29-يوليو-2016

الجزائر ليست من الشرق وليست من الغرب الجزائر (الترا صوت)

"أيام هادئة في الجزائر"، هو العنوان الذي اختاره الصّحفي الجزائري عدلان مدّي والصّحفية الفرنسية "ميلاني ماتاريس" لكتابهما الجديد، الصادر حديثًا عن "منشورات ريفياف" بالعاصمة الفرنسية باريس، الكتاب قام بتوطئته الصحفي والروائي الجزائري كمال داود.

يروي الصّحفيان يوميات الجزائر والجزائري في ظل التّحولات والتّحديات التي يعيشها البلد، وتجدر الإشارة إلى أن عدلان وميلاني يتشاركان أيضًا رئاسة تحرير أسبوعية "الوطن ويكاند" وهي الملحق الأسبوعي ليومية الوطن، أكبر صحف الجزائر الناطقة بالفرنسية، تم إطلاق الأسبوعية منذ عام 2009، وكان هدفها إعداد ونشر تقارير قادمة من الجزائر العميقة، نفس المبدأ نجده في الكتاب، تحليل عميق ليوميات جزائر الأمس، وراهنها اليوم وما ينتظرها غدًا.

يروي "أيام هادئة في الجزائر" يوميات الجزائر والجزائري في ظل التّحولات والتّحديات التي يعيشها البلد هذه الأيام

مرة أخرى، تجد الجزائر نفسها في مواجهة مصيرها، على البلد أن يستعدّ لمواجهة عديد التّحديات التي تنتظره في المستقبل القريب، على الجزائر أن تسعى لإنجاح عملية الانتقال السياسي في هذه الوضعية الحرجة، وضعية تتّسم بوجود مسؤولين سياسيين وعسكريين يمتنعون عن ترك أماكنهم بهدوء، وعلى الجزائر أيضًا التفكير في إيجاد بديل لاقتصاد دمّره الاعتماد المفرط على عائدات النفط، كما على الجزائر التفكير في تسيير مجتمع يعيش تحت ضغط النمو الدّيمغرافي، ويأمل في حياة أفضل.

اقرأ/ي أيضًا: بنو مزاب.. ملائكة التجارة في الجزائر

تمتلك الجزائر مقومات تسمح لها بذلك، بل ويمكنها لعب دور الوسيط والضّامن لأمن منطقة يتهددها الإرهاب من كل جانب، لكن قبل ذلك على الجزائر أن تبني دولة قانون، هكذا ورد في غلاف الكتاب، الذي يحمل نصوصًا بمثابة شهادات حية لصحفيين عن الجزائر في حقبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. تناول الصّحفيان الجزائر من الدّاخل، بطريقتهما المعروفة، بكشفهما للحقائق، بالنّقد القاسي تارة وبكل الحب الذي يكنّانه للجزائر تارة أخرى، ينشر عدلان وميلاني لقاءاتهما ومغامراتهما خاصة لميلاني التي اختارت الاستقرار في الجزائر منذ عام 2006.

"أيام هادئة في الجزائر"، يضعنا أمام صورة الجزائر بمنظور رجل وامرأة من جهة، ومن جهة أخرى يضعنا أمام بلد كما يراه جزائري بالولادة وجزائرية بالقلب، هذه ميزة الكتاب، السحر الذي فيه يتأتى من هذا التزاوج بين العقل والعاطفة. الجزائر العاصمة اليوم ليست "الجزائر البيضاء" التي كنا نتغنى بها، لكنها ليست "الجزائر السوداء" التي أرادها الظلاميون، إنها بين هذا وذاك، عاصمة غير معروفة جدًا مقارنة بباقي العواصم، تشهد حاضرًا متقلبًا، مربوطًا بماض أسود ومستقبل غير مضمون، بل إن الخوف كله من المستقبل والتّحديات التي سيحملها معه، لقد أصبحت "مزغنة البيضاء" محض حنين وفقط.

الجزائر العاصمة اليوم ليست "الجزائر البيضاء" التي كنا نتغنى بها، لكنها ليست "الجزائر السوداء" التي أرادها الظلاميون، إنها بين هذا وذاك

اقرأ/ي أيضًا: تلمسان.. للمغرب العربي والأمازيغي لؤلؤته

النّصوص التي يحملها الكتاب بدأ الصّحفيان عدلان مدّي وميلاني متاريس كتابتها منذ عام 2007، ويحمل كل نص منها عنوانًا مستقلًا، طريقة كتابة تلك النصوص كانت مزيجًا بين المقالات الصّحفية والنصوص الأدبية، خاصة وأن عدلان مدّي اشتهر قبل هذا بروايته البوليسية "صلاة الموريسكي"، فكانت طريقة الكتابة جميلة جدًا، مما جعل الصّحفيين بمثابة دليلين سياحيين يأخذان القارئ في جولة بين يوميات المواطن العاصمي والجزائري عامة، متنقلين بين تناقضاته وسلوكاته، ففي أحد النّصوص وصفا الجزائر "بأنها جميلة ككوكب آخر غير كوكب الأرض"، فيما أتى في توطئة كمال داود "أن الجزائر ليست من الشرق وليست من الغرب، الجزائر رواية".

 

عند قراءة النّصوص، تحس أنك تقرأ رواية تأخذ بيدك للشارع الجزائري، تقودنا تلك النّصوص لرؤية ما لم نتمكن من رؤيته بالعين المجردة، تأخذنا في رحلة داخل متاهة، وتظهر لنا أن الكثير من الحقائق تختبئ في الظل، الكتاب يأخذنا أيضًا في رحلة عبر الزمان والمكان بتوالي السّنوات والأحداث والمدن، تيكجدة، وهران، عنّابة، غرداية، برج باجي مختار وصولًا لتمنراست في أقصى الجزائر.

يقول كمال داود في توطئة الكتاب "الجزائر هي هذه الرواية التي تأتي على شكل نصوص وحوارات ووصف للحال العام، السّؤال الذي نطرحه "من قتل هذا البلد"، نمتلك الجثة، المتهمين، الشهود، الفعل والشّك، تحت الشّمس، ما بين البحر والصّحراء"، يطرح الكتاب العديد من التّساؤلات، ويحمل في طيّاته الكثير من الإجابات أيضًا، "أيام هادئة في الجزائر"، لم يكتبه عدلان وميلاني فقط، بل كتبه كل جزائري التقاهما أو مرّ أمامهما، إنه باختصار يوميات وطن.

عدلان مدّي وميلاني ماتاريس(الترا صوت)

 

اقرأ/ي أيضًا:

عنابة.. هدية التاريخ للجغرافيا

السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل