07-مايو-2021

كريم بنزيما (Getty)

قبل كتابة هذه المادة، سألت خمسة من الأصدقاء من مشجعي ريال مدريد عن رأيهم بكريم بنزيما، فجاءت إجاباتهم على الشكل التالي:

هيفا: انتماء بنزيما لريال مدريد لا تشوبه شائبة، لم نسمع يومًا عن مشاكل بينه وبين الإدارة حول راتبه أو تجديد عقده ( كما يحصل مثلًا مع راموس في الآونة الأخيرة )، شخصيته مميزة داخل الملعب وخارجه، لا يستمع للانتقادات ولا يأبه للآراء التي تحطّ من قيمته، ردّه دائمًا في الملعب، هو أحد اللاعبين المفضلين لدي.

خالد: مشكلة بنزيما أنه قدّم إلى الريال ليكون مهاجم صندوق، كما كان الحال مع فان نيستلروي، لكنّ أرقامه التهديفية لم تكن كما كان متوقعًا، غيّر بنزيما من أدواره مع الوقت وبات دوره محوريًا في بناء اللعب، ومحطة مهمة في المرتدات، فرديًا هو لاعب جيد جدًا ودوره واضح في صناعة أمجاد ريال مدريد  في مرحلته الذهبية.

المدرب أو اللاعب في مدريد الذي ينزعج من "الحكومة" عليه البحث عن فريق جديد له.

علي: أعتبره أفضل لاعب في الفريق اليوم فيما يخصّ التحرّكات والتمركز، فرصه الضائعة السهلة تصيبنا بالـ"جلطة"، لكن ما يقدّمه بالمجمل يشفع له.

وفاء: هو أكثر لاعب يلعب للمجموعة، يظهر في الأوقات المطلوبة، نجح في تغطية غياب رونالدو، هو أفضل تعريف للّاعب الذي لا يأخذ حقّه إعلاميًا، اعتمد عليه كل المدربين الذين مرّوا على النادي، بسبب التزامه وقدرته على تنفيذ الخطط وتفانيه لأجل الفريق.

أحمد: بنزيما لاعب متكامل يمتلك مهارة تقنية، وذكاء من النادر أن تجده عند المهاجمين رقم 9، ربما هو لا يتصدر المشهد، لكنه يكون دائمًا في المشهد ويضع لمسته على كل هدف، سواءً بشكل مباشر أو بسبب التحرك بدون كرة، وهو ليس قناصًا بجودة ليفاندوفسكي أو هالاند، لكنه مهاجم متكامل بأتمّ معنى الكلمة.

رحيل رونالدو عن ريال مدريد أعاد لبنزيما بعضًا من المديح الذي كان يستحقه، فأرقام اللاعب الهجومية تحسّنت بشكل واضح

الإجابات أعلاه تتناسب إلى حدّ كبير مع الصورة العامة على صفحات السوشال ميديا، والتي أخيرًا صارت تعطي " أبو ابراهيم" حقّه كواحد من أبرز المهاجمين في العالم وأكثرهم خبرةً، تكاملًا واستمراريةً، فما السبب في تغيّر المزاج العام حول اللاعب؟ هل لأن مستواه ارتفع؟ أم أن محكّات التقييم اختلفت اليوم؟ هل حرّره خروج رونالدو من الملكي من دور صديق البطل الذي قلّما كنا ننتبه له ؟ أم هناك أسبابًا أخرى؟

انتقل كريم بنزيما إلى ريال مدريد في تموز \ يوليو من عام 2009 قادمًا من ليون الفرنسي، بعدما تُوّج بلقبي هدّاف وأفضل لاعب في الدوري الفرنسي في عام 2008، وقد كان يومها على رادار مدرب برشلونة بيب غوارديولا الذي أبدى إعجابه الكبير به، وسأل عنه  لاعبُه إيريك أبيدال، زميل بنزيما السابق في ليون، لكن زين الدين نجم الريال السابق ومدربه الحالي، والفرنسي الآخر المتحدر من أصل جزائري، كان قد نصح إدارة الميرينغي بالتعاقد مع كريم بنزيما لإعجابه الكبير به،  بالرغم من أن كريم كان يعتبر رونالدو البرازيلي هو مثله الأعلى في كرة القدم.

بعد 12 سنة من وصوله إلى القلعة البيضاء، لا يزال كريم بنزيما محافظًا على مركزه الرئيسي في هجوم الفريق، بالرغم من تبدّل الرؤساء والمدربين والطواقم الفنية، وبالرغم من تغيّر الأساليب التكتيكة سواء كانت متحفظة مع مورينو أو رافا بينيتز، واقعية مع أنشيلوتي، هجومية مع لوبيتجي، أو مباشرة مع زيدان،  لدرجة أن جماهير ريال مدريد في منظقتنا العربية، أطلقت عليه لقب " الحكومة " في إشارة إلى أنه صاحب القرار الأول في الفريق، وأن مسألة إشراكه أساسيًا في المباريات غير قابلة للنقاش، وغير مرتبطة بمستواه الفني ومعدلات تسجيله وصناعته للأهداف، وقد تحوّل هذا الامر لمادة للسخرية والتندر لرواد وسائل التواصل الاجتماعي، فالمدرب أو اللاعب في مدريد الذي ينزعج من "الحكومة" عليه البحث عن فريق جديد له.

خلال فترة تواجده مع ريال مدريد، حقق الفريق الكثير من الألقاب، أبرزها التتويج أربع مرات بدوري أبطال أوروبا، من بينها ثلاثة تتويجات متتالية تحت قيادة زين الدين زيدان. لدى الحديث عن هذه الإنجازات، قلّة قليلة هي من تذكر دور بنزيما في ذلك، بل إن جزءًا من جماهير الميرينغي  كانت ترى أن بنزيما، الهدّاف التاريخي الخامس لدوري أبطال أوروبا، والذي يحتاج إلى ثلاثة أهداف فقط ليقفز إلى المركز الثالث خلف ميسي ورونالدو،  كان محظوظًا بتواجده مع هذا "الجيل الذهبي"، وأن امتلاكهم لمهاجم أفضل منه في هذه الفترة، كان ممكن أن يضاعف عدد البطولات، وخاصة المحلية.

الإشادات حول تلك الفترة كانت تتوزع حول الإدارة الحكيمة للرئيس فلورنتينو بيريز، تكتيكات زيدان ( أو بركاته في أفضل  الأحوال)، الأهداف القاتلة للـ"دون " كريستيانو رونالدو، خط الوسط الحديدي المكون من الثلاثي كروس – مودريتش – كازيميرو، والمستوى العالي للأظهرة مارسيلو وكارفاخال وعرضياتهم القاتلة، ولو أنك كتبت تعليقًا في تلك الفترة،  على إحدى الصفحات تحدّثت فيه عن دور بنزيما في فتح المساحات وسحب المدافعين، واللعب بدون كرة، وإلغاء نفسه لأجل نجاح المنظومة الهجومية، ستجد أن من سيسخر من تعليقك عددهم أكبر بكبير ممّن سيوافقونك الرأي.

رحيل رونالدو عن الفريق أعاد لبنزيما بعضًا من المديح الذي كان يستحقه، فأرقام اللاعب الهجومية تحسّنت بشكل واضح، بعد تحرّره من مهمة فتح المساحات واللعب بدون كرة، في الهجمات المرتدة التي يعتمد عليها زيدان كجزء أساسي من خطة الفريق، يُظهر بنزيما مهارات كبيرة في الإستلام في الظهر، التمرير بسرعة، إنهاء الهجمات، والتحرك بدون كرة، لا يشتهر بنزيما بالسرعة الكبيرة، لكنه أحد أفضل من يحسن التصرف في الهجمات المرتدّة في الدوريات الأوروبية.

يمتلك كريم بنزيما أسلوبًا خاصًا في كل شيء، فهو هادئ في الملعب، تصريحاته الإعلامية قليلة جدًا، لا يمكن لأي مدافع أن يستفزه، ولا لأي تصريح ضدّه أن يخرجه عن طوره، يحتفل بأهدافه بهدوء ولا يوجّه رسائل إلى أحد، لا يتردد اسمه خلال الميركاتو، صفحة لوس بلانكوس على تويتر قالت عن بنزيما أنه خلال 11 سنة له مع الملكي، جدّد بنزيما عقده مرتين فقط بهدوء، لا أحد يعرف من هو وكيل أعماله، لا أحد يعرف قيمة العقد، وعلى صفحاته على وسائل التواصل، يحاول بنزيما إظهار حياة الرفاهية التي يعيشها، لا يقدّم نفسها كمثل أعلى أو نموذج، في شهر رمضان ينشر صوره باللباس الإسلامي الأبيض، مع كوب لبن وحبّة تمر على الطاولة، ويتمنّى للمسلمين صيامًا مباركًا.

مع منتخب فرنسا انتهت حكاية بنزيما مبكّرًا، حيث تم استبعاده من التشكيلة في العام 2015، بعد اتهامه بالمشاركة في ابتزاز زميله مع الديوك فالبوينا على خلفية مقطع فيديو جنسي، وبالرغم من أن كريم أكّد انه تعرّض للظلم وأنه كان فقط يُساعد زميله الذي كان قد طلب منه ذلك، إلا أنه لم يُستدعَ مرة أخرى إلى المنتخب، في كل الأحوال فإن بنزيما أعلن أكثر من مرة انه طوى صفحة المنتخب الفرنسي وأنه يصب كل تركيزه مع الفريق الملكي، فهو يدين بالولاء للقلعة البيضاء التي أعطته كلّ شيء.

 خلال فترته القصيرة مع المنتخب قدم بنزيما مستويات جيدة، وسجّل 27 هدفًا دوليًا حتى العام 2015، لكنه لم يكن يشعر بالأمان داخل المنتخب ويعاني من التمييز، الأمر الذي كان يجعله يمتنع عن ترديد النشيد الوطني مع زملائه قبل المباريات، شأنه شان الكثير من اللاعبين ذوي الأصول الأفريقية والعربية الذي قالوا أنهم لم يحظوا بالتقدير الكافي مع منتخب فرنسا.

قبل أيام خرجَ بنزيما عن طبعه الهادئ المعتاد، وشبّه مهاجم منتخب فرنسا الأساسي أوليفيه جيرو بسيارة الكارتينغ، التي لا يمكنها أن تنافس سيارة الفورمولا وان ( يقصد نفسه )، فهل سبب هذا الهجوم هو انزعاج من بنزيما من عدم استدعائه مرة جديدة للمنتخب، بالرغم من عدم وجود عوائق قانونية تمنع ذلك ؟ هل كان يحاول القول إنه المهاجم الأفضل في فرنسا، وبالتالي فأنه كان يسخر من خيارات المدرب ديديه ديشان؟ جيرو ردّ  عليه لاحقًا  بالقول إن سيارة الكارتينغ فازت بكأس العالم (مونديال روسيا  2018) وانتهت الحرب الكلامية عند هذا الحدّ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 لاعبين تكرههم الجماهير ويحبهم المدربون

حقيقة التفوّق.. نجم الفريق أم المنظومة؟