20-ديسمبر-2015

من ملصق الفعالية

احتفى النادي السينمائي السوري في باريس بمجموعة أفلام سورية قصيرة، تنوعت في أشكالها وتقاربت في مضموناتها. حيث صُنع بعضها بطريقة الأنيميشن وكان بعض مخرجيها من المختصين وبعضهم الآخر من غير المختصين بالسينما، ولكنهم جميعا حاولوا صياغة أفكارهم بطريقة سينمائية اعتمادًا على حساسية الفنان.

هالة محمد: الفن والسينما والشعر صوت المجتمع وزخمه العميق وذاكرته الجمعية الإنسانية التي تنبذ كل تطرف

تم تأسيس النادي السينمائي السوري الذي نظم هذا العرض عام 2014، من قِبل مؤسسة NORIAS للتبادل الثقافي السوري الأوروبي، وهي مؤسسة ثقافية غير ربحية تأسست عام 2011، مقرها باريس. وحول نشاط هذا النادي تقول السيدة هالة محمد وهي مخرجة تسجيلية سورية والسكرتيرة العامة لمؤسسة NORIAS والمشرفة على النادي السنمائي: "يحاول السوريون الدفاع عن صوتهم الفني المتعدد، صوت المجتمع السلمي الموجود أساسًا، والذي يحاول الجميع طمسه وخنقه في مقتلة جماعية الخاسر الأول فيها هو سوريا والسوريون أنفسهم. نحن من ضمن كل السوريين دافعنا عن الحقيقة، فالفن والسينما والشعر صوت المجتمع وزخمه العميق وذاكرته الجمعية الإنسانية التي تنبذ كل تطرف".

أما الأفلام التي عرضت في الفعالية فهي: ABCDoublespeak لياسمين فنري، Saturday morning gift لباسل شحادة، طلقة لخالد عبد الواحد، سوريا لخليل يونس، قصة سورية قصيرة لداني أبولوح ومحمد عمران، أفق خفيف لرندا مداح، "كان عمري 14" لدانيال جبور. 

إن صناعة الأفلام القصيرة تحدّ صعب من ناحية ضيق المساحة الزمنية المتاحة له، لذلك عليه قول الحكاية بأكثر تكثيف ممكن. وربما هذا ما جعل بعض الأفلام تتميز من بعضها الآخر، وهنالك نقاط عدة تستوجب التوقف عندها. اللافت للانتباه كان فيلم "كان عمري 14"، وهو تسجيل بكاميرا طفل يصور بغير احتراف ودون اهتمام بتقنيات التصوير، بل يركز فقط على تصوير بضع رصاصات وفوارغ رصاص وكرته التي تتدحرج أمامه، ويسمي ببضع كلمات أنواع هذه الأسلحة ثم ينتهي التصوير، قال المخرج داني أبو لوح، وهو المشرف على اختيارات الأفلام في الفعالية، إنه هو من أعطى هذا الفيلم اسمه وإنه يُعرض لأول مرة، كان فيلم الواقعية الصادمة، بحيث يجعل أي متلق يعجز عن التعليق. 

أما عن فيلم الشهيد باسل شحادة فكان سردًا طفوليًا شفافًا يلامس القلب بوجعه ومشهدية سينمائية غير صادمة ولكنها مؤلمة بصدقها، حين يسرد الطفل كيف كانت صباحات العطلة قبل أن تغزو الطائرات سماءه وعائلته، وكيف أصبحت بعدها. تصوير بعين سينمائية مرهفة تهتم بتفصيلات المشهد وأصواته الداخلية وتتبدى بالحركة والتنفس وتلتقط مع صوت الطفل نبضات قلبه وحركات قدميه، وحنينه لأمه وأخوته الذين أصبحت أيام العطله خالية من وجودهم.

ومن الأفلام الجديرة بالاهتمام "قصة سورية قصيرة"، الذي تشارك إخراجه كل من داني أبو لوح ومحمد عمران، وفيه محاولة لربط الأزمنة بطريقة فنية مبتكرة، حاولت التأكيد على أن الثورات لا تموت وأن ذاكرة السوريين لن تنسى المجازر ما تقدّم منها وما تأخر. هذا الفيلم استطاع تحقيق المعادلة الصعبة للفن من حيث تقديم الفكرة بطريقة مختلفة عن طرائق التقديم المعتادة، وفي الوقت ذاته لم يقع في فخ الترميز؛ بحيث تضيع الفكرة في غمرة الإدهاش التقني بقصد استعراض الفنيات على حساب الفكرة. ولكن الفكرة الوحيدة التي أُخذت على الفيلم هو الموسيقى المختارة له، وهي قطعة أوبرا للمغنية cecilia bartoli. اسم هذه الأوبرا: Sposa son disprezzata. على الرغم من أن هذه الموسيقى كانت باذخة الجمال ولكنها بدت منفصلة عن سياق الفيلم.

كان فيلم باسل شحادة سردًا طفوليًا شفافًا يلامس القلب بمشهدية سينمائية غير صادمة

أما فيلم "أفق خفيف" لرندا مداح، فقد استوجب نقاشًا موسعًا بعد العرض بوجود ضيف الشرف الباحث زياد ماجد الذي كان أنيقًا بدبلوماسيته في إدارة الحوار بين المخرجين والجمهور بعد العرض. وتناول النقاش جميع الأفلام المعروضة، لكن فيلم رندا مداح أخذ حيزًا من النقاش بسبب بساطته من جهة، وبسبب تنوع الدلالات التي تمنحها هذا البساطة من جهة أخرى. فقد رأى بعض الحضور أن الفيلم كان ذا إيقاع رتيب مما سبب الملل -وهذا برأيي مقتل للفيلم القصير- في حين رأى بعض الحاضرين أن الفيلم قد حقق بهذا الإيقاع الرتيب غايته؛ وهي جعل المشاهد يتأمل في عمق المشهد، وهنا أشارت المخرجة أن الفكرة من العمل هي محاولة إعادة إحياء الخراب الذي سببته الحرب قديمًا، وهو ما سنحاوله دائمًا بعد كل حرب، وقد تم التصوير في منطقة عين فيت في الجولان المحتل، وموقع التصوير هو بقايا بيت هدمته الحرب، ولم تبقِ منه غير جدار مثقب بالرصاص والباقي مهدم ومفتوح على مدى من الجبال الخضراء، والحدث الوحيد فيه هو قيام شابة بتنظيف المكان من الأتربة والحجارة ووضع طاولة وكرسي ولوحة على بقايا الجدار. 

أما عن فيلمي الأنيميشن الأول لياسمين فنري عن الكلمات التي تستخدم لوصف الحرب، والثاني لخالد عبد الواحد بعنوان "الطلقة"، فقد كانا تجريدًا جميلًا يوصل الفكرة بدون إشكالات التلقي لأن الرسم بالكلمات لا يحتاج لرتوش كثيرة كي يصل إلى قلب المتلقي وعقله.
 
وفي المحصلة لا بد من الفن كي يضيء بعض عتمة هذا الخراب، لا بد من الفن كي نقول وجعنا للعالم عن طريق يصنع التفاعل، أكثر من الواقع الموجع الذي يتجاهله العالم لأنه يؤذي مشاعره المرهفة، لا بد من بعض الاحتجاج كي نثبت أننا ما زلنا أحياء.

اقرأ/ي أيضًا:

تالا حديد.. الشاعرية وحدها لا تكفي

فيلم القداس الأسود.. للجريمة جذور