11-أبريل-2016

محمد عبلة/ مصر

هذه ليست حياة. أن تتعايش مع كل ما حولك وروحك تلفظه. تستطيع أن تجبر جسدك على التعايش مع عالم لا ينتمي إليه، ولكنك أبدًا لن تستطيع أن تقنع روحك بذلك، لن تستطيع خداعها، صدقني، لا تحاول ذلك مرة أخرى.
*
 
أجلس على مقعد أو أريكة أو فراش، لا أدري بالضبط. الكثير من التفاصيل تضيع في أحلامنا كما تعلم. المهم أنني كنت جالسًا بلحية طويلة كنت أملكها في الواقع وأنظر إلى الشخص الواقف أمامي. الجميل في الأمر أن الشخص الواقف أمامي كان أنا أيضًا! كنت أقف مقابلًا لأنا الجالس. أمسك بيدي سكينًا ضخمًا، وأزيل لحية أنا الجالس بخشونة وإصرار واضحين. أنا الجالس لا أبدي أية مقاومة، كأن الموقف اعتيادي للغاية. أتابع إزالة اللحية بالسكين، ثم.. كان حلمًا قصيرًا. استيقظت منه لأتحسس لحيتي النامية، شعرت بانزعاج تفهمت مصدره، ثم قررت تناسي الأمر.
*
 
تحاول تجميل صورتك مما يؤدي إلى تشويهها ربما. تحاول تشويه صورتك مما يؤدي إلى تجميلها ربما. لا أدري تحديدًا، وأعتقد أنك تشاركني عدم اليقين حيال ذلك، ما أستطيع أن أجزم به أنك تشعر بعدم الارتياح، اضطراب داخلي يعصف بكيانك، لا تدري ماذا تريد حقًا، لا تدري كيف ستنتهي الأمور، لا تدري ماهية الأمور أصلًا. أنت شخص مثير للشفقة يا صديقي!
*
 
أسير وحدي ليلًا في شوارع تلك المدينة التي صنعها عقلي الباطن. أضع يديّ في جيب سروالي كما أفعل دومًا في الواقع وأمشي منتشيًا بوحدتي.. تمر بجواري ثلاث أو أربع فتيات، لا أكترث للأمر. ألتفت التفاتة خبيثة لأجد أكثرهن فتنة تنظر تجاهي مبتسمة، نظرة ثابتة شديدة اللزوجة ولكنها شديدة الإغواء. أنظر أمامي وأتناسى الأمر. ليس لزهد أو لتعفف ولكن لشيء ما لم أدر كنهه، أبطىء خطواتي متعمدًا لأسمح لهن أن يتخطوني، يختفين تمامًا ثم أكمل المسير وكأن شيئًا لم يحدث.
 
أمر بجوار محل على ناصية شارع، ألقي نظرة لأجد بابه نصف مفتوح. كانت تقف بالداخل وتوليني ظهرها، نفس الفتاة. لم يتخذ الأمر وقتًا يذكر، دخلت المكان بمنتهى الأريحية والثقة وكأنه ملكي الشخصي وكنت أعلم تمامًا ما أودّ فعله. اكتشفت بالداخل أنه محل لتصليح الساعات، صاحب المحل كان منهمكًا بشدة في تصليح ساعة يد صغيرة أمسكها في يده وانفصل تمامًا عن العالم.. لا يهم.. المهم أن مؤخرتها كانت ساحرة. انهمكت أنا أيضًا مع مؤخرتها وانفصلت عن العالم. لمسات خبيرة، تتدرج من الليونة إلى الشدة وتنزلق من الأسفل إلى الأعلى، التصاق تام، تنظر إلي مبتسمة نفس الابتسامة، سعيدة بما أفعل وسعيد أنا، لم أبتسم فى وجهها، جذبتها من يدها ثم.. إلى الخارج.
 
غرفة نوم .. ولك أن تخمن ما حدث.. ولكن ما يلفت الانتباه أن ما حدث كان على أرض الغرفة بالرغم من وجود فراشين. فعلت ذلك متعمدًا، لا أدري لماذا تعمدت ذلك ولكنه كان شعورًا مختلفًا. كان مشهدًا طويلًا هنيئًا.. وكانت الابتسامة لا تفارق وجهها.
 
فجأة، أجلس بجوارها في مشهد آخر بعد أن تحوّلت إلى امرأة في حوالى الأربعين، هي الفتاة ولكن بشكل آخر مختلف تمامًا. امرأة غربية الملامح شقراء الشعر، تحكي لي شيئًا ما وأنا أرهف السمع.. كانت تكلمني بالإنجليزية وكنت أقرأ الترجمة، بالضبط كما في الأفلام الأجنبية، كانت الترجمة تظهر أسفل الشاشة، شاشة الحلم، شاشة عقلي الباطن، لا أدري، المهم أنها أخبرتني أشياء في غاية الغرابة، أخبرتني أنها ميتة! ميتة وتعيش في العالم الآخر. أخبرتني أنها كانت في حياتها مثالًا للطهر والقداسة، وبعدما ماتت اتهموما بالدنس ورموها بالأوصاف المشينة. لم أدر من الذين اتهموها بذلك ولكنني تخيلتهم. قالت لي إنها تعيش الآن في الجنة. وصفت لي الجنة وطبيعة حياتها هناك.. لا أذكر أية تفاصيل.. ربما كان ذلك أفضل.. ما أتذكره أنها أقسمت لي أن سيد قطب كان معها هناك، وكان يشرح لها أشياء ما، ويشير لها بيديه إشارات ذات معنى، ربما كان شيئًا كهنوتيًا يخصهم هناك، ولكني لن أفهم أبدًا ما الذي أتى بسيد قطب في الموضوع؟
 
أخبرتني أنها قررت في حياتها الأخرى أن تعود بشكل ما إلى الدنيا كل فترة تحددها هي، وتفعل ما اتهموه بها بعد أن ماتت وهي منه براء. تأتي وتتجسد وتغوي، ثم يأخذها من هو مثلي في مكان ما ليفعل مثلما فعلت معها. شعرت بغصة عندما سمعت ذلك.. إذًا لست أنا أول من تغوين. لم أنطق بذلك ولكنها قالت لي إنني أختلف عن كل السابقين، قالت لي: أنت شخص تجبر من يعرفك على أن يحبك. قرأت ذلك بالضبط في الترجمة! كان حلمًا طويلًا، ولكنه انتهى لأستيقظ دون أي توجس أستشعره، ربما الكثير من الاندهاش فحسب.
*
 
الأمور تزداد تعقيدًا. نرجسيتك تصور لك أشياء وهمية. ربما تداعبك الحقيقة يومًا ما ثم ترحل إلى الأبد، ولكنها لن تكون بين يديك يومًا، لو أن هناك شخصًا مختارًا فلن يكون أنت. الحقيقة لن تجد من يتماهى مع التيه. وأنت تتماهى معه بشدة. لن أبالغ لأقول إن التيه لا يجد الآن سبيله للخروج منك! أفق مما تتوهمه يا صاحبي، الأمر لا يتعدى كونه بوادر جنون.
*
 
كان الأمر شديد المهابة، أقف وحدي تمامًا في مكان شديد الاتساع. أنظر إلى الأعلى، لك أن تفهم "الأعلى" كما يتراءى لك أن تفهمها. دار حوار لا أتذكر منه شيئًا، ترفقًا بي ورحمة، أطلت النظر دون أن أرمش أو أزيغ ببصري مرة واحدة، شعرت بتطاولي وسوء أدبي.. طأطأت رأسي بسرعة مخافة العقاب. وأغمضت عيني بشدة خوفًا على بصري. استيقظت لأجد نفسي مغمضًا عيني بشدة مطأطئ الرأس. فتحت عينيّ لأطمئن أن بصري لم يخطف بعد.. صحيح أنني أبصرت ولكنني غير واثق حتى الآن من كونه لم يخطف!
*
 
هنا يجب أن تتوقف.. هنا يجب ألا أفكر كثيرًا.. سأصدقك القول أشعر أنه من الواجب عليّ الآن أن أسحب كلامي السابق لك، ولكن اسمح لي، سأسحبه دون أن أنفيه، ولكن الأمر خرج عن حدود المألوف.. كلامي مهما بلغت قسوته كان مألوفًا.. يمكنني الآن أن أقول أنك تستحق شيئًا من اثنين ولا احتمال ثالث.. إما أن يتم قتلك وقطع رأسك والتمثيل بجثتك وحرق الباقي من أشلائك والتخلص من رمادك في قاع أي محيط، أو أن تسخّر البشرية كل طاقاتها وعلومها لتمنح لك الخلود بشكل ما!
 
لن تجد آخر يقول لك ما أقوله. ربما أكون أنا مجرد حلم آخر من أحلامك. ولكن ذلك لن يمثل مشكلة، فإما أن تكون أنت نفسك وهمًا مثل الكثير مما تتوهم، أو أن يكون كل ما يراه سواك أوهامًا هو الحقيقة الوحيدة التي يعيش من هم مثلهم على هامشها، وفي الحالتين لن نختلف أنا وأنت أبدًا.. عليك أن تقرر.. وإذا لم تعرف أنت ذلك.. فلن يعرفه أحد!

اقرأ/ي أيضًا: 

قاتلة رياض الصالح الحسين

الانتظار