22-نوفمبر-2023
غلاف كتاب إسرائيل الدولة الخاطفة

كتاب إسرائيل: الدولة الخاطفة (الترا صوت)

انتشر مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قديم يظهر فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن عام 1986 قائلًا: "إنه أفضل استثمار قدره 3 مليار دولار يمكن أن نقوم به، ولو لم تكن هناك إسرائيل، لاخترعت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل". وقد كرّر بايدن جملته الأخيرة خلال لقائه مع الرئيسي الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عام 2022.

يُثير ما سبق تساؤلات عديدة حول سر هذا الارتباط القوي بين الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل"، يمكن اختصارها في سؤال: لم يُعتبر وجود "إسرائيل" ضروري وحتمي لهذه الدرجة بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟

يقدّم كتاب "إسرائيل: الدولة الخاطفة" رؤى عميقة حول جذور العلاقة المعقدة والمثيرة للجدل بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية

لاستكشاف هذه العلاقة المعقدة، يتعيّن علينا العودة إلى كتاب "إسرائيل الدولة الخاطفة: كلب الحراسة الأمريكي في الشرق الأوسط" للمفكر اليهودي البريطاني جون روز. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب ليس معروفًا على نطاق واسع، إلا أنه يقدم رؤى قيمة حول جذور العلاقة المعقدة والمثيرة للجدل بين البلدين، ويسلط كذلك الضوء على عواقبها وتداعياتها على ملايين الأبرياء الذين لا يزالون يدفعون ثمنها حتى الآن.

الأسس التاريخية

واجهت الولايات المتحدة الأمريكية موجة استنكار عالمية كبيرة بعد قصفها لليبيا في عام 1986. رغم ذلك، أيّدت "إسرائيل" ما قامت به واشنطن بصورة تامة. وقد كان هدف الولايات المتحدة من القصف، وهو الأول منذ هزيمتها في حرب فيتنام، تأكيد قوتها والتغلب على "متلازمة فيتنام"، خاصةً بعد إصدار مجلة "بيزنس ويك" عددًا خاصًا حمل عنوانًا لافتًا هو "انهيار السطوة الأمريكية".

ومن أجل الحفاظ على "هيبة" القوة الأمريكية وتأكيد سطوتها، انتُخب رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية عام 1980، وقد حاول إثبات تلك القوة بطرق مختلفة، لكنه أخفق. وبعد تأكد فشل كافة احتمالات التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط، قرر ريجان إثبات قوة بلاده بالاعتماد على البدائل، والبديل الرئيسي في الشرق الأوسط هو "إسرائيل!".

لذا، رأت "إسرائيل" في قصف الولايات المتحدة لليبيا فرصة لإعادة تأكيد التزامها بخدمة المصالح الأمريكية باعتبارها وحدها القادرة على خدمة هذه المصالح على أفضل وجه. وقد روّجت الصحف الأمريكية حينها لسردية مفادها أن "إسرائيل" والولايات المتحدة سيخلِّصان العالم من "الإرهاب"، مع التركيز على الروايات التي تؤكد كفاح "إسرائيل" البطولي ضد الاضطهاد، في تجاهل لتام لحقيقة أن تاريخ "إسرائيل" يؤكد العكس، ذلك أنها قامت على ممارسات إرهابية تشمل القتل والتهجير.

الإمبريالية والنفط والهيمنة الإقليمية

 أيقظ القصف الأمريكي لليبيا عام 1986، بدعمٍ قوي من بريطانيا و"إسرائيل"، شبح الإمبريالية الأمريكيةوتطلعات حلفائها للسيطرة على الشرق الأوسط. وكان هدف الإمبريالية هو البحث عن النفط. فعلى الرغم من التراجع المؤقت في اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط، إلا أن احتياطيات المنطقة التي تمثّل أكثر من نصف موارد العالم غير المستغلة، كانت تحمل أهمية استراتيجية دائمة بالنسبة إلى القوى الغربية التي سعت إلى السيطرة عليها.

وبدأ السعي للسيطرة على موارد النفط في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى التي أبرزت أهمية البترول واعتماد الحكومات عليه من أجل البقاء، حيث بدأت حينها مساعي ونستون تشرشل للسيطرة على شركة النفط الأنجلو-فارسية. وبالفعل، حصلت بريطانيا على حصة تعادل 51 بالمئة من الشركة، وكان هذا بمثابة بداية الهيمنة الغربية في المنطقة.

وجاءت نقطة التحول مع إنشاء شركة نفط العراق عام 1928، وهي اتحاد يضم شركات النفط الأمريكية والبريطانية للسيطرة على مناطق عربية شاسعة لإنتاج النفط بشكل يعزز السيطرة الغربية في المنطقة. كما امتد الأمر إلى المملكة العربية السعودية التي أظهرت عداءً شديدًا لدولة "إسرائيل"، لكن الولايات المتحدة استطاعت التوصل إلى توازن دقيق بين دعم "إسرائيل" ومصالحها النفطية، وتنظيم العلاقات مع النظام الملكي السعودي وامتصاص غضبه تجاه "إسرائيل".

ثم دبّرت وكالة المخابرات المركزية انقلابًا عام 1953 في إيران لإجبار شركات النفط التابعة لها على تأمين السيطرة على النفط الإيراني. وهكذا استبدلت الولايات المتحدة بريطانيا كقوة إمبريالية مهيمنة ومسيطرة على نفط الشرق الأوسط، وأصبحت في الوقت نفسه الراعي الرئيسي لـ"إسرائيل".

لكن أزمة النفط عام 1973 جاءت لتتحدى سيطرة الغرب بعد اجتماع البلدان المنتجة للبترول لتأسيس منظمة "الأوبك"، ومطالبتها بصفقة أفضل لقاء بترولها إضافةً إلى كبح جماح "إسرائيل" التي ترتكب المجازر بحق الفلسطينيين. كما هددت بقطع توريدات النفط إلى الغرب وإعلان الحظر النفطي، إلا أن الولايات المتحدة، مسترشدةً بتحالفها مع "إسرائيل"، تمكّنت من النجاة من الأزمة من خلال التحالفات العسكرية والمناورات الاستراتيجية.

وبعد انهيار أسعار النفط في عام 1986 وإثارة المخاوف بشأن احتمال حدوث فوضى وعدم استقرار سياسي في البلدان المنتجة للنفط، تأكد أن الولايات المتحدة قد اعتبرت "إسرائيل"، مراقبها العسكري في الشرق الأوسط، عنصرًا لا غنى عنه للحفاظ على الاستقرار وحماية مصالحها.

التواطؤ العسكري

تبجّحت "إسرائيل" عند غزوها لبنان في عام 1982، بأنها ثالث أقوى قوة في العالم. وفي العام نفسه، صنّف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "إسرائيل" في المرتبة الرابعة من حيث القوة العسكرية بعد أمريكا والاتحاد السوفييتي والصين. وأصبح واضحًا أن الروح العسكرية تشكّل حجر أساس المجتمع الإسرائيلي، لكن هذه القدرة لن نفهم معناها إلا بوصفها امتدادًا لقدرات الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تبيّن أن المساعدات التي تم الكشف عنها علنًا في عام 1982 تبلغ قيمتها 1000 دولار لكل مواطن إسرائيلي، وهذه أعلى نسبة مساعدات في العالم.

والحقيقة أنه لو سُحبت تلك المساعدات الأمريكية سينهار اقتصاد "إسرائيل"، ولن تبقى الدولة على قيد الحياة. لكن طالما المساعدات مستمرة، ستقوم "إسرائيل" بدورها كذراع عسكرية هامة لأمريكا في الشرق الأوسط.

 وظهر هذا جليًا في حرب عام 1967 بين "إسرائيل" والدول العربية، حيث ظهرت حينها كحليف يمكن الاعتماد عليه، خاصة أن الهدف من هذه الحرب كان تقويض القومية العربية مرة وإلى الأبد، وقد كان ذلك.

يسلط الكتاب الضوء على تداعيات العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة على ملايين الأبرياء الذين لا يزالون يعانون بسببها

وعبّرت الولايات المتحدة عن استحسانها لدور "إسرائيل" في الحرب في مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية جاء فيها: "من المحتمل إن إسرائيل عملت للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالنسبة للأموال الموظفة والجهد المبذول أكثر من أي دولة من حلفائنا وأصدقائنا المزعومين وفي أي مكان في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد كسب الإسرائيليون الحرب بمفردهم وخلّصونا من الورطة، وخدموا مصالحنا ومصالحهم على حد سواء".

كما ساعدت "إسرائيل" الولايات المتحدة بتقديم المساعدة العسكرية لأنظمة وحشية لا تستطيع تلقي الدعم الأمريكي المباشر، مثل بلدان أمريكا الجنوبية وديكتاتوريات جنوب أفريقيا وأمريكا الوسطى، إلى جانب تصدير "إسرائيل" للأسلحة إلى دول مثل الأرجنتين وتشيلي، وذلك فقط لتأكيد دورها كلاعب رئيسي في تعزيز المصالح الأمريكية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

لذا، لم يكن غريبًا عندما غزت "إسرائيل" لبنان في عام 1982 أن تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، وتغض الطرف عن الدمار الذي سببته، وما زال غض الطرف والدعم الأعمى قائمًا حتى هذه اللحظة.