كانت الشاعرة أليسيا غاليان (1970 - 1990) تعرف بأنّ موتها قريب، وبأنّها ستلحق بأخيها عاجلًا أم آجلًا، فعاشت قصّتي حبّ وكتبت -على الرّغم من تعبها وآلامها ومرضها وعلاجها- كلّ ما في حوزة خيالها، مئات القصائد، بين السادسة عشرة والعشرين من عمرها، لترحل صباح عيد الميلاد من العام تسعين، تاركةً كنزًا شعريًّا، ليتدخّل بعد ثلاثين عامًا، ابن عمّها وهو ممثّل ومخرج مشهور يُدعى غيوم غاليان، ليسعف حلمها وقصّتها وينشر قصائدها في كتابٍ ضخم بعنوان: "النّصف الثاني من الحلم، هو لي".
ورد في مقدّمة الكتاب أنّ أليسيا كانت تملك "نخاعًا شوكيًّا لعجوز في جسد حوريّةٍ بعينين زرقاوين". وهي متأثّرة بإيلوار ورامبو وبودلير، قالتْ إنّها كانت تحيا داخل الغيوم الغريبة الّتي اخترعها هذا الأخير من أجلها، تكتب بعمق ونضوج أشاد به النّقاد، سيشبهونها بنجمة خاطفة، بمذنّب يضيء ليختفي بسرعة.
كلّما دارَت الشمس مثل مدينة ملاهٍ حمقاء
أشمّ عطرك
وكأنّ رائحةً من الماضي تلتفّ أعلاي
رائحةً لم تعد على قيد الحياة.
مثل هذه الحيوات الفارغة من الذكريات
أرى الشّمس تسير
صخرة من بلّور
تنهيدة غريبة،
ويمرّ سببٌ للحياة يخشى أن يموت
ويمرّ رجلٌ مصابٌ بالبرد ويركض خلف ظلّها
وتسير الشمس
مشية الكون.
لذكرياتي شرايين مفتوحة
لكنّ الأحمر يليق بها
فلا ترسلْ إليّ بأن أرجعَ إلى الخلف
أحبّ أن يظلّ الماضي أمامي
بعيدًا، في الأمام،
وأن يكون عابرًا ومسرعًا
وأن يسمح لي
ببعض الوقت.
كلّما دارت الشّمس
ألمح غاباتٍ بأكملها تحترق،
إثر عزف نايٍ ساحر،
وألمح مدنًا متطلّبة
تشعلها عقارب السّاعات،
يا لها من مذبحة، حزينة، وقاسية!
تمامًا مثل كلّ هذه الحيوات الفارغة
من المستقبل.
تسير الشّمس
ماسة خرافيّة
رغبة مختلفة،
ويمرّ حبٌّ لا يجيد أن يطوي الصّفحة،
ويمرّ فجرٌ خائفٌ من رؤية النّهار وآماله،
تسير الشّمس مشيةً دائريّة،
لذكرياتي عينان مفتوحتان على وسعهما،
لكنّ الحِداد يليق بهما.
الوقت الّذي يكسر أنفي
هو مَن ابتكر ذهب الشّمس،
لكنّي أريدها أخرى،
لا تغيّر مكانها
لا تغادر الأغصان الخضراء
ولا الثّمار الفضّيّة.
وفِّرْ عليَّ رائحة الوقت
أخشى أن أعجز عن الرّكض مسرعةً نحو الماضي
أخشى الموت
أسفل أقدام الضّوء،
تمامًا مثل ظلٍّ عثر أخيرًا على نفسه.