21-أغسطس-2016

مقاتل من "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية (Getty)

يبدو أن فترة الوئام والهدنة المعلنة بطريقة غير مباشرة بين "حزب الاتحاد الديمقراطي" -النسخة السورية عن "حزب العمال الكردستاني" التركي- من جهة، والنظام السوري والميليشيات التي شكلها في مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، وصلت إلى الحد النهائي لها، على خلفية الاشتباكات التي تشهدها المدينة منذ أكثر من ثلاثة أيام، يجوز وصفها بالأعنف بين الطرفين منذ آذار/مارس 2011.

تغير موقف روسيا من الأكراد، وطريقة تعاطيها مع أخبار الاشتباكات بينهم وبين النظام السوري، ربما جاء نتيجة لتفاهماتها الأخيرة مع تركيا

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لا يزال سبب الاشتباكات التي شهدتها المدينة مجهولًا، وذلك نتيجة شح في المعلومات الواردة من داخلها، كونها منقسمة إلى قسمين، القسم الأول يسيطر عليه النظام السوري، والثاني مسيطر عليه من الحزب الكردي، ما يجعل الأخبار القادمة غير مؤكدة، كون الطرفان يتحكمان بتصدير التطورات لوسائل الإعلام، حتى أن المصادر الكردية لا تزال تتكتم على إعلان مقتل العديد من قيادات "حزب العمال الكردستاني" في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: بلومبرج تلوم السيسي على تراجع الاقتصاد المصري

واللافت في الاشتباكات الحالية، هو دخول مكون "قوات سوريا الديمقراطية"، إلى جانب قوات أمن "الإدارة الذاتية"، أو ما يعرف باسم "أسايش روجآفا"، و"وحدات حماية الشعب"، الذراع العسكري لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" من الجانب الكردي، وهو ما شهد تصعيدًا مختلفًا من جانب النظام السوري، الذي استخدم لأول مرة سلاح الجو ضد مواقع للقوات الكردية بشكل عام.

وكالات الإعلام العالمية، تحدثت عن نزوح آلاف المدنيين، إضافة لمقتل وجرح العشرات، وهو ما يؤكد كلام الناطق باسم "وحدات حماية الشعب"، الذي وصف ما يحصل في مدينة الحسكة بـ"الحرب الحقيقية"، خصيصًا وأن مقاتلات الـ f22 التابعة للتحالف الدولي، منعت مقاتلات الـ"سوخوي 24"، من تنفيذ غارات جديدة على مواقع عسكرية للأكراد.

وبالعودة إلى وقتٍ ليس في البعيد، كانت الأسايش قد توعدت النظام السوري بمعركة قريبة، بعد التفجير الذي ضرب مدينة القامشلي، التي تشابه حالها من ناحية التقسيمات قرينتها الحسكة، نهاية تموز/يوليو الفائت، وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" تبنيه له، مخلفًا نحو 50 قتيلًا على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان في روسيا..رسالة للغرب

والظاهر أن سلطة الإدارة الذاتية لـ"روجآفا"، أصبحت الآن أقرب لتحقيق أهدافها في الانفصال، والسيطرة على شمال سوريا، نظرًا لأنه فرض سيطرته بشكل كامل على مدينة منبج، وأعلن عن بدء معركة السيطرة على ريفها الجنوبي، الخاضع لنفوذ تنظيم الدولة، وثانيًا إثبات أنه الحليف الأصح لواشنطن في حربها ضد التنظيم في سوريا.

وبالتالي يظهر أنه حصل أخيرًا على دعم جوي، يتمكن فيه من بسط سيطرته نهائيًا على مدينة الحسكة، لولا أن الإدارة الأمريكية كانت تمنعه من ذلك، قبل أن تغير رأيها، وهو ما أعرب عنه بشكل غير رسمي، المتحدث باسم "البنتاغون" جيف ديفيز، عندما قال "أعلنَّاها بوضوح أن الطائرات الأمريكية ستدافع عن القوات على الأرض إذا تعرضت لتهديد".

ومن المعروف أن الولايات المتحدة، أرسلت قوات خاصة إلى سوريا، لتدريب "وحدات حماية الشعب"، وتقديم الدعم اللوجستي لها، وتتحدث أمريكا عن أن مقاتلات النظام قد قصفت مواقع للوحدات، قرب مواقع لقواتها، وحذر ديفيز من أن المقاتلات الأمريكية، ستقوم بالرد على أي خطر من الممكن أن تتعرض له، وهي تستخدم مطار "رميلان الزراعي" -شمال شرق الحسكة- قاعدةً جويةً لها.

كذلك لا يمكن إغفال التصريحات التركية الأخيرة، والتي أبدت مرونة تجاه الوضع السوري، بعد تحدُّث رئيس الحكومة التركية بن علي يلديرم عن إمكانية بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية لفترة زمنية محددة، وعدم نفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإمكانية تدخل عسكري بري شمال سوريا، ما يعكس أن الخلاف الآن هو حول مصير الأكراد في المنطقة عينها.

علاوةً على ذلك، يبرز التغير المفاجئ في حديث وسائل الإعلام الروسية، وطريقة تعاطيها مع نقلها للخبر، والهجوم الذي بدأت تشنه على "وحدات حماية الشعب"، ما يدل على أن خلافها مع الأكراد تحول إلى أعلى مستوياته، ربما لتفاهماتها الجديدة مع تركيا، حتى أن الولايات المتحدة بدأت تطلب من روسيا الضغط على النظام السوري حتى يوقف التصعيد العسكري ضد حلفائها على الأرض.

مسار الأيام القادمة، ومثلما ذكر سابقًا، رغم شح الأخبار الواردة من الحسكة، سيختلف عما سبقه، من أيام صفاء للأكراد مع النظام السوري، والذي سيكشف عن حل سياسي، بعيدًا عن الوعود المقطوعة للأكراد، بتشكيل دولتهم في الشمال، إلا إذا كان للولايات المتحدة قول مختلف في ذلك، وهو ما يعني مواجهة روسية-أمريكية مباشرة بخصوص سيطرة الأكراد، من الممكن أن نشهدها لاحقًا.

اقرأ/ي أيضًا:

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية