13-ديسمبر-2015

تمام عزام/ سوريا

البنادق تلتمع، كلّما الشمس أشرقت فجأةً في عين المدينة البردانة، طالما آثرت العصافير أن ترتشف الندى من أفواه/فوّهات تلك البنادق النائمة، لا شيء مبررٌ هنا، فقط أعباءٌ تسّاقط كأحجارِ نردٍ وكأنّ كلّ وجوهها تحمل الأرقام ذاتها التي لابدّ أن تظهر أنّى قُلبت. في الشتاء فقط ثمة دخانٌ بطيء يخرج من كلّ الأفواه، بما فيها فوّهة البندقة.  

يحدثُ أن يقع نظري على صورٍ ربما كان من الأفضل ألّا أراها، كذلك آخرون مثلي. (الصور لا تسعُ أوطانًا)، سيّما حين تتعلّق بتفاصيلَ متعلقة بشغفٍ يرتطم أبدًا بالزجاج؛ الزجاج في إطار الصور تلك، للصور حيّز خاص بها، تكبرها أحيانًا وتصغرها أخرى، تمامًا كعيار الطلقات ونوع البندقية. الصورة أيضا عينٌ لا تنام، تراقب الساعة المحنّطة على الجدار وتلمح العصافير من الشرفة وهي تقف على حبل الغسيل.

أرغب أحيانًا أن أحضن كل شيء، بما في ذلك البنادق والصور، بالتأكيد ليس حبًّا، إلّا أنّ العديد ممن أحببتهم احتضنوها قبل أن تعلّق صورهم على صدور أبنائهم، آبائهم، أمهاتهم، أخواتهم، زوجاتهم وأصدقائهم. الأرواح التي كانت تبتسم وهي تودّعنا، كانت تترك لنا أحلامًا مرسومة على مقاس أجسادٍ مستلقاة في توابيتَ. ربما الكثير منهم يعلّقونها/الصورَ، على جدران غرفهم كلوحات، فيغدو الجدار ذاك مرآة نقف أمامها بين الفينة والأخرى.

لا أدري إن كانت الحرب تخلق رجالًا، نساء، شبابًا، شابات وأطفالًا، كما كان يخلق السجن أو تخلقُ الخدمة العسكرية رجالًا في بلدي! فقط الملامح تبدو أكثر غرابة حين يغدو الموت الثيمة الرئيسة للمشاهدة اليومية. إلى متى سنطوي الطريق مثل خيمة لنضعها على الحقيبة المتدلية على ظهورنا حتى ونحن نيام! نفرشها كلّ يوم ونطويها دون أن تطأها أقدامنا، فذاكرتنا جراحها كثيرة، لكننا نهدي الابتسامات دوما؛ وجوهنا تحتاج أن تُنفض من البثور الملتصقة عليها.

لابدّ أن تلمعَ أشياء أخرى في عيون المدن؛ أشياءٌ تشبه كل شيء، لكنّها لا تشبه الموت، أشياء لا تحتاج إلى تماثيلَ مخصّصة لحملها. تعبنا وتعبت المدن التي نكسوها في كلّ مرة ديكورًا جديدًا، كم نحن وحيدون هاهنا، حيث لا شجر يستطيع أن يتنفّس خشية أن يتحوّل هو الآخر إلى بندقية يلهو بها الأطفال، مقلّدين ما يشاهدونه على شاشة التلفاز. 

لايزال الطريق طويلًا، تمامًا حين كنّا صغارًا، ولا تزال الأشجار الممتدة على طولها، التي تعصف بها الرياح آخذة شكلها (كأنها تماثيلُ نُحتت للتو). الكلّ يتأمّل هذا الطريق الذي يشبه ألعاب طفولتنا، نحبّها وتدفعنا أنانيتنا إلى امتلاكنا لها دون غيرنا. الأحذية التي ننتعلها باتت وكأنها أديمٌ لأقدامنا؛ ما أغربَ الشعور حين نكون حفاةً! 

اقرأ/ي أيضًا:

جسد منخور بالرصاص

وجه فرنسيّة اسمها لين