16-أغسطس-2016

The Talks

أليخاندرو إيناريتو مخرج وكاتب ومُنتج أفلام ومؤلف موسيقي مكسيكي. ترشح إيناريتو لتسع جوائز أوسكار وفاز بأربعٍ منها. هنا ترجمة لحوار أجراه معه موقع "the talks".


  • سيد إيناريتو، هل على صانع الأفلام أن يعيش أفلامه؟ 

أعتقد أنّ كل فيلم هو امتداد لك بطريقة أو بأخرى، فكلّ فيلم أخرجته هو امتداد لذاتي. أشعر أحيانًا أنّ الأفلام تختلط بواقعي، واكتشفت فجأة أنّ هناك خطًا غريبًا غير واضح يختفي بين العالمين، وأنّ ما يحدث في ثيمة الفيلم يبدأ يحيط بحياتي اليوميّة من كل جانب، وقد تكررت معي هذه الحالة كثيرًا. 

أليخاندرو إيناريتو: أعتقد أنّ كل فيلم هو امتداد لك بطريقة أو بأخرى، فكلّ فيلم أخرجته هو امتداد لذاتي

  • هل هنالك أفلام محدّدة أدخلتك في هذه الحالة؟ 

هذه المرّة يسكنني فيلم "العائد"، لأنّ المكوّنات المادّية لثيمة الفيلم استحالت جزءًا من حياتي اليوميّة. لقد كان الماء شديد البرودة، وعملنا في أحد الأيام في درجة 40 تحت الصفر، وكان يتجلّى مظهر الشخصيات المادّي في حياتي ويمتزج مع محيطي المادّي الاعتيادي. 

اقرأ/ي أيضًا: كريستيان بيل: لا أعتقد أنّي خلقت من طينة المشاهير

  • لماذا كنت ملتزمًا أشدّ الالتزام بالتصوير في هذه الظروف؟ 

لقد كنت أستمتع حقًا أثناء الخروج إلى الغابة والعودة إلى تقاليد وأصول السينما حيث كان التصوير يحدث في أماكن حقيقية، فنحن لم نخلق عالمًا مصطنعًا حولنا ولم نبنِ مواقع للتصوير ولم نبتكرها باستخدام التقنيات البصرية الحديثة. كنا نخرج ونواجه تعقيد عناصر الطبيعة الحقيقية والضوء الطبيعي، وأدركت أنّه مهما بلغ وضوح وجودة ما يخلقه لنا هذا الكمبيوتر أو المصمم فإنّه لن يدرك جودة ما شاهدناه. 

  • ولم ذلك؟ 

ليس الأمر متعلقًا بمستوى التعقيد والجمال في الطبيعة وحسب، بل بالحالة الذهنية التي تسبغها الطبيعة على صانع الفيلم، ولهذا الأمر تبعاتٌ على النظام بأكمله كما تعرف، وأنا أعشق التجربة حين تكون على هذه الشاكلة، لأنّ مغامرة القيام بالفيلم تصبح وكأنّها الفيلم عينه. لقد كانت تجربة شعوريّة ومادّية مذهلة بحقّ.

  • يذكّرني هذا بهيرتزوغ في فيلمه "Aguirre, the Wrath of God" لأنّه كان يعتقد أنّ ظروف التصوير الصعبة في الغابات المطيرة في البيرو ستتخلّل الفيلم بشكل تلقائيّ. 

هذا صحيح، والحقيقة أنّ لهذا الفيلم وفيلم هيرتزوغ الآخر "Fitzcarraldo" أثرًا عليّ، وأكيرا كوروساوا في فيلمه "Dersu Uzala" وحتّى فيلم "Apocalypse Now". ففي هذه الأفلام كان يظهر الإنسان مقابل الطبيعة، وكانت تظهر فيها المشاهد الطبيعية التي كانت بشكل من الأشكال تملي على الممثّل حالته الشعوريّة. وأنا فعلًا أحبّ هذا النوع من الأعمال. 

  • ولكنّ التصوير بهذه الطريقة لا يخلو من مشاكله وتبعاته، أذكر أنّ هيرتزوغ وكلاوس كينسكي كانا سيقتتلان أثناء إنتاج فيلم Aguirre نتيجة الضغوط التي تعرضا لها. 

هذا صحيح، فأنت حين تخرج إلى هذه الأماكن المفتوحة تدرك على الفور أنّ العمل سيكون أصعب بعشرة أضعاف! لقد كان فيلم "العائد" ثمرة قرار ساذج اتخذّته، وكنت قد أقدمت على ذلك لأنّي كنت أعمى بكل معنى الكلمة. فقد كان القرار يعني أن تتخلّى عن الحصول على أي فرصة للراحة وأن تخوض في صراع يوميّ. هذه هي الحالة التي كنا نعمل وفقها. لقد كان الأمر أشبه بتسلّق الجبال، حين تصل إلى نقطة في الوسط وليس معك حبل تدرك أنّك إن ارتكبت أيّ خطأ ستسقط وستموت. هكذا كنّا نشعر كل يوم أثناء العمل على هذا الفيلم. 

أليخاندرو إيناريتو: في بيئة العمل هذه فأنت تشعر على الدوام بأنك مخلوق محكوم بالخلق الذي تشكّله أنت نفسك في العمل

  • ولكن هذا أمر لا يطاق! 

قد تشعر بالفزع قليلًا لو عرفت مقدار الجنون الذي في رأسي! كان يمكن أن تنتهي هذه التجربة بكارثة، وكان كل شيء عرضة للتدهور في أية لحظة... لقد واجهنا العديد من المصاعب اليوميّة. إنّك تصبح كائنًا يتشكّل بالعمل الذي تقوم به. أحيانًا في الظروف العاديّة تكون أنت المسيطر، وأحيانًا تشعر أنّك المحكوم، أمّا في بيئة العمل هذه فأنت تشعر على الدوام بأنك مخلوق محكوم بالخلق الذي تشكّله أنت نفسك في العمل. لقد كنت أسير ضمن القواعد التي وضعتها بنفسي لنفسي، ولم أملك القدرة على التراجع، وارتطمت فجأة بالحائط وعرفت أنّي عالق. ففي حال لم أنته من هذا المشروع، أو لم أنجزه بالطريقة التي أريد، فإنّ هذا هو عين الكارثة. الأمر أشبه بسباق الماراثون، فأنت لا تستطيع مغادرة السباق من منتصف الطريق، فعليك أن تصل خطّ النهاية وإلا فشلت، وحتّى لو شعرت أنّ قواك قد خارت وأنك ستسقط من التعب فإنّ عليك أن تنهي هذا السباق!

اقرأ/ي أيضًا: في تفوق السينما

  • وهل يستدعي الأمر أن يتدخّل أحد أساطين عالم الأعمال مثل أرنون ميلشن، الذي دعم فيلم "Birdman" وفيلم "The Revenant" والذي دعم من قبل أفلامًا من قبيل "Once Upon a Time in America" وفيلم "Brazil" ليجعل القيام بمثل هذه الأفلام الطموحة أمرًا ممكنًا؟ 

بالتأكيد. أنت تحتاج إلى شخص يمتلك هذا القدر من الشغف، مع قدر من الذوق الفنّي، يحبّ الفنون ومهووس بها حد الجنون -بالمعنى الإيجابيّ للكلمة- وأن يكون فيه كل هذه المزيّات معًا لدعم مثل هذه الأفلام. 

  • وهل يكترث البقيّة كثيرًا للمال؟ 

هذا هو سبب ندرة مثل هذه الأفلام، فمعظم المعنيين بالسينما الآن ليسوا إلا رجال أعمال لا يهمّهم سوى تحقيق الأرباح. وحين تكون الأرباح هي الهدف وراء كل حركة، فإنّ الأفلام تصبح سلعة أو منتجًا مريحًا لا يزعج أحدًا ويحصّل أكبر قدر من إعجاب الجماهير العاديين، وهذه حالة خطيرة تعيشها السينما الآن. ليس ثمة إلا الربح. وأنا لست ساذجًا لأخبرك أنّ الحال هذه لم تكون موجودة من قبل، على العكس، هذه هي الحال دومًا، ولكن لم يسبق أن كانت بهذا القدر من الوضوح. 

  • لو رجع بك الزمان قليلًا فهل ستختار العمل على فيلم مثل فيلم "العائد" بالطريقة نفسها؟ 

أنا لست نادمًا على العمل في هذا الفيلم إطلاقًا، وأعتقد أنّ كل ما مررت به من تجارب وصعوبات كان يستحق المغامرة، وأنا فخور بهذا الفيلم. ولكنّي لن أكرر ذلك (ضحك). لقد كانت تجربة في غاية الصعوبة، وفي أقصى درجات الإرهاق. لقد كنّا نحاول وحسب أثناء العمل على الفيلم في صراع للبقاء والنجاة، حقيقة. لقد مرّت عليّ لحظات لا توصف من الصعوبة والتحدّي...

  • لا بدّ أنّ لمهنتك أثرًا سلبيًّا على حياتك الزوجيّة. 

آمل أن لا ينتهي زواجي بالطلاق قريبا! (ضحك). إن الأمر صعب، صعب بحقّ. صناعة الأفلام تتطلب الكثير، وتستهلك الكثير منك بشكل خرافي، فأنت بعيد عن كل من يحتاجون إليك، وهذا أصعب ما في الأمر. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"روجير واترز- الجدار".. سيرة معجزة

مارلين مونرو.. طوبى للجمال الخالد