11-نوفمبر-2021

لوحة لـ مروان قصاب باشي/ سوريا

أمي لها اسمان

اسمها الأول أميرة

اسمها الثاني قمر

عمرها

لا نعرف كم

كل مرة تقول لنا رقم غير محدد

فالدولة سجلتها قبل عام

واحتسبت عائلتها حضورها إلى العالم

بعد وفاة مبكر لشقيقة ألصق عمرها الحقيقي بها

كي لا يؤرخ موتًا

لم ينجح في اخفاء اسمها من السجلات.

أمي امرأة تتذكر كل الأحداث تقريبًا

مكر "سلايفها"

حقدهن

وغيرتهن ورغبتهن

بحصار وحروب لا تنتهي

ولا أحد يعرف بعد أسبابها المباشرة

وجعها الأبدي من رجل مهمل

فاتن

و"عِسر" كما تقول

ما زلت جرزة الملوخية ملقاة بأرض الديار في ذاكرتها منذ خمسين سنة

وذكرياتها لم تجف بعد

عن حبل غسيل طويل.

 

أمي حولت كل حياتها إلى رواية

تقصها للجميع بلا ملل

كل سائقو التكسيات في دمشق

يعرفونها

كل واحد جزء ما منها

على الأقل

كل ركاب الميكروات المكتظة

وزوار عيادات الأطباء الذين التقتهم بالصدفة

وتبادلت معهم أرقام الهواتف

وحديث الأوجاع والوصفات الطبية التي تتقن صرفها

بكرم

ودقة بالغين.

 

أمي التي كبرت في فيلم سينما

وقصة درامية تشبه أفلام شادية

وعاشت كي تشهد كل ما حدث للشام بتحفظ غامض

أفك ألغازه بكل بساطة

في مكالمات لا تقول أي شيء

ولكنها تقول كل ما حدث.

 

أمي التي يعرفها أصدقائي

ويحبها بعضهم إلى درجة التبرع بالزيارة

والمجازفة

وقطع البلاد وصولًا إلى بلكونها الذي اخترقته رصاصة

واستقرت في صدر المنزل

أمي التي دونت كل شيء في سجل ألمها الخاص

واستولت عليّ رغم أنها لم تمسسني

وعاشت بي

رغم أنها لم تقصد أو تتعمد

وكل مرة أفتح فيها الهاتف، تسرب لي قصة لا يعرفها أحد

وتحلفني "بستمية" نبي

ألا أعيد هذه القصة هنا

وأخبركم بها

أو أضع صورتها دون غطاء.

 

أمي التي تهب لي آياتها من هناك

وتقتصّ لي

من كل من يعترض حياتي

تتابع المسلسلات التركية

وتقرأ قرآن يحدث

حين تنقطع الكهرباء

أو

يعاندها النوم

التي تضحك برقة

وتصحح لي حدث وقع قبل ألف عام

بمنتهى الدقة

وبغاية الإتقان.

 

أمي التي تروي لي

الحكاية

ولا أظهر فيها إلا في لقطات جانبية

كانت من بطولة الآخرين

أدت فيه دور البطلة الأول

سحرها،

رقتها،

"سكبة رجليها" الفاتنة كما تشير

حين تتحدث عن ساقي هند رستم

وغمازات يدي شادية حين تضحك وهي تُلّمح إلى خيار أبي الذي استقر عليها لهذا السبب.

 

أمي التي سأتصل بها وسيأتي صوتها الفتي من الطرف الآخر

وإن تأخر الهاتف بالرد

سأصاب بنوبة هلع

تنتهي بعد جولة على أشقاء يتفقدونها

بدورهم كل يوم

بذات الخوف

وذات الحذر

أن يظل الهاتف يرن

يرن

ولا أحد على الطرف الآخر يفتح الخط

أو يكترث أبناء

يتشبثون بها

بذعر يائس

خوف حدث لا يجرؤن لفظ اسمه حتى

أو تخيل

ما يكون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لم ينتهِ الحديث بعد

حقل يزهر ألغامًا