02-أكتوبر-2019

يقول المثل: إرضاء الناس غاية لا تدرك (Getty)

الترا صوت - فريق الترجمة

قيل فيما قيل قديمًا: "إرضاء الناس غاية لا تُدرَك"، ومع إضافة عامل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعية إلى هذه المعادلة التي أعادت تعريف حدودنا وعلاقاتنا الاجتماعية بطريقةٍ يستحيل عكسها؛ ستكون المحصّلة تحول نزعة "إرضاء الناس" والرغبة في كسب إعجابهم ومديحهم، إلى هوسٍ عارمٍ في العصر الحديث بصورةٍ غير مسبوقة.

قد تؤدي محاولات إرضاء الناس لأنماط سلوكية قهرية تضرب في عمق نفس الإنسان، ولمشاكل نفسية أكثر تعقيدًا

باختصار، من يسعى لإرضاء الناس، هو إنسانٌ يستمدّ جلّ قيمته الشخصية مما يستطيع فعله للآخر. تحاول هذه المقالة، المنقولة بتصرف عن موقع Psychology Today، التوسع في مفهوم "إرضاء الناس" ومخاطره، والطرق التي يمكن من خلالها الحد من هذه النزعة.

اقرأ/ي أيضًا: متى تكون الأنانية مفيدة؟!

ما هي مخاطر متلازمة إرضاء الناس؟

يسعى الشخص لتحصيل رضا الناس أملًا في توطيد شعور حاجة الآخرين له، وتقليل مخاوفه من ترك الناس له. لكن المؤسف، أن ذلك يؤدّي إلى أنماطٍ سلوكيةٍ قهرية تضرب جذورًا أعمق في نفس الإنسان ومشاكل نفسية أكثر تعقيدًا، مثل الخوف من مرارة الرفض، والحقد، والإحباط، والغضب، واحترام الذات المتدني، والإدمان، والتنمر، واضطرابات الطعام.

إرضاء الناس
محاولات إرضاء الناس قد تسبب الشعور بالإحباط

جميعنا عرضةٌ للوقوع في شرك متلازمة إرضاء الناس: الأطفال الصغار منا، والمراهقون والبالغون وحتى الآباء. وقد تحدثت الكاتبة هارييت بريكر في كتابها "Disease to Please" عن قضية إرضاء الناس، قائلةً: "يقول الناس غالبًا: نعم، وهم يريدون قول: لا، ذلك لأن الأخيرة تشعل شرارة سلسلةً من المشاكل العاطفية".

Disease to Please
غلاف كتاب "Disease to Please"

وهكذا، تصبح هذه الحاجة التي يصعب احتواؤها لتحصيل موافقة الآخرين، أمرًا أقرب إلى إدمان. فهذه المخاوف المنهكة من الغضب والمواجهة، تضطرهم إلى استخدام درع "اللطف" و"إرضاء الناس" لحماية أنفسهم.

ووجدت دراسة تناولت أساليب التكيف وسلوكيات الأكل، أن أساليب التكيف السلبية مثل إرضاء الناس، لها علاقةٌ طرديةٌ بزيادة الوزن، وأن آلية التكيف هذه تحديدًا شائعةٌ أكثر بين النساء، إذ إن 54% من النساء قالوا أنهم يلجؤون إلى آلية إرضاء الناس مقارنةً بما نسبته 40.3% من الرجال.

كما أجرى الطبيب النفسي، سيونغ تشوي، دراسةً عام 2004، تناولت 500 ألف عينةٍ اختبارية تتراوح أعمارها ما بين 18 و65 عامًا. واكتشف انتشار سلوكيات الأكل والتمارين غير الصحية، وسمات أنماط التكيف بين عينةً كبيرة من الذين يعانون الوزن الزائد والبدانة من البالغين الذين شاركوا في هذه الدراسة.

كيف يمكن رصد نزعة إرضاء الناس؟

إليك بعض الأسئلة التي تساعدك على تشخيص سلوكيات إرضاء الناس التي تعمل بها ومواجهة التحديات النفسية:

  • هل تدفعك المصادقة والموافقة الخارجية؟

المشكلة هي أن تحصيل الموافقة من العالم الخارجي هي معادلةٌ متغيّرة يصعب التعويل عليها، فباختصار: مطاردة هذا النوع من الموافقة، أملًا في أن يكون وسيلةً لبناء الثقة بالنفس هي وصفةٌ لا تُؤتي سوى اليأس والإحباط.

  • هل تنزل عند آراء الناس؟

أمرٌ كهذا يجعل اختيار القرارات مهمة صعبةً جدًا إن لم تكن مستحيلة، فمعرفة آراء الناس، كما تعرف، تنطوي على الكثير من التكهن وأنت تحاول ما يريده هذا الإنسان أو ما يفكّر فيه.

  • هل تتحمّل مسؤولية أفعالٍ لم تكن أنت من أقدم عليها؟

الاعتذار عن سلوكياتٍ لم تبدر منك في سبيل نزع الضغط عن أحد أصدقائهم أو أقاربهم هي من سمات متلازمة "إرضاء الناس".

وتكمن المشكلة هنا أنك لن تجد التقدير وردّ الجميل من الشخص الآخر على ما قدّمته من تضحية، لتكون النتيجة هي شعورك بالمرارة والحقد.

  • هل تراعي مشاعر الآخرين بدلًا من مشاعرك؟

إن فكرة الاعتناء بالنفس هي فكرةٌ غريبةً وبعيدةً عن أذهان من يميلون إلى إرضاء الناس، وفي المقابل هم غارقون في رعاية الآخرين بتوقع رغبتهم واحتياجاتهم، وفي نفس الوقت تتنامى لديهم مشاعر الحزب والمرارة دون أن يجدوا من يعتني بهم. 

  • هل تعرض النصيحة والمساعدة وحلول المشاكل دون أن يطلب منك الناس ذلك؟

ينزع معظم الناس إلى فعل ذلك لإثبات قيمتهم في علاقةٍ ما، خوفًا من أن يبتعد عنهم الشخص الآخر. مرةً أخرى، المشكلة في شيءٍ كهذا هو أنه غير مجدٍ، فإذا كان الإنسان لا يشعر بالثقة في علاقةٍ ما، فهذا السلوك ليس حلًّا لهذه المشكلة.

الإحباط
فكرة الاعتناء بالنفس هي فكرةٌ غريبةً وبعيدةً عن أذهان من يميلون إلى إرضاء الناس

يعود أصل المشكلة إلى اعتقادٍ داخليٍّ في ذات الإنسان يمسّ تصوراته عن قابليته وقدرته لاستجداء حبّ الناس، وعلى النقيض من ذلك يكون محاولته استغلال شعور الآخر "بحاجته" له.

6 خطوات للتخلص من هذه العادة

1. تدرّب على قول "لا":

تذكّر أمرًا هامًا وأنت تتدرّب على ذلك: لا تحاول أن تشرّع وتبرّر رفضك بسرد الأسباب المختلفة التي دفعتك لتقول ذلك. فعلى عكس ما تأمل به، سيؤدّي ذلك إلى اللبس والارتباك، فكن حازمًا وقل بكل لطف: "لا"

2. توقّف عن تقديم النصيحة والمبادرة إلى إسداء المعروف إلا إذا طُلِبَ منك ذلك بوضوح:

ستتفاجأ أن ذلك قد يكون صعبًا في الواقع، أي التوقف عن هذه العادة، تحديدًا من الناس الذين يميلون إلى توقع رغبات الناس واحتياجاتهم.

اضبط نفسك وانتظر أن يطلب أحدٌ مساعدتك، وعليك إدراك أن هناك فرقٌ أيضًا بين من يحاول أن يفضفض وبين من يطلب المساعدة، ففي الحالة الأولى كل ما عليك هو تقدير مشاعر الآخر لا أكثر.

3. استمد شعور الرضا من داخلك:

ذكّر نفسك بصفاتك الإيجابية بدلًا من انتظار ذلك من الآخرين. استذكر ما مررت به في يومك وقدّر الإيجابي فيه.

4. توقّف عن الاعتذار:

حاول أن تتوقّف عن قول كلمة "آسف". نحن لا نشكّك في حسن نواياك، ولكن هذه الكلمة تختزل افتقارًا للثقة بداخلك.

السمنة
سلوكيات إرضاء الناس مرتبطة طرديًا بزيادة الوزن

5. اتخذ قراراتك والتزم بها:

لا تنتظر ما يقوله شخصٌ آخر أو ما تريد "المجموعة" القيام به، بل خذ قراراتك بنفسك.

والأهم من ذلك التزم بها! لا تفرط في التفكير والقلق إذا رأيت نظرات عدم الرضا على وجوه الآخرين، بل احترم وثمّن خياراتك.

6. ضع نفسك أولًا:

ما رأيك بالتالي: بدلًا من أن تنتظر أو توقع قيام الناس الآخرين بفعل أمرٍ لطيفٍ لك، كن أنت من يحسن معاملة نفسك. قدّم نفسك وافعل ما تحبّ فعله.

سترى أن هناك الكثير من الفوائد التي ستجنيها من تخفيف سلوكيات إرضاء الناس. أهمها هو الثقة المضاعفة بالنفس، والإيمان بمتانة علاقتك، وتمتعك بصفاتٍ حسنةٍ تجعل الناس يحبّوك. سيغرس ذلك أيضًا في ذهنك إدراكًا بأن الناس موجودون في حياتك رغبةً منهم بذلك، حتى لو تختصهم أنت بخدمةٍ أو إحسان.

وجدت دراسة علمية أن هناك علاقة طردية بين أساليب التكيّف السلبية مثل محاولة إرضاء الناس، وبين زيادة الوزن

ختامًا، إليك هذا الاقتباس من الفيلسوف الصيني لاوتزه: "لأن الإنسان يؤمن بنفسه، لا يتوجّه الإنسان إلى محاولة إقناع الآخر. لأن الإنسان راضٍ عن نفسه، لا يحتاج الإنسان إلى رضا الآخر. لأن الإنسان يتقبّل نفسه، سيقبله العالم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

متى تلزم زيارة الطبيب النفسي وبسرعة؟

ما العلاقة بين حنان الأهل ونرجسية الأطفال؟

7 دروس يمكن تعلمها من صديقك الانطوائي

أحبّوا أنفسكم أولًا.. 4 طرق للاستمتاع بالحياة بعيدًا عن جلد الذات