى المعارضة الفنزويلية إلى إسقاط مادورو الذي تتهمه بالمسؤولية في إفلاس الاقتصاد الوطني، بينما يتهم مادورو المعارضة بـ"خدمة أجندات خارجية ونخبة المال في البلد، من أجل كسر الثورة البوليفارية الداعمة للفقراء".

تخشى العديد من الأطراف من أن تتطور الأوضاع في فنزويلا بعد الاحتجاجات بسبب الأزمة الاقتصادية، إلى حربٍ أهلية

وتسعى حكومة الرئيس مادورو إلى تحصيل ديون من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل استيراد حاجياتها الأساسية، كما تتجه نحو بيع حصص من شركاتها العمومية لتحصيل العملة الأجنبية، إلا أنها تحتاج إلى موافقة البرلمان، المسيطَر عليه من طرف المعارضة، التي تتمسك بدورها باستقالة الرئيس مادورو. وفي محاولة للالتفاف على المعارضة، قامت المحكمة العليا الداعمة للرئيس، بسن قرار يلغي الحاجة إلى موافقة البرلمان، لكن الممولين الأجانب والمنظمات المتعددة والعديد من البلدان يرفضون إقراض المال دون توقيع الكونغرس الفنزويلي.

اقرأ/ي أيضًا: من عصر الدول الاستعمارية إلى عصر الشركات المستعمرة

وتخشى العديد من الأطراف الدولية، خاصة من البلدان المجاورة، من انزلاق الأوضاع بعد انهيار الوضع الاقتصادي إلى حرب أهلية، تصل نيرانها إلى الجوار، ما دعا الأمم المتحدة إلى عقد اجتماع بخصوص الأزمة، دعت فيه السفيرة الأميركية في المنظمة، نيكي هايل، إلى "العمل على ضمان إنهاء الرئيس نيكولاس مادورو هذا العنف والقمع واستعادة الديمقراطية للشعب". كما تستمر قيادات المعارضة المدعومة علنًا من واشنطن باستغلال الغضب الشعبي والقمع الحكومي لتبرير كل صداماتها مع مادورو والتغطية على دورها المعطل لحل بعض مفاصل الأزمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دافوس 2016.. تحلل الثروة من مصائر الكادحين

بعد الاتحاد الإفريقي.. توجّه مغربي حذِر نحو أمريكا اللاتينية